• اشارة ثانية : « لايـُـزال الملامُ عنك بحالٍ / حالة الشيخ وابنه والحمار»
• اشارة ثالثة : « يا ولدي حِرنا مع هؤلاء النّاس لم يخلّصنا منهم شيءٌ.. واُلْـحقّ أن نَفْعل ما يظْهر لنَا ولا نَلْتَفِتْ إليهم ».
(1)
اني لا أحُبّ البكّائيين الشّكائين .. ومع ذلك يحقّ للقَلْب أن ينْــزِف حينَ يقرأ ما تـَخُطّ أقلام النّازفات الحرائر والنازفين الأحْرار في الوَطن و العَالم .. حول الظلم و الإنتحار وأحوال العدالة المائلة ... وسعير الأسعار وعودة القُمّل والعَطَش ... و عموم القلق الذي يجتاح الحضارة كونيا ...
(2)
ليلتي البارحة , ليلة التقلّب وأوْجاع القَلْب والمــقَالِبِ . هي ليلة تونسية تماما كاملة الأوْصاف والصّفات بأخْبار العدالة «العادلة» في الوطن كما في العالم حدّ العَدول عنْ الحقّ... فطارت بي أطيار الرّوح الحمراء وحطّت عند أوراق قديمة وقالت أقرأ_ أنْتَ الكائن الورقي_ فقرأت :
«إذا جارَ الأميرُ وكاتبوه
وخانوا في الحُكومة والقضاءْ
فويلٌ للأمير وكاتبيهِ
وقاضي الأرْضِ مِنْ قاضي اُلْسّماء».
قلت إذا مال «القضاء» وأخذَت العَدالة تَعْرُج كما هي تَعْرج ضُعنا وضَاعَتْ البَوْصَلَةُ , ثم أخذتُ أقلّب المسألة لأدْرس الأمر اذ « الدّرس من الدّراس والدّراس إنما هو استخراج الحَبّ من السُّنْبل « وقلتُ لي هلْ من السّهْل أن نُطْلق الأحْكام على « أحكام العَدالة» إنْ هي عادلة أم ظالمة ..؟ ألا يـَجْتاحُنا نزوعٌ غَوغائي في كثير من الأحيان بإطلاق « الأحكام الجائرة « « جِزافا حول ذواتنا كما حول سوانا فنكون في صفوف الظالمين والظّلمة ولا ندري نحن الذين نطلب العدالة.. ؟ وتذّكرت حكاية هي بمثابة الدرس « البيداغوجي « كان قد رواها لنا معلمنا الصفاقسي « سي محفوظ « ذات سنة من دراستي الابتدائية بمدرسة أحمد دولة بقصر _ قفصة و بعد سنوات طوال وطوال سوف أعثر على الحكاية عند لسان الدين بن الخطيب في كتاب « اعلام الأعلام مِـمّنْ بُـويـِعَ قبل الإحْتلام من ملوك الإسلام « (ج 2 /ص 14) فماذا قول الحكاية؟
(3)
«ذكروا أن رجلا خَرج هو وابنه ولهما حمارٌ, يركب الرجل وابنه خلفه فسمع الناس يقولون :
ما أعْظم جفاءَ هذا الشيخ و أقلّ حياؤه ركب هو وابنه حمارا ضَعيفا فهَلاّ نزل وخفّـفَ عنْه؟
فنزل الرجل عن الحمار وترك عليه الولد .سمع الناس يقولون : أركب ابنه القادر على المشي وتَرك نفْسه مع الضّعف والشيخ يُطارِح الولد (يعلّمه) سوء الادب وسوء المعاملة .؟.فأنْزل الوالدُ الولدَ وركب هوّ. فسمع الناس يقولون : ولدٌ صغيرٌ آثر نفسه عليه وتركَه يتْعَب
دونه ولم يرْحمه ؟؟
فنزل وترك الحمار خالي الظّهر فسَمعهم يقولون :حمارٌ يسير بطّالا ( لا يحمِل شيئا) وشيخٌ وصغيرٌ خَلفه . قد حَرم هذا الشيخ نفسه وولده صونا للحمار ؟صنَع الله به وصنَع .
فقال الوالد لولده :يا ولدي حِرنا مع هؤلاء ( الناس ) لم يخلّصنا منهم شيءٌ والحق أن نَفْعل ما يظهر لنا ولا نلتفت إليهم».
تلك هي الحكاية . قلت لي قبل أن أسلمني للنوم ما أشْبَه حَالِي مع أهْلي و»حَال صَاحِبَ الدّولة بَحالٍ اُلْإبْن واُلْأب والحَمَار لا فارق « كما قال لسان الدين بن الخطيب الشّاعر والكاتب العجيب . استحضرني الفصل الرابع من رواية «امرأة الريح» لزينب العوني الموسوم بعنوان طريف: « الأحمرة وميخائيل نُعيمة والمعلّـم» اذ تقول : « لكل العائلات حمار على الأقل وأفْقرها لا يملك غير حَمار واحد , حياة الحمار وصحته كانت أولى عنْدهم من صحة الأولاد وباقي الأهل..
(...) صحة وجمال الحمار وأناقة حِلاَسِهِ صورة لأهله... قلت - : فأيه صورة لتونس - هنا والآن تمثلنا - انتحارات بعض أهلنا..أم ما يُدبّر في قُصور عدالتنا بالليل...؟
(4)
اني وأن كنتُ لا أحُبّ البكّائيين الشّكائين .. مع ذلك يحقّ للقَلْب أن ينْــزِف ... عسى أن لاَ يتصلّب فَــيحْقد...والأوطان مدارسا ومزارعا .... لا تُقامُ و تُبــنى بعقول وسواعد الظالمين و الحاقدين ... وما أبسط وأبلغ عبارة الزعيم فرحات حشّاد العظيم : «أُحبّكَ يا شَعْب».