منبر: برنامج «الأمان الإجتماعي» على ضوء القانون الأساسي عدد 10 لسنة 2019 المؤرخ في 30 جانفي 2019

كريم بن حميدة

محام وباحث في مجال المسؤولية المجتمعية والتنمية المستدامة

صدر بالرائد الرّسمي للجمهوريّة التونسيّة عدد 11 بتاريخ 5 فيفري 2019، القانون الأساسي عدد 10 لسنة 2019 المؤرخ في 30 جانفي 2019، والمتعلق بإحداث برنامج "الأمان الاجتماعي"، وهو برنامج جديد يهدف إلى النهوض بالفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل التي عرّفها ذات القانون بالأفراد أو الأسر التي تشكو حرمانا متعدد الأبعاد يمس الدخل والصحة والتعليم والسكن والنفاذ إلى الخدمات العمومية وظروف العيش.
وإسهاما منّا في التعريف ببرنامج "الأمان الاجتماعي"، المندرج في إطار تطوير منظومة الحماية الإجتماعيّة في تونس، نتولّى فيما يلي إبراز أهم ما جاء فيه من آليّات و إجراءات تهدف إلى الإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي للحد من الفقر والأسباب المؤدية إليه.

1. الفئات المنتفعة ببرنامج "الأمان الاجتماعي":
يهدف برنامج "الأمان الاجتماعي" بالأساس إلى النهوض بالفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل و ذلك من خلال:
ـ ضمان حقها في حد أدنى من الدخل والحق في المنافع الصحية،
ـ النهوض بها والرفع من ظروف عيشها وتأمين نفاذها إلى الخدمات الأساسية كالصحة والتربية والتعليم والتكوين المهني والتشغيل والسكن والنقل،
ـ تعزيز آليات الإدماج والتمكين الاقتصادي وتكريس مبدإ التعويل على الذات،
ـ الحد من الفقر والارتداد إليه وتوارثه،
ـ مقاومة الإقصاء والحد من التفاوت الاجتماعي والجهوي وتعزيز تكافئ الفرص وتكريس العدالة الاجتماعية والتضامن.
وبالرّجوع إلى الفصل الثامن من القانون الأساسي المذكور، يلاحظ أن الإنتفاع ببرنامج "الأمان الاجتماعي" ليس حكرا على التّونسيين فحسب، حيث تنتفع ببرنامج "الأمان الاجتماعي" الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل سواء من التونسيين أومن الأجانب المقيمين بصفة قانونية بالبلاد التونسية وذلك على أساس مبدإ المعاملة بالمثل ومراعاة الاتفاقيات الدولية في هذا المجال.
هذا وينتظر أن تضبط شروط وإجراءات الانتفاع ببرنامج "الأمان الاجتماعي" وسحبه والاعتراض عليه بمقتضى أمر حكومي.
وتتولى الوكالة الوطنية للإدماج والتنمية الاجتماعية المزمع إحداثها، والتي نتعرض إليها لاحقا، ضبط قائمة المنتفعين بهذا البرنامج بالاستناد إلى قواعد الشفافية والموضوعية والإنصاف مع مراعاة مبدإ التمييز الإيجابي لفائدة الفئات ذات الاحتياجات الخصوصية والجهات والمناطق ذات الأولوية حسب مؤشرات التنمية الجهوية.

2. المنافع المخولة للمنتفعين ببرنامج "الأمان الإجتماعي":
تتمثّل المنافع المخولة للمنتفعين ببرنامج "الأمان الإجتماعي" في التحويلات والدعم المادي والمنافع الصحية والإنتفاع بآليات الإدماج والتمكين الإقتصادي.

أ- التحويلات والدعم المادي:
بمقتضى الفصل الثاني من القانون المحدث لبرنامج "الأمان الاجتماعي" ، تتولى الوزارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية وضع أنموذج تنقيط (Scoring) يعتمد أبعاد الحرمان المشار إليها سالفا لتحديد الفئات المنتفعة بالبرنامج المذكور وتصنيفها إلى فئات فقيرة وفئات محدودة الدخل.
وتسند للفئات الفقيرة المحددة وفقا لنظام التنقيط المذكور تحويلات مالية مباشرة تصرف كل شهر تضبط طريقة احتسابها ومقدارها بقرار مشترك من الوزير المكلف بالشؤون الاجتماعية والوزير المكلف بالمالية.
هذا، وتنتفع الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل بدعم مادي ظرفي تضبط حالات إسناده ومقاديره بقرار مشترك من الوزير المكلف بالشؤون الاجتماعية والوزير المكلف بالمالية.

ب- المنافع الصحيّة:
تنتفع الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل حسب الفصل الثالث عشر من القانون، بالعلاج والتداوي والإقامة في الهياكل الصحية العمومية وبالأجهزة التعويضية والميسرة للإدماج وخدمات التأهيل.

ج- آليات الإدماج والتمكين الإقتصادي:
بالرجوع إلى الفصل الرابع عشر وما بعده من القانون، تتمتع الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل المنتفعة ببرنامج "الأمان الإجتماعي" بالأولوية في الإنتفاع ببرامج السكن الإجتماعي.
وتتخذ الدولة إجراءات تفضيلية في إطار برامج وآليات التكوين المهني والتشغيل لفائدة الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل المنتفعة ببرنامج "الأمان الاجتماعي".
كما تمنح للفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل المنتفعة بالبرنامج الأولوية في الانتفاع ببرامج التنمية الجهوية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وفقا للتشريع الجاري به العمل.

3. الإلتزامات المحمولة على الدّولة:
بمقتضى القانون الأساسي الجديد المتعلق بإحداث برنامج الأمان الإجتماعي، تضع الدولة إستراتيجية وطنية للإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي للحد من الفقر والأسباب المؤدية إليه باعتماد مقاربة تشاركية مع كل الأطراف المتدخلة، وتعمل على تنفيذها بوضع وتطوير البرامج والآليات الملائمة.
وتعتبر مسؤولية وطنية على معنى القانون المذكور:
ـ المساهمة في التوقي من الفقر والحد منه والارتداد إليه وتوارثه، ومساعدة وتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية،
ـ توفير ظروف العيش الكريم للفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل والعمل على النهوض بها،
ـ تأمين نفاذ الفئات المذكورة إلى الخدمات الصحية والتربوية والتكوينية وإدماجها الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا الإطار، تلتزم الدولة والجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات العمومية بتجسيم هذه المسؤولية الوطنية في إطار مقاربة تشاركية مع المؤسسات الخاصة والمنظمات الوطنية والجمعيات والأسر والأفراد بمن فيهم المشمولين بقانون "الأمان الاجتماعي".

4. الإطار المؤسّساتي للتّنمية الإجتماعيّة وسجل المعطيات حول الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل:
لتقييم وتنسيق ومتابعة السياسات الاجتماعية للدولة في مجال الإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي والحد من الفقر، نصّ الفصل الخامس من القانون المتعلق ببرنامج "الأمان الاجتماعي" على إحداث مجلس أعلى للتنمية الاجتماعية يتولى الإضطلاع بالمهام المذكورة. ويرأس المجلس الأعلى للتنمية الاجتماعية رئيس الحكومة وتضبط مشمولاته وتركيبته وطرق سير أعماله بأمر حكومي.

وبالإضافة إلى المجلس الأعلى للتنمية الاجتماعية، ينص الفصل السادس من نفس القانون على أن تحدث بأمر حكومي مؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية تسمى "الوكالة الوطنية للإدماج والتنمية الاجتماعية".
وتمسك هذه الوكالة طبقا للفصل الثامن عشر وما بعده من القانون سالف الذكر، سجلاّ خاصّا يسمّى "سجل المعطيات حول الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل" الذي يتضمن بيانات ومعطيات ديموغرافية وصحية وتربوية واجتماعية واقتصادية وخدماتية تتعلق بالفئات المذكورة والمنافع المسندة لها في إطار برنامج "الأمان الاجتماعي".
وتتولى الوكالة تحيين السجل المذكور بصفة دورية ومرة على الأقل كل سنتين بالاعتماد على البحوث الاجتماعية ونتائج التقاطعات مع قواعد المعطيات العمومية وإشعارات المجتمع المدني والمواطنين خاصة المنتفعين منهم ببرنامج "الأمان الإجتماعي".
كما تتولى الوكالة إصدار بيانات سنوية حول التحويلات الاجتماعية وفي حدود مشمولاتها، بالإضافة إلى إعداد تقرير سنوي تتم إحالته إلى كل من رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة.
هذا و يتعين على الهياكل الإدارية المشرفة على قواعد المعطيات العمومية التي يمكن استغلالها في إنجاز وتحيين "سجل المعطيات حول الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل" أن توفر بصفة مستمرة ودورية البيانات والمعطيات الضرورية وفقا للتشريع الجاري به العمل في مجال حماية المعطيات الشخصية، ولا يمكن لهذه الهياكل أن تحتج بالمحافظة على السر المهني أو السر الجبائي.

وختاما، نشير إلى أنّ الدولة تعتمد على البيانات والمعطيات والمؤشرات التي يوفرها "سجل المعطيات حول الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل" في وضع السياسات والإستراتيجيات وتصور وتنفيذ وتقييم البرامج والآليات الرامية إلى مقاومة الإقصاء والحدّ من الفقر والوقاية منه والنهوض بالفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل في مجالات الصحة والتربية والتكوين المهني والتشغيل والسكن وبرامج التنمية الجهوية وبرامج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والإدماج المالي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115