واسعة شمالي الضفة، تقودها ثلاثة ألوية عسكرية وسط مخاوف من تنفيذ مخططات الضم والتهجير . ويسعى الاحتلال إلى تحويل مدن وقرى الضفة إلى مناطق محاصرة وفرض واقع أمني يخدم مشروع السيطرة الاستعمارية وسط صمت دولي وعجز عربي.
وتعد العملية الميدانية من بين أشرس وأعنف الحملات منذ سنوات. وتأتي في ظل توترات متصاعدة في قطاع غزة ، وقراءات تشير إلى أن ما يجري يتجاوز البعد الأمني المباشر نحو أهداف احتلالية أعمق تتعلق بمستقبل الضفة الغربية وترتيبات السيطرة عليها.
وبحسب وسائل إعلام ، يقود العملية ثلاثة ألوية عسكرية، بينها وحدات ''كوماندوز'' ، في مؤشر على حجم العملية وتعقيدها. وقد دفع جيش الاحتلال بقوات كبيرة إلى محافظة طوباس، ترافقها جرافات عسكرية تستخدم في هدم السواتر وإغلاق الشوارع، فيما شاركت مروحيات أطلقت الرصاص. وفرضت قوات الاحتلال الإسرائيلية منع تجول شامل، وأغلقت مداخل المحافظة بسواتر ترابية وحواجز عسكرية، ما أدى إلى عزل المنطقة بالكامل.
هذه الإجراءات تعيد إلى الأذهان أسلوب الحرب واسعة النطاق التي استخدمتها إسرائيل خلال عامين من حرب إبادة في غزة، وتهدف إلى تفكيك البنية الفلسطينية المحلي، عبر التحكم الكامل في حركة السكان.
سياسة ممنهجة للضم والسيطرة
وفي أول رد فلسطيني، قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إنّ العملية الإسرائيلية تأتي ضمن "سياسة معلنة تهدف إلى سحق أي وجود فلسطيني وصولا إلى السيطرة الكاملة على الضفة الغربية". واتهمت الحركة الاحتلال بتنفيذ ما وصفته بـ"الإجرام المنهجي" من خلال الحصار، الاقتحامات، والاعتقالات.وترى الحركة أنّ العملية جزء من "مخططات الضم والتهجير المستمرة"، موضحة أن ''إسرائيل'' تسعى إلى تحويل مدن وقرى الضفة إلى مناطق محاصرة ومقطعة الأوصال، لإجبار الفلسطينيين على القبول بواقع جديد يخدم مشروع السيطرة الاستعمارية على الأرض. ودعت حماس إلى توحيد الجهود الوطنية لمواجهة ما اعتبرته "حرباً مفتوحة" ضد الضفة.
سياق تصعيدي مستمر
وتأتي العملية الحالية ضمن سلسلة من الحملات العسكرية التي صعّدت حدتها منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في أكتوبر 2023. فقد تحوّل شمال الضفة إلى مسرح شبه يومي للقصف الصهيوني .ويشير مراقبون إلى أنّ الاحتلال بات يتعامل مع الضفة الغربية باعتبارها امتدادا لساحة الحرب في غزة، وليس مجرد منطقة منفصلة .
ويرى محللون سياسيون أن العمليات العسكرية المتكررة، إلى جانب التوسع الاستيطاني والتهجير القسري، تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتجه نحو تطبيق خطوات فعلية للضم، سواء بشكل مباشر أو تدريجي. ويؤكد هؤلاء أن مثل هذه التحركات تُقوّض نهائيا إمكانية تنفيذ حل الدولتين المعتمد دوليا، والذي ينص على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ومع رفض ''إسرائيل'' المستمر الانسحاب من الأراضي التي احتلتها منذ عقود في فلسطين وسوريا ولبنان، تتزايد المخاوف من أن يتحول الضم من واقع قائم على الأرض إلى إعلان سياسي رسمي في أي لحظة.
عجز دولي يعمّق الأزمة
في المقابل، دعت حركة حماس المجتمع الدولي إلى تحرك "فوري وجاد" لوقف العمليات العسكرية في الضفة ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المتواصلة، محذّرة من أن الصمت الدولي يشجع على استمرار التصعيد. إلا أن مؤشرات الواقع تُظهر أن المجتمع الدولي ما زال عاجزا عن فرض أي ضغط حقيقي يوقف التدهور.وتكشف العملية العسكرية الأخيرة عن تحوّل خطير ، إذ تقف الضفة الغربية على أعتاب مرحلة حساسة قد ترسم مسارها السياسي والجغرافي لعقود قادمة.
مقترح جديد بشأن "سلاح حماس"
كشفت مصادر أمس الأربعاء، تفاصيل عن اجتماعات القاهرة، الذي ركز على ملف سلاح حركة حماس.
والثلاثاء اجتمعت وفود من مصر وقطر وتركيا، وهي الدول الوسيطة لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة إلى جانب الولايات المتحدة، في القاهرة، لمناقشة المرحلة الثانية من الاتفاق، وأهم بنودها "نزع سلاح حماس" وفق "سكاي نيوز عربية".
وقالت نفس المصادر أن اجتماعات القاهرة ناقشت مقترحا يقضي بالسماح لمسلحي حماس بالاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة فقط، وبشكل مؤقت.وحسب المصادر، فإن هذه الأسلحة سوف تسلم لاحقا إلى القوة الأمنية التي يتوقع انتشارها في قطاع غزة.كما تشير المصادر إلى "نقاشات حول إمكانية دمج عدد من العاملين في الأجهزة الأمنية غير التابعة لحماس ضمن قوام هذه القوة الجديدة".
وكانت قناة "القاهرة الإخبارية" أفادت أن الاجتماع ضم رئيسي الاستخبارات المصرية والتركية، إلى جانب رئيس وزراء قطر، وبحث "سبل تكثيف الجهود المشتركة بالتعاون مع الولايات المتحدة لإنجاح تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار" بين إسرائيل وحماس.وتتولى مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة دور الوسطاء والضامنين لاتفاق غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي بعد عامين من الحرب.وعقد اجتماع القاهرة بعد يومين من لقاء وفد رفيع المستوى من حماس برئيس الاستخبارات المصرية حسن رشاد، لمناقشة المرحلة الثانية من الاتفاق.وتشمل بنود هذه المرحلة نزع سلاح حماس، وإقامة سلطة انتقالية، ونشر قوة دولية لحفظ الاستقرار مؤلفة من قوات أجنبية في قطاع غزة.
وأشارت "القاهرة الإخبارية" إلى أن اجتماع الثلاثاء تناول "تذليل أي عقبات واحتواء الخروقات بما يضمن تثبيت وقف إطلاق النار".وانتهكت ''إسرائيل'' مرارا الهدنة، وبحسب وزارة الصحة في غزة أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية عن استشهاد أكثر من 300 فلسطيني منذ سريان الهدنة.
''إسرائيل'' تمنع الأدوية
وقال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش، أمس الأربعاء، إن "إسرائيل" تسمح بدخول البضائع الترفيهية إلى القطاع، وتمنع الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية عن المستشفيات التي لا تزال تعاني تداعيات حرب الإبادة الجماعية.
وفي تصريحات سابقة، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إنّ "إسرائيل" تحرم المدنيين الفلسطينيين في القطاع من 350 صنفا من المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها الأطفال والمرضى والجرحى والفئات الضعيفة، بينما تسمح بدخول سلع ذات قيمة غذائية متدنية.
وأضاف أن "82 بالمائة من الأطفال دون عام مصابون بفقر الدم، وأن 18 ألفا و100 مريض ينتظرون السفر للعلاج"، مؤكداً أن "حياتهم معلقة بقرار سياسي وليس طبيا".وتابع أن "1000 مريض توفوا وهم ينتظرون العلاج في الخارج رغم امتلاكهم أوراقا رسمية"، فيما أشار إلى أن "نحو 6000 شخص بُترت أطرافهم دون وجود برامج لإعادة التأهيل".يأتي ذلك فيما يعاني القطاع الصحي في غزة انهيارا شبه كامل في قدراته التشخيصية والعلاجية.
إذ تعمد الجيش الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الجماعية استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية، ما أدى إلى خروج معظم مستشفيات القطاع عن الخدمة وتعريض حياة المرضى والجرحى للخطر، وفق بيانات فلسطينية وأممية.وتقدر الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار غزة بنحو 70 مليار دولار، جراء تداعيات عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية بدعم أمريكي، التي أدت إلى قتل أكثر من 69 ألف فلسطيني، وإصابة نحو 171 ألفا.وتوصلت حركة "حماس" وإسرائيل لاتفاق وقف إطلاق نار بوساطة مصر وقطر وتركيا ورعاية أمريكية، ودخلت مرحلته الأولى حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي.
أوضاع كارثية
في الأثناء أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الأربعاء، أن المنخفض الجوي الذي شهده القطاع ، تسبب في تضرر نحو 22 ألف خيمة للنازحين، وترك أكثر من 288 ألف أسرة بلا حماية في مواجهة البرد والأمطار. أفاد بذلك مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، في تصريحات للأناضول.
وقال: "المنخفض الجوي الذي ضرب القطاع تسبب بتضرر أكثر من 22 ألف خيمة للنازحين وخسائر تقدر بنحو 3.5 ملايين دولار، بعد أن أغرق مساحات واسعة من المخيمات وحولها إلى مناطق غير صالحة للإيواء".وأشار إلى أن شبكات الصرف الصحي البدائية تضررت، وأن المدارس المستخدمة مراكز نزوح شهدت غرق الممرات وتعطل شبكات المياه المؤقتة.
وأكد الثوابتة أن القطاع الغذائي "تكبد خسائر واسعة"، مع تلف كميات كبيرة من المواد الغذائية وفقدان مساعدات كانت معدة للتوزيع.ولفت إلى تعطل أكثر من 10 نقاط طبية متنقلة وفقدان أدوية ومستلزمات ضرورية بفعل صعوبة الحركة في المناطق الغارقة.
وأوضح أن المنخفض تسبب أيضاً في انجراف وتدمير معدات الطاقة البديلة والإنارة داخل المخيمات، بما في ذلك ألواح طاقة شمسية يعتمد عليها النازحون لتأمين حاجاتهم الأساسية وسط انقطاع الكهرباء.وقال الثوابتة إن "تفاقم الكارثة يعود بشكل رئيسي إلى منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الخيام ومواد العزل والتدفئة والطاقة والصرف الصحي".واعتبر استمرار المنع "خرقا واضحاً للالتزامات الإنسانية المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار وانتهاكاً للقانون الدولي الإنساني".
وأشار إلى أن أكثر من 288 ألف أسرة باتت دون حماية فعلية في مواجهة البرد والأمطار، رغم مطالبة الحكومة مراراً بتوفير 300 ألف خيمة وبيت متنقل، إلا أن الاستجابة الدولية بقيت "محدودة للغاية ولا تتناسب مع حجم الكارثة".ودعا الثوابتة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والجهات الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار إلى "تحرك فوري لإلزام الاحتلال برفع القيود عن دخول مواد الإيواء والتدفئة والطاقة والمياه والصرف الصحي".
وحذر من أن استمرار المنع الإسرائيلي "سيزيد المعاناة الإنسانية إلى مستويات يصعب احتواؤها".وحذر ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، من أن عائلات فلسطينية نازحة في غزة تواجه خطر الفيضانات داخل ملاجئ سيئة، مؤكدا أن المواطنين "معرضون للخطر بشكل كبير" مع سوء الأحوال الجوية، وأن القيود الإسرائيلية المستمرة تعرقل دخول المساعدات الحيوية وعمل منظمات الإغاثة بما فيها شركاء الأمم المتحدة.وفي بيانات سابقة، أكدت حركة "حماس" والمكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن الاتفاق نص على فتح المعابر والسماح بإخال مواد الإيواء من خيام وبيوت متنقلة، إلا أن إسرائيل تتنصل من الإيفاء بذلك.
وتسبب منخفض جوي مصحوب بأمطار غزيرة ، في غرق عشرات من خيام النازحين في منطقة المواصي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية.يشار إلى أن قطاع غزة يحتاج نحو 300 ألف خيمة ووحدة سكنية مسبقة الصنع لتلبية أبسط احتياجات الفلسطينيين من المأوى، بعدما دمرت ''إسرائيل'' البنية التحتية خلال عامين من الإبادة.