الكاتب والناقد هادي إسماعلي مشعل التأسيس لمجلة «شعر» التونسية حتى تكون منبرا للشعراء وبيتا للقصيد. وقد وجد العدد الأوّل من هذه المجلة ترحابا كبيرا من قبل أحباء الشعر وأهل الثقافة عموما في معرض تونس الدولي للكتاب تحديدا في الجناح عدد 616 حيث تعيد مجلة «شعر» إلى الشعر ألقه وصولجانه وسلطانه...
«معا من أجل حياة ثانية للشعر والشعراء في تونس» تحت هذا الشعار كانت ولادة مجلة شعر التي تهتم بالشعر التونسي إبداعا ونقدا ... وقد أسسها وترأس تحريرها الأستاذ المبرز في الأدب العربي من دار المعلمين العليا بتونس الهادي اسماعلي الذي وضع مصنفات نقدية في الشعر الحديث، وهي على التوالي: شعريات معاصرة 2006، كتابة الانغيار 2007، شعرية محمد الخالدي (بالاشتراك) 2009، فواتح البدائع 2011، حياة ثانية 2016، أولاد أحمد شاعر البلد 2017.
من أجل استعادة جوهر الشعر
«معركة هوية الشعر وهوية الشاعر في وضع اجتماعي وسياسي ونفسي مرتج. إن سؤال الهوية هو الذي حفزنا بعيد احتساء خمرة الثورة المريعة على السعي إلى استعادة جوهر الشعر واسترجاع هوية الشاعر» هكذا وصف المؤسس هادي إسماعلي سياقات ومناخات تأسيس مجلة «شعر» التي قال عنها بأنها «مبادرة شخصية فردية في الإنتاج والنشر والتوزيع يحدوها طموح مشروع في الانتصار إلى الشعر التونسي.»
ويضيف الناقد هادي إسماعلي بالقول:» بعد تعطل مجلة «شعر» التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والتي ترأس تحريرها صديقنا الشاعر يوسف رزوقة، عن الصدور بعد ست سنوات من النشر المنتظم، وبعد تراجع حظ الملاحق الثقافية في فترة التسعينات. وبداية الألفية الثالثة، جاءت مجلة شعر في عددها الأول ربيع 2019 لتتوجه رأسا إلى الشعر، فتثلج صدور أحبّاء الشعر التونسي وتصنع فضاء ثقافيا أنيقا للشعر والنقد التونسيين. وقد حرصنا على أن تتميز بمنهج رفع شعار اتخاذ نفس المسافة مع كل النصوص الشعرية وكل الاتجاهات، والترفع عن الاخوانيات، والتنكب عن النمطية والزعاماتية في حقول الأدب.»
والطريف أن رئيس التحرير يعد في افتتاحيته بدعوة هيئة جديدة مختصة مع كل عدد من أهل الاختصاص من النقاد والمثقفين الأقرب إلى محور العدد ضمانا للموضوعية والنزاهة مع سرية أعمال اللجان الاستشارية التي لا يقع التعرف إلى أعضائها إلا عند النشر. وهذه سابقة واعدة تلبي انتظارات الساحة الثقافية التي تنشد الحياد في النشر وتراهن على قيمة الجودة في الأعمال المنشورة.
حسين العوري شخصية العدد الأوّل
جاءت مجلة «شعر» نابضة بقلب القصيدة ومحتضنة لشواغلة وهواجسه وآماله ... حيث يضم العدد التأسيسي حسب ما ورد في الكلمة الأولى للعدد، ثلاثة أقسام أولها قسم المقالات كتبها كل من د.عبد الدائم السلامي ومحورها الشروط اللازمة والكافية حتى يكون الشاعر شاعرا، فضلا عن مقالة للشاعر حافظ محفوظ في تصحيح النظر إلى الإيقاع متصديا إلى بعض المزاعم الرائجة في الساحة الثقافية، انتهاء إلى مقالة للجامعي الناقد د.رشيد القرقوري ضمنها رسالة إلى الشعراء الشبان وتوصيات خبرة طويلة في معاشرة النصوص الشعرية.
أما الفصل الثاني الذي استأثر بالنصيب الأوفر من مجلة شعر، تمثل في شخصية العدد الشاعر والناقد حسين العوري الذي انكب على أعماله الشعرية والنقدية مجموعة من البحاثة. إذ تناول د.فتحي أولاد بوهده مسألة النضال عند العوري، ود.فتحي فارس ابرز شعرية الرثاء عنده، ود.منية العبيدي درست أهمية المكان ومنزلته في مدونة العوري، واشتغل د.محمد بن الطيب على مفهوم الشعر ووظائف الشاعر في ديوان حسين العوري، واهتم الباحث الهادي اسماعلي بالجانب التطبيقي فقدم قراءة لشعرية العوالم الممكنة في قصيدة العوري «لو كان العالم أطفالا» وانتهى هذا الفصل بنقد النقد من خلال مقال أسئلة النقد في كتاب العوري «الرفض في شعر نزار قباني» ألفه د.سمير السحيمي، فضلا عن مقالة للدكتور فاروق العمراني حول الجهد البحثي للعوري في أطروحته حول الشعر الحر في تونس.
أما الفصل الأخير الذي حمل عنوانا طريفا «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» فقد تضمن نصوصا جديدة لخيرة حذاق هذه الصناعة آدم فتحي ويوسف رزوقة وكمال بوعجيله ومحمد الغزي وفتحي النصري ومحمد عجينه وجمال الجلاصي وعبد العزيز الحاجي.
وقد استطاعت مجلة شعر الانفتاح على فنون أخرى تونسية أصيلة، أهمها فن الخط العربي من خلال خطوط الفنان عبد الحفيظ التليلي، كما وشحت المجلة بلوحات سريالية بالألوان للفنان مالك سعدالله وهو رائد تجربة الطبيعيين الجدد في تونس، فضلا عن التصوير الكاريكاتوري الذي يظهر في لوحة الغلاف للشاعر حسين العوري رسمتها أنامل الفنان الكاريكاتوري رشيد الرحموني.
يأتي تأسيس مجلة «شعر» ليلبّي حاجة الساحة الشعرية إلى وجود نشرية تكون صدى لإرهاصات إبداعها ومرآة عاكسة للتفاعل وللنقد مع تجليات الشعر التونسي من أجل مزيد العطاء في رحاب القصيدة وعلى أعتاب الحياة.