لفيكتور هيقو:
لا بدّ لكلّ مجتمعٍ مُنظّم من قانون مقدّس ومسلّح, مقدّس باُلْعَدالةِ ومُسلّح بالحرية.
(1)
القراءة مُتْعَتي ومُعاشَرَة اُلْكُتب عموما مِـحْنتي واُلْتى لاَ أعْرِفُ_ حدّ الآن _ من أيّة جينَةٍ منْ جِينات اُلْسُّلالَة قد تسلّلَتْ إلى كِتابي اُلْصّبْغي ... ومَنْ مِنْ مُعلميّ اُلـجَميلينَ ومُعلّماتي الجميلاتْ قدْ قَدَحَ زِنادها لتُصاحِبني شُعلتها الوقّادَة اُلْتى حصّنَتني من اُلْإنهيار والإنتحار أكثر من مرّة في وطني اُلْرائِع وبين أهْلي اُلْطّيبين . القراءة فعْل عَضلي, نشاطٌ فيزيولوجي وتحفّزٌ بيولوجي يتخطّى به اُلْـخـيالُ اُلْزّمان والمكانً الحيني دون تقصّدٍ , كلّ تخُوم الفيزيقا _اُلْطبيعة_ المادة _ ليطْرق أبواب أعْتى الميتافيزيقات غُلُوّا في اُلْعُلوّ واُلْتّعَالى . يُصْبح كل شيء في العالم _ أو يكاد _ أن يكون هو مَكْتوب كِتابٍ من منْظور اُلْشّغِفِ _ اُلْـمَشْغوف بالقراءة . الكونُ كتابٌ . هو بُوبْلي _ كما تقول لغة اليونان _ وما فيه كُتب مَزبورَةٌ في كُتب . كل المؤسسات والممارسات والمواقف والأحْكام كما كلّ اُلْكِائنات واُلْعَواطِف إنما هي كُتب . المرأة _ مثلا _ كِتاب .عيْنيها كتاب . وجهها كتاب , كفّيها كتابٌ ... الشّجرة كتابٌ, اُلْأوراق التي تكْسوها كتابٌ . اُلْبَحْرُ كتابٌ وكذلك الأصْداف واُلْصّحارى كُتب و حُبَيبات اُلْرمل مفرداتها الأكيدة ...كما الحُصيّات التى كان يحْصب بها المصلّون شَحْطا وضَربا في الجوامع أئمة الشّقاق والنّفاق ...كما دوّنت ذلك أنامل الكُتّاب في الكثير من اُلْـمُتون .
(2)
القِراءة مُتعدّدة اُستعمالات كما اليد البشرية . هي لدفْع هَــمّ اُلْـجَهْل كما هي للمُتْعَةِ ومُؤانسة الذات حين عُزلةٍ ...إرادية أو حين تجْربة سجن باُسْتِحْضار بنات فحول اُلعُقول لِلْإعْتبار... و اُلْإسْتِبْصار . إنها طقس عبور غير أنها يمْكن أَنْ تـَكونَ سببا في زيادَة منسوبِ اُلْقلَق واُلحُزن والألم حين تصادفنا سرديات اُلْــمُشين واُلْــمَكْرورِ من اُلْأفعال اُلْبشريّة فهي تُعيدنا للواقع المعيش وإن هي قد اُجْتازت بنا صورتي اُلْزمان والمكان حين ممارستنا لتلك القراءة بالذات فيزداد فعلا منسوب الحُزن عنْدنا ...والقلق والقَرف من قادحات الشرّ في السلوك البشري خاصة إذا تعلق الأمر بأخبار مَصارع العشاق أو بالسّلوك السّياسي وتدبير الشأن العام والأمر العمومي على مرّ التّاريخ والتي تريد النخبة الحاكمة التحّكم فيه بكل صرامة وحزم بممارسة العُنف الذي تسعى كدحا احتاره لنَفْسها دون سواها _ وتكون مُحقّة إذا كانت عادلة _ وتتفنّن في تصريفه وحتى في تبذيره وإن بشَكْل اُعتباطي وهو ما يقود _ انْ آجلا أو عاجلا_ الى اُستزارع نبات شَرّ العُنف المضادّ الذي سوف تتوارثه الأجْيال تلْو الأجيال.كما الصّراع الذي يقتلني بين السنة و الشيعة وسائر الفرق في تاريخ الإسلام منذ الأمس السياسي الأبدي الى اليوم
لقد ورد في رائعة مسكويه الحكيم ( أبو علي أحمد بن يعقوب . المتوفى سنة 421ه ) : تجارب اُلأمم وتعَاقُبُ اُلهِمَمِ (ج 2) هذه الواقعة اُلْسّردية الدالة على حقيقة ما يُسمى في مُعْجم الفلسفات السياسية منطق السلطة.
... أُخد ذات ليلة أعْرابيا فأتى به زياد فقال :
هل سَمعت اُلْنّداء _ نداء منع الجولاَن _؟
فقال الأعرابي : لا والله ,وإنما قَدمت بحَلوبةٍ لي
وغَشيني الليلُ فاضْطررتها إلى مَوضعٍ و أقمتُ لأُصْبح ولا عِلم لي بما كان من_ أمْر_ اُلْأَمِير . قال :
( أظنك صادقا والله , ولكنّ في قَتْلكَ صلاَح الأمةِّ ثم أمر به فضربت عُنقه ) . آه كأني أرى وأحسّ وأنا أقرأ هذه الواقعة جَدّي اُلْأعرابي يتشحّط في دَمِه بلاَ ذَنْب ارتكبه سوى جهله بقانون الطواري الأميري وإن هو القانون لا يعذر الجاهل بجهله القانون . وتأتى الوقائع اُلْغريبة والحوادث العَجيبة تِباعا كما الهوم التي لا تأت فرادى من الأوراق القديمة فتستحيل مُتعة القراءة و لذّة النصّ إلى مرّ اُلْعَلقم لما أكاد أشَاهِدُ مُعاينَةً من حَفل قَطع أيْدي الحاصبين للأمير حين خُطبة في جامِع باُلْكُوفة .ما الحكاية ؟
(3)
لما مات المغيرة بن شعبة كتب معاوية إلى زياد بعهده على الكوفة (...) فلما دخل الكوفة صعد المنبر , وقال في خُطبته_ وهو صَاحب الخُطبة اُلبتراء الشّهيرة _ قال :
إنيّ أرَدْتُ أنْ أشْخص إليكُم في ألفينِ منْ شُرَطِ اُلْبَصرَة ثم ذكرتُ أنكم أنّكُم أهْل حًقّ وأنّ حقّكم طالَ ما دَمَغَ اُلْباطِل فأتيتكم في أهْل بيْتي . فلما فرغ من خطبته
_ تقول الأوراق القديمة_ حُصِبَ على المنبر
_ ضربه بعض اُلْـمُصَلين باُلْـحَصى _ فجلسَ حتىّ أمْسكوا ثم دَعا قوما من خاصته , فأمَرهُـم أن يأخذوا أبواب المسْجَد ,ثمّ قال :ليأخذ كل منكم جليسه ولا يقولنّ :لا أدري من جليسي
ثم أمر بكرسي فوُضِعَ له بباب المسجد فدعا أربعةأربعةيحلفون بالله :(ما منّا مَنْ حَصَبك )
فمن حَلفَ خلاّهُ ومن لم يحْلف حَبسَه وعَزلَه , حتى صار إلى ثمانين ,فقطع أيديهم على المكَان وتزيد الأوراق القديمة عن الشّعبي يتحدّث عن زياد:
فو الله ما تعلّقنا عليه بكذبةٍ وما وَعَدنا خَيْرا أو شَرا إلا أنْفذه . ( تجَارب الأمم وتعاقُبُ الهِمَم _ الجزء الثاني ص11_). طويت كتاب التجارب آسفا لمتعة القراءة التى كانت روحي القلقة تهفو اليها ومددت يدي الى أقرب كتاب من أناملي علني أمحو عني رائحة الدم وإذا بي أجدنى وجها لوجه مع كارثة قرائية أخري , كتاب: رسائل وأحاديث من المنفى للفرنسي الرائع فيكتور هيقو . فتحت الكتاب على رسالة كتبها في 22 _7 _ 1870 الى نساء جرنسي:
سيداتي :طاب لبعض الرجال أن يحكموا بالموت على قسم من البشر ومن ثمة يتم الإعداد لحرب طاحنة ليست هذه حربا في سبيل اُلْـحُرية ولا في سبيل اُلْواجب ولكنّها حرْب نزوَةٍ وهَوى .سوف يُقْتل شَعْبان لمزاجِ أميرينِ وفي حين يسْعى المفكّرون إلى التقدّم بالحضارة يسْعى الملوكُ إلى إتقان الحَرب التى سَوْف تكون رهيبَة . ويُعْلن بعضْهم عن أعمال رائعة : هناك بندقية تردي اثني عشر رجلا قتيلا وموقِع_ مِدفع _ يقتل ألف رجل .ولن يسيل الماء الحرّ اُلْصافي بغزارة في نهر الراين الناّبع من جبال الآلب ولكن دِماء الرجال التى سوف تسيل . وسوف تبكي أمّهاتٌ وأخواتٌ وبناتٌ وزوجاتٌ وسوف تَلبسهن جميعا ثوب الحِداد ,بعضهن بسبَب مَصابهمنّ واُلْبَعْض الآخَر بسبب مَصاب الآخرين .. .
(4)
أغلقت الكتاب على عجل أعادتني القراءة الى الألم ...تحركت بي رغبة في مخاطبة أحد الأصدقاء ... لكن الليل توغلّ في بعْضه ...فتماسكت وخطر ببالي صديقي الشاعر الفلسطيني الحر النبيل مراد السوداني وطافت جوارحي حول فلسطين الجريحة فتحسست عنقي , سلمتني لأطيار النوم الفجرية التونسية وهي اتجاه الجنوب تَطير بي فكأني أراها قد كتب على أجنحتها :
لا بد لكل مجتمع منظم من قانون مقدس ومسلح :
مقدس بالعَدالة ومُسلّح بالحرية . نهضتُ على عَطشٍ, منتصب الأعْضاء كأنيّ كنْتُ أبْكي وأرْقص...
(5)
القراءة كما الموسيقى _ كما عُموم الفنون والحب والأدب ,,, تُبْكي هي القراءة و تُرْقِص . لقد تركت حكاية سعد وسعيد ليتأوّلها حكماء الأمة التي اسْتَشرى فيها أمْر ما لاَ يُسّمى ..