العرض الأول لـ «فلاقة 2» بالمسرح البلدي: حيّ على الموسيقى.. حيّ على الحياة ...

ساحرة انت بكل حالاتك، ساحرة لانّك ولادة ولأنك رمز للخصب والحياة، ساحرة لان ابناءك تعلموا المقاومة

ونبشوا في الذاكرة الجماعية والمنسية ليكرموا «الفلاقة» و يكتبوا بالموسيقى ملحمة للحياة، جميلة أنت يا تونس الهوى والموسيقى والى كل ثوارك والى كل المنسيين قدم نصر الدين الشبلي ومجموعة من امهر العازفين وأجمل الأصوات عرضا موسيقيا فرجويا هو «الفلاقة2».
هو عرض يغوص في تراث المزود والزكرة، عرض اساسه الة الطبل بحث في اغان ذات مرجعية تاريخية من 1881 الى العام 1958 ونفض تراب النسيان عن اغان كتبت لاستهاض همم الشعب ودعوته للالتحاق بالجبل ليقاوموا المستعمر الفرنسي، عرض بطعم الشجاعة ورائحة البارود و«الكرتوش» عرض ينادي فيه «فلق يا فلاق يا سكان الجبالي ونادي الرفاق ماني براني نا فلاق زماني» ولان لكل زمان «فلاقته» اختار الشبلي :الموسيقى» بدلا عن «الرصاص» و «صوّب على خاينا وصوب علي سارقنا».

«الطبلة» تعّرف بالتاريخ المنسي
سيدة المكان، تربعت على عرش الموسيقى تماما كالأم «جايا» تصدر اوامر الحب والحياة وتبعث في الجميع صوت التحرر من كل القيود، لحضورها هيبة الاميرات ولصوتها جلجلة الرعد والبرق وكأنها اوامر الاله «زيوس» الى بقية الالهة، لايقاعاتها ديناميكية وسرعة كما سرعة «اريس» الاه الحرب في قدومه وغدوه لشحذ عزائم فرسانه، لرقاها احيانا صوت «افروديت» في تغنّجها، اما ان عربدت فالصوت يرتفع وكانك تستمع الى صرخات «هيدز» اله باطن الارض ينافس «هيفيستوس» هي «الطبلة» تلك الالة الكبيرة والساحرة معشوقة نصر الدين الشبلي وسر اختصاصه لها حكاياها ولها اسرارها ووحده الشبلي يحاول في كل بحث ان يكشف للحضور البعض من اسرار تلك الالة الضخمة الكتوم.

اختص في الايقاع، اختار الطبلة ليبحث في كل خصوصياتها، تلك الالة الكبيرة بمختلف توليفاتها يعمل عليها نصر الدين الشبلي ليقدم صورة جديدة فالطبلة ليست للزينة او اضافة موسيقية، الطبلة والدربوكة والبندير هم اساس العرض وبقية الالات يمكن الاستغناء عنها في «فلاقة2» الطبلة بكل احجامها سيدة المكان والزمان ايضا هي صوت الحرية هي صرخة ابناء الوطن ونداءات الفنانين، وظفها الشبلي لتكون صرخات دقات قلبه ونبضه في حبه للموسيقى وللتراث خصوصا.

12 وزان، بين عازفي الطبلة وعازفي الدربوكة والبندير، جميعهم كانوا فرسان عرض «فلاقة2» عرض يختص في آلات الايقاع، بحث الشبلي والمجموعة الموسيقية في اغان لها رمزية تاريخية هم لا يعزفون فقط لأجل المتعة او العزف بل ليقدموا حكايات الجربوعي و الدغباجي وقصص نضالات قبائل المثاليث والسواسي وجلاص والفراشيش واولاد ماجر وكل من حمل البندقية والبارود وصعد الجبل ليقاوم المستعمر الفرنسي دفاعا عن الوطن وايمانا بحقهم في التحرر من مستعمر سرق الارض.

بالطبلة وموسيقاها القوية يقدم الشبلي تاريخ منسي ينبش في الذاكرة الجماعية والتراث الشفوي ليحدث جمهور 2018 عن تاريخ تونس عمن صعدوا الجبل وقاوموا عن قصائد قيلت من 1881 الى 1958 تحث الصادقين ليقاوموا وبالموسيقى كتب الشبلي ملحمتهم موسيقيا.

للنبش في الذاكرة الجماعية...الشعر الشعبي عنوان
الى كل المنسييين، الى الصادقين الى من نسي التاريخ الرسمي تدوين نضالاتهم، الى من اريقت دماءهم فداء لاستقلال تونس الى كل من حمل البارودة وصعد الجبل من جنوب البلاد الى شمالها، الى كل القبائل التي حمت الفلاقة وتسترت على وجودهم الى من اختاروا مصلحة الوطن على الذاتي قدم نصر الدين الشبلي فلاقة2 الى ساسي لسود ولزهر الشرايطي.

صوت هادئ ورقيق هو همس قمبري الصحبي بن مصطفى تكتب نوتات رقيقة كما هدهدة الاطفال ربما هي اخر وصايا «الفلاق» لوحيده يوصيه بالبلاد والعشيرة، ثم يكون الضوء احمر كما لون دماء الشهداء ويدخل الركح «شاعر» ببرنس ناصع البياض وشاشية حمراء ضو حداد سيحدث الجمهور عن العشيرة والوطن عن الارض المنهوبة عن خيرات الملح التي سرقها الاستعمار ولا زال يستغلها الى اليوم ويقول في قصيده «شاهي شهوة»:

«وأنا شهوتي، نشوف شهوتي بأعياني قبل موتِّي يا ريت ...
و شاهي يعود ضمارنا
و تطفى لهايب نارنا
وننسوا غصايص همنا بالنُكتة
لا سَوْ، لا عذابات
خزوات، يا خزوات!
هزّوه منّا ملحنا بالنَّكتة
مصّوه العْذِيبَاتْ( العذيبات هي سبخة في بن قردان لازال السلطات الفرنسية تستغل ملحها بخمسة فرنكات للطن من الملح)
أرجوك كوتوزال!
ما عاد مازال
هزّيه ملح الأرض
مصّيه ملح الضّحكة
و مادام هذا الحال دوسيه حتّى العِرض
ومصّيه حتّى دمنا»

مع نداءات الشاعر تكون موسيقى القيثارة حزينة وكأنها عنوان لعذابات من قاوموا ودفعوا الكثير لتونس، في القصيد يكون الكثير من النقد لسلط الاستعمار وللفرقة ايضا موسيقى حزينة تماما كألم فرقة ابناء العرش الواحد، بعد القيثارة تصرخ الطبل عاليا لتستنهض الهمم ونجد الشاعر يقول بصوت اشد ارتفاعا ورأسه ممشوقة الى الامام رافعا يمناه الى الجمهور «شاهي تغيب عروشنا، وننسوها نهار الولّادة، وبالحب نبنو حوشنا يزيه طال خرابه، العروش كي الكرتوش، تبعد احبابنا وتقسم ضمايرنا، وما نبابنا من الخلف كان عذابنا وكان الوجع والتفرقة والبأس» قصيد يدعو الى الوحدة ونبض الانقسام والشقاق ضمانا للمصلحة العامة.
بعدها يكون الموعد مع مقطع ايقاعي سمته «الدربوكة والطبلة» لدقائق تتحدث الطبلة يكل اشكاله وتدعو الجهور لينصت الى ما ستقوله بقية الالات وتدعوهم ليستمتعوا وفي الوقت ذاته ليتمعنوا في كلمات الاغاني ومعناها، اغان جمميعها قيلت لدعوة الثوار ليلتحقوا بالجبل، بعضها ساخر من حال البلاد وكيف طغى الجند الفرنسي على التونسيين ومن هذه الاغاني استحضر الشبلي اغنية «رقي سيت» للشاعر احمد البرغوثي التي كتبها بعيد توقيع معاهدة الحماية وتقول الكلمات:

«رقي صيت من عــمره تعدى ســايب استغفرت تصريف
الزمان عجايب من كان جده ضاري وبباه بتي اليوم ليه الـواري
رقت موجته فوق الشقف والصــاري وعاد السمع للوذن

كان غرايب
ريت البهيــــمة راكــبة عكاري عل ظهر ضبعه منادية بالغايب
الداب كاتــــب حجة منه الضبوعه هاربة تتـــلجى
والكبش ريته شــــد ذيب وقنجه وجايب اولاده مكتفين غصــــايب
البدعه الكبيرة الفار رامي سرجه وراكب على قطوس شارف شــايب»

ثم اغنية «الفارس» و«القلب» و«الصبر ما نفعني» وجميعها قدمت بتوزيع جديد قام به الشبلي ومجموعته الموسيقية، اغان لها مرجعية تاريخية مقاومة، اغان كتبت في فترة تعيش فيها البلاد تحت وطأة الاستعمار اغان تتغنى بالشجاعة والوطنية وتدعو التونسي للمقاومة وفي 2018 تكون الاغنية بمثابة كتاب تاريخ مفتوح يقرأ منه الجمهور بعض الجمل المنسية والتواريخ المغيبة، فالفن مقاومة والفن تأريخ ايضا.

الفلاقة تجمع «المعلمية»
تتواصل الرحلة والمتعة، الكل في المسرح البلدي يرقص الايقاعات الصاخبة تدفع الجمهور للرقص والتفاعل، الكثير من الحياة والألوان الموسيقية وفي اللباس أيضا، عرس بما للكلمة من معنى ودلالة، مزيج جد غريب بين التين مختلفتين الأولى غربية والثانية تونسية جنوبية الروح والهوى، حديث قيثارة «غسان الفندري» مع مزود «عبد المجيد رزوقة» ثقافتين جد متباعدتين لكل واحدة مرجعيتها الموسيقية جمعهما الشبلي في مقطع مميز بطعم الصخب والجنون.

ومن يقول الطبلة والايقاع حتما يستحضر «حمة الباجي» ملك الايقاع كما يسمونها وفي فلاقة كان ربان الرحلة وقائد فرسانها موسيقيا رغم تقدمه في العمر مازال له ولع بالايقاع ومازال لحضوره ميزته ولموسيقاه سحرها.
اما الة «الزكرة» التي تلهب مشاعر الحضور وتدعوهم للمشاركة في لوحات الرقص فقد كان سيدها «عاشور الطياري».

«فلاقة2» عرض موسيقي فرجوي جمع فيه الشبلي «المعلمية» كما يسمونهم مجموعة من امهر الموسيقيين جميعهم تماهوا في عرض موسيقي تونسي يقدم الاغنية التراثية ذات المرجعية التاريخية، جميعهم كانوا صوت للمنسيين وغنوا اغان ربما نسيتها الذاكرة الجماعية، حاول الشبلي ومحمود لحبيب و رشيد الماجري وضو حداد وبلقاسم عبد اللطيف احياءها وتقديمها الى جمهور متعطّش الى موسيقاه وتراثه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115