المولعة بالفهم والتفسير؟ كيف يفسّر العلم مراحل تطوّر الدماغ البشري؟ هل من مبرّرات لحجم استثمارات الدوّل الكبرى في مجال الدراسات العلمية للدماغ؟ كيف تحتّم الأسئلة الأنطولوجية الاحتماء بالميتافيزيقا؟
تلك هي الأسئلة التي يبحث في تفاصيلها كتاب «الدماغ والديانات» للباحث في الشؤون الطبيّة الدكتور رفيق بوخريص، والذي نشره المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» ضمن سلسلة إصداراته العلميّة سنة 2018 .
يقدّم أستاذ الطب تشخيصا دقيقا لمسيرة تطوّر الدماغ البشري على امتداد المسار التاريخي، مميّزا بين التأويلات الغيبيّة والتشريح العلمي، منطلقه في ذلك الفوارق بين الذوات الإنسانية المولعة بفهم وتفسير الظواهر والأخرى المهووسة بالنزعة الإيمانيّة ، إذ يرفض منطق المماثلة بين الدين والعلم نظرا لاختلاف المرجعيتين «فالدين ليس العلم، والعلم لا يفسّر الدين» كما ورد في كتابه .
دماغنا هو المسؤول عما يعترينا من أفكار ومشاعر وفقا للدكتور رفيق بوخريص، مدعّما موقفه بالحفريات الطبية المتتالية، حيث ذكّر في هذا المجال بمقولة أب الطب وأوّل مدوّن لكتب الطب اليوناني «أبيقراط»، القائل «في دماغنا فحسب تتكوّن متعنا وسعادتنا وأفراحنا ومزاحنا، وكذلك أحزاننا وآلامنا وكآبتنا ودموعنا»، وعليه يمكن برأي المؤلّف استيعاب مبرّرات حجم الاستثمارات الماليّة التي خصّصتها الدول الكبرى الغربية، خاصة أوروبا وأمريكا، من أجل فهم وتفسير مسيرة تطوّر الدماغ «فالمخ الحالي ثمرة تطوّرات كبرى للكائن الحي» على حد عبارته . لنستخلص من مؤلّفه أهمية الوعي بأبرز التحوّلات التي مرّت بها الخلايا العصبية» عبر التاريخ من أجل استيعاب تطوّرات الراهن حيث نشهد حاليا وفقا لقوله « نقطة تحوّل كبرى . . محتواها المرور من الطور الثالث للمخ إلى طور رابع» .
وبفضل هذه التطورات تمكّنت شعوب المخابر العلميّة من التحكّم في صناعة الذكاء والقطع مع التأويلات الميتافيزيقيّة في مجالات تقتضي طاولة التشريح العلمي ووضوح العقل الرياضي كما تؤكّد فصول كتاب الدماغ والديانات.