صوفي القلي بمدينة الثقافة، ودعي لها مختصون لعرض آرائهم وتجاربهم وتشخصيهم لواقع العلاقة بين هذين الفنين وطرح نوعية التفاعل بينهما وأسسه وآفاقه.وكثيرا ما تذمر الأدباء في تونسي وخاصة الروائيون من عدم مواكبة السينمائيين لأعمالهم وعدم الإقبال على تحويلها إلى أفلام علما بأن عدد الأفلام التونسية التي تم إنتاجها يفوق 250 فيلما عدد المقتبس منها عن روايات قليل جدا.
المتابع لهذا الإشكال الذي كثيرا ما يطرح يجد وجهتي نظر مختلفتين: الأدباء يقولون إن المخرجين يفضلون كتابة نصوصهم وحدهم حتى لا يقتسموا الدعم وحقوق التأليف مع أحد والسينمائيون كثيرا ما يقولون إن الروايات التونسية ليس من السهل تحويلها إلى أفلام وأنهم أقدر من الروائيين على كتابة نصوص صالحة للسينما ولكن هذا لا ينفي وجود تعامل بين الروائيين والسينمائيين والسؤال هنا: ما نوعية هذا التعامل؟ وهل نجح السينمائيون التونسيون في التجارب التي قدموها؟ وهل استطاعوا أن يكونوا أمناء للنصوص التي اقتبسوها أو أنهم اقتصروا على الاستلهام من بعض النصوص والانطلاق منها لعرض الواقع بحيثياته الجديدة؟
هذا السؤال استضافت له هيئة تنظيم المعرض الوطني للكتاب التونسي المخرجة السينمائية والكاتبة التونسية سنية الشامخي والناقد والكاتب والإعلامي كمال بن وناس والأستاذ الجامعي والناقد السينمائي أحمد القاسمي والسينمائي هشام بن عمار ممثلا عن المكتبة السينمائية في مدينة الثقافة لطرح الموضوع وإدارة الحوار. وقد لاحظ بن عمار منذ البداية أن علاقة السينما بالرواية والنص الإبداعي بصفة عامة عندنا موجودة ولكنها غير متينة، وهذا رغم علم الجميع بأن السينما العالمية نهلت منذ بداية القرن العشرين من الأدب واستغلت جنس الرواية لخلق ديناميكية في السوق التجارية رغم أن هذا الاستغلال أفاد الكثير من الكتاب إذ لا يمكن أن ننسى أن السينما ساهمت في التعريف ب «مدام بوفاري» لغوستاف فلوباروب «ايميل زولا» وب «الكسندر دوما» وغيرهم...
وتحدثت سنية الشامخي في مداخلتها عن تجربتها الشخصية في الكتابة الروائية وفي كتابة السيناريو وعن أسلوب تعاملها مع الفنين وقد برعت فيهما معا وقالت: «على الرغم من امتلاكي لنصوص إبداعية فإنني لم أستغل أي منها في فيلم»
وتحدثت سنية عن تجربتها وطقوسها وأسلوبها في الكتابة ورؤيتها الخاصة لما يمكن استعماله من الواقع ومن الجمال للسينما وللأدب وصرحت بأنها تضع صلب عينيها وهي تكتب، الآخر المتلقي وتفكر كثيرا في سؤال كيف تقدم الأشياء والمعاني بطريقة أخرى خاصة بها؟ وماذا يمكن أن تضيف قراءتها إلى متلقي.
سنية الشامخي تتعامل مع العالم والمحيط والفنون والأشياء بحب كبير وبإحساس عال.. تهتم كثيرا بالتفاصيل وتقف وقفة تأمل أمام الكلمة لتوليها وزنها وقيمتها الحقيقية صلب الفكرة ويهمها أن يجد المتلقي نفسه في كتاباتها وأعمالها والسيناريوهات التي تكتبها.
هل أساءت السينما إلى الرواية؟
ومن التجارب الفردية الخاصة انتقل الناقد كمال بن وناس بالحاضرين إلى العام حين تحدث عن الأفلام التي تم اقتباسها في تونس عن روايات تونسية ومدى نجاح مخرجيها في نقلها ونسبة الأمانة في هذا الاقتباس أو الاستلهام مثل «برق الليل» و»الرديف 54» لعلي العبيدي وأفلام ابراهيم باباي المقتبسة من «ليلة السنوات العشر» و»ونصيبي من الأفق و»وغدا « و»الأوديسا» المقتبسة عن أعمال لعبد العزيز بالخوجة. وأوضح أن بعض السينمائيين استلهموا أفلامهم من نصوص أجنبية مثل المخرج الراحل الطيب الوحيشي الذي كان مهووسا بالصحراء واستلهم من نص لاندريه ميكيل المؤرخ والمستعرب الفرنسي المتخصص في اللغة والأدب العربي. والسؤال الذي يطرح هنا هو هل يتمكن المخرج من إيصال الفكرة الأصلية للنص؟ وهل تمكن الوحيشي من إبراز فكرة تحول الألم العضوي إلى صور شعرية ناصعة ومؤثرة في المتلقي عندما يتحدث عن قيس وليلى؟
ولاحظ بن وناس أن السينمائيين لا يعرفون تقريبا الرواية التونسية ليقتبسوا عنها والروائيون أيضا لا علاقة لهم تقريبا بالسينما ليكتبوا لها، وبينهما حد فاصل يمنع التواصل بينهما وهو ما يطرح سؤالا عن مكانة الأدب في الساحة الثقافية التونسية بصفة عامة.
كما أشار بن وناس إلى وجود روايات تونسية تفرض وجودها بتناولها لقضايا مهمة في المجتمع ويجد فيها المتلقي نفسه بما في ذلك جمهور السينما. وفي حديثه عن تعامل الجيل الجديد من السينمائيين لاحظ بن وناس انهم ينطلقون من الفكرة ويطوعونها للخطاب السينمائي كما فعل مراد بن الشيخ مع «راعي النجوم» لعلي الدوعاجي ومع «رسالة الغفران» للمعري
وفي مداخلته تحدث أحمد القاسمي عن فيلم الناصر خمير «طوق الحمامة المفقود» والخطأ الفادح الذي وقع فيه خمير عندما حول الرواية إلى فيلم قال فيه إن ابن حزم كان متسامحا مع الحب ومعتدلا أكثر منا اليوم حيث أصبحنا نعيش الكره في اجلى معانيه. والحقيقة هي أن «طوق الحمامة» الذي يندرج في إطار صوفي لا فقهي لم يكن متسامحا مع المحبين لأنه كتب في ظروف كان تصور ابن حزم فيها للعلاقات الجسدية وللعشق مرتبطا بالخوف من العلاقات الجسدية نظرا للتجربة السياسية المؤلمة التي عاشها وعائلته وقتها. كما أكد أحمد القاسمي على أن: «فيلم الناصر خمير كان مجرد تأويل للكتاب ونحن نقول كما قال امبرتو ايكو (نحن لا نعرف التأويل الصحيح ولكننا ندرك بيسر التأويل الخاطئ) وأضاف «كل ما تقدم سيصدر قريبا في كتاب».