عدالة وطنية. يومها ردد أحد مشاهير الثورة: «هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية!» فهل كانت النتائج في مستوى هذه الأحلام والآمال ؟ مرت الأيام تتلوها الأعوام ما بين مخاض واحتجاج، تعثر وتبعثر، فشل وانتصار.... ولكن هل هبّت رياح الثورة على العقليات والحقل الثقافي. في الوقت الذي يطالب فيه البعض بمزيد الانتظار حتى تٌأتي الثورة أكلها في كل مجالات الحياة، يردد الكثيرون بأن الثورة الثقافية المرجوة لم تواكب إيقاع الحراك الثوري الذي شهدته تونس. بعيدا عن الهتافات والشعارات والاحتجاجات... تأتي الثورة الثقافية ضرورة ملحة وحيوية لرج سواكن العقول وزحزحة عقليات مكبلة أو معقدة أو سلبية واستبدالها بأخرى حرة و سوية وإيجابية...حتى ينتفض المجتمع التونسي كطائر العنقاء من الرماد ويصافح الشمس بوجه جديد وعقلية مستنيرة حتى يكون للثورة الثقافية الأثر الباقي والصدى البعيد، لا بد لفرسانها من المثقفين وجنودها من المبدعين أن يحملوا مشعل المعركة ويتصدروا المشهد العام للتصدي الى الارتجاج والارتباك وتصحيح المغالطات... لكن أين هم المثقفون من كل هذا؟
إنهم هنا وهناك، من حولنا ويعيشون بيننا لكن صوتهم مشتت وكلمتهم غير مسموعة... أمام انسحاب البعض من رداءة الساحة ولغوها والاعتكاف للكتابة، و بقاء البعض الآخر على جبهة الدفاع فرادى للدفاع قدر المستطاع عن قيم ومكتسبات...
ليس المثقف هو المسؤول الوحيد عن انحسار ألق الثقافة في روح الثورة التونسية، فلا شك أن فكر المثقف يزعج القادة والعوام ويقض مضجعهم ويفسد عليهم النوم في العسل. إذا لا بد من دق ناقوس الخطر والدعوة الى ان تكون سلطة المثقف في مواجهة سلطة الحاكم وخضوع المواطن حتى تجد الثورة التونسية بوصلة اتجاهها الصحيح ولو بعد حين...لو بعد سنين! لم تكن الثورة الفرنسية لتغير وجه العالم لولا أن قادها المثقفون وفلاسفة الأنوار، في المقابل خرجت ثورة الزنج في بلاد العرب عن سياقها ونزعت عنها ثوب الثورية لتنتعل حذاء الفوضى لأنها خلعت تاج العقل والفكر وطمعت في سلطة الكرسي والحكم. وأمام تونس اليوم أن تختار،إما ثورة الفوضى وإما ثورة الأنوار!