وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة الأمريكية واشنطن في زيارة وُصفت بالهامة، تحمل في طياتها مؤشرات على تحوّل كبير في مسار العلاقات بين دمشق وواشنطن. وتأتي الزيارة بعد أن أعلنت مصادر أمريكية وسورية متعددة أنّ رفع العقوبات المفروضة على سوريا تدخل مراحلها الأخيرة، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي والاقتصادي .
ودعا الشرع ، الذي التقى عددا من ممثلي الجالية السورية في الولايات المتحدة، أبناء المهجر إلى استثمار ما قال أنه "الفرصة النادرة" التي تتيحها المرحلة الحالية للمساهمة في إعادة إعمار سوريا. وأكّد أنّ البلاد "بحاجة إلى كل طاقاتها، في الداخل والخارج، لبناء مستقبلها على أسس جديدة"، مشيرا إلى أن نهاية العقوبات تشكّل "بداية عهد اقتصادي وسياسي مختلف".
ويرافق الشرع في زيارته وزير الخارجية أسعد الشيباني، حيث يُتوقّع أن يُعقد لقاء رسمي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وهو اللقاء الأول من نوعه بين رئيسي البلدين منذ 79 عاما. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الزيارة قد تتوّج بتوقيع اتفاق لانضمام سوريا إلى ''التحالف الدولي ضد تنظيم داعش''، في خطوة تراها واشنطن مؤشرا على تحوّل جذري في السياسة السورية بعد مرحلة طويلة من القطيعة.
وفي تقارير متعددة ، سلطت وسائل إعلام أمريكية الضوء على المسار غير المسبوق للرئيس السوري أحمد الشرع، واصفة تحوّله من قائد ميداني مطلوب دوليا إلى رجل دولة يطرق أبواب البيت الأبيض بأنه "تحوّل كبير في التاريخ السياسي الحديث للشرق الأوسط".
ووفق صحيفة ''واشنطن بوست'' التي نشرت سيرة الشرع منذ بداياته كـ"أبي محمد الجولاني" - القائد العسكري لهيئة تحرير الشام التي انبثقت عن تنظيم القاعدة الإرهابي -اعتبرت أن "التحوّل من زعيم متشدد إلى رئيس يجلس في قاعة المفاوضات مع قادة العالم، يعكس إعادة صياغة شاملة للهوية السياسية في سوريا ما بعد الحرب".
وتشير صحيفة ''واشنطن بوست'' إلى أن الشرع، الذي كان قد احتجز قبل نحو عقدين في مركز أمريكي بالعراق خلال سنوات الفوضى التي أعقبت الغزو الأمريكي، يعود اليوم إلى الساحة الدولية من موقع مختلف تماما، يمثل فيه ''الدولة السورية الجديدة'' التي تسعى إلى الانفتاح والتكامل مع محيطها الإقليمي والدولي.
وقالت الصحيفة أن زيارة الشرع التاريخية إلى واشنطن ''تمثل ذروة التحول السوري نحو نهج أكثر واقعية، وأنها تُعدّ "تتويجا لمسار سياسي بدأ بتفكيك إرث عقود من العزلة والصدام مع الغرب، وصولا إلى مرحلة التعاون والانخراط في التحالفات الإقليمية الجديدة" وفق تعبيرها. ويذهب محللون إلى أنّ التحوّل في مسيرة الشرع لا يمكن فهمه إلا في سياق التحولات العميقة التي تمرّ بها المنطقة، حيث تتبدّل الأدوار وتُعاد صياغة التحالفات وفق توازنات جديدة. إذ يرى مراقبون أن الشرع تحول في عين الغرب من قائد إرهابي يقود معارك على الأرض، إلى رئيس يتحدث بلغة الدبلوماسية والتنمية وإعادة الإعمار.
في المقابل، كانت تقارير إعلامية قد عن مصادر دبلوماسية أن واشنطن تدرس إنشاء قاعدة عسكرية قرب دمشق، لتنسيق المساعدات الإنسانية، ومراقبة التطورات الإقليمية، الأمر الذي نفته الخارجية السورية لاحقا مؤكدة على أن التعاون مع الولايات المتحدة سيبقى في إطار "مكافحة الإرهاب" فقط، على حد تعبيرها.ومن المنتظر أن تتطرق المباحثات بين ترامب والشرع إلى المفاوضات بين سوريا وكيان الاحتلال الإسرائيلي التي لا تزال من الناحية النظرية في "حالة حرب".
ملف العقوبات على الطاولة
ويحتلّ موضوع العقوبات الدولية الصدارة في أجندة الشرع. فالقانون المعروف باسم "قانون قيصر" الذي فرض قيودا قاسية على الاقتصاد السوري، أصبح اليوم محور نقاش واسع داخل الولايات المتحدة. ويؤكد مراقبون أنّ الموقف الأمريكي يميل إلى رفع تدريجي للعقوبات، خاصة بعد توقيع ترامب في جوان الماضي أمرا تنفيذيا يقضي بإنهاء البرنامج الأمريكي للعقوبات، في خطوة قال إنها تهدف إلى "منح سوريا فرصة للازدهار".
وأعاد هذا القرار إلى الواجهة الجدل في الأوساط السياسية الأمريكية حول مستقبل العلاقة مع دمشق، بعد أن كانت العقوبات حجر العثرة أمام أي اندماج للاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي أو أمام انخراط الشركات الدولية في مشاريع إعادة الإعمار.
وقبيل الزيارة بأيام، شطبت وزارة الخارجية الأمريكية اسم أحمد الشرع من قائمة الإرهاب، بالتزامن مع رفع مجلس الأمن الدولي العقوبات عنه رسميا، ما اعتبره البعض إشارة سياسية واضحة إلى دعم المجتمع الدولي للمسار الجديد في سوريا. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية تومي بيغوت إنّ هذه الخطوة تأتي "تقديرا للتقدم الذي أظهرته القيادة السورية بعد رحيل بشار الأسد، وانتهاء حقبة طويلة من القمع" وفق قوله.
انعكاسات إقليمية محتملة
ويرى محللون أن زيارة الشرع تمثّل تحوّلا محوريا في المشهد الإقليمي، إذ يمكن أن تعيد دمشق إلى دائرة الفعل السياسي والدبلوماسي بعد سنوات من العزلة، خاصة في ظل رغبة واشنطن في إعادة تشكيل التحالفات بالمنطقة. كما قد تفتح الزيارة الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة ترتيب العلاقات السورية العربية الغربية ضمن إطار سياسي جديد.
وتتجاوز زيارة الشرع إلى واشنطن كونها حدثا بروتوكوليا، فهي تحمل رمزية سياسية عميقة ورسالة مفادها أنّ سوريا تدخل مرحلة إعادة تعريف لدورها وموقعها في النظام الدولي. وبينما يتحدّث الشرع عن "فرصة نادرة"، يبدو أن واشنطن أيضا تبحث عن فرصة جديدة لإعادة صياغة العلاقة مع دمشق، في مشهد قد يعيد رسم ملامح الشرق الأوسط من جديد.