في وتيرة التصعيد الإسرائيلي على أكثر من جبهة، في وقت تبدو فيه تل أبيب عالقة بين حرب مفتوحة في قطاع غزة منذ ما يقارب العامين، وضغوط متنامية على الساحة اللبنانية، واحتمال مواجهة مباشرة مع إيران.منذ 7 أكتوبر 2023، يواصل جيش الإحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة، والتي دخلت شهرها الثالث والعشرين وسط اتهامات دولية متصاعدة بارتكاب إبادة جماعية وفرض مجاعة ممنهجة تم الإعلان رسميا ودوليا عنها. ورغم محاولات تل أبيب فرض معادلات عسكرية جديدة، فإنها لم تنجح في حسم المعركة ميدانيا في ظل صمود المقاومة وتشبت الشعب الفلسطيني بأرضه، فيما تزداد كلفة الحرب سياسيا وإنسانيا.
في موازاة ذلك، فتح الإحتلال جبهة ضغط جديدة على لبنان، حينما ربطت تقليص وجودها العسكري في الجنوب بمدى جدية الجيش اللبناني في تنفيذ قرار حكومته القاضي بنزع سلاح "حزب الله" بحلول نهاية 2025. هذا الشرط يكشف أن الكيان الصهيوني لا يكتفي بترسيم معادلات ردع على الحدود، بل تسعى إلى هندسة التوازن الداخلي اللبناني بما يخدم أهدافها.
إيران: ضربة استباقية على الطاولة
ويظل الملف الإيراني الأكثر حساسية، حيث تتحدث أوساط عسكرية داخل الكيان الإسرائيلي عن أنباء تفيد بأن طهران تتهيأ لرد انتقامي. وكشف العقيد جاك نيريا، المسؤول السابق في استخبارات جيش الاحتلال، أن تل أبيب تدرس توجيه "ضربة استباقية" لإيران، في ظل مؤشرات منها المناورات البحرية الإيرانية الأخيرة، وتعليمات "حزب الله" لعناصره بالابتعاد عن الهواتف الذكية تحسبا لأي مواجهة.
في هذا السياق، تأتي زيارة وزير خارجية الإحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر إلى الولايات المتحدة للقاء نظيره الأمريكي ماركو روبيو وكبار المسؤولين الأمنيين. ورغم أن الخارجية الإسرائيلية لم تفصح عن الملفات المطروحة، إلا أن توقيت الزيارة يعكس سعي تل أبيب لضمان دعم واشنطن الكامل في إدارة هذه الجبهات الثلاث: غزة، لبنان، وإيران، خصوصا أن الملفات الأكثر حساسية تدار مباشرة من البيت الأبيض.
وقبل نحو أسبوعين، هدد رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي إيال زامير بشن هجوم جديد على إيران. ونقلت إذاعة الجيش عن زامير قوله في أثناء زيارته قاعدة غليلوت قرب تل أبيب: "إذا تطلب الأمر فسنعرف كيف نعمل مجدداً في إيران وبكل قوة". وأضاف أن الحرب الأخيرة مع إيران كانت استباقية لإزالة ما سماه تهديدا وجوديا، في إشارة إلى ادعاء تل أبيب أن طهران كانت على وشك حيازة أسلحة نووية، وقد أسهمت في وقف هذا التهديد مؤقتا. وقال إنها لن تسمح لأعدائها بامتلاك قدرات تهدد وجودها.
وجاءت تصريحات زامير ، غداة زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني آنذاك إلى بيروت وإدلائه بتصريحات هاجم فيها "إسرائيل" ووصفها بـ''الحيوان المفترس''، وذلك تعليقا على عدوانها المتواصل على جنوب لبنان.
جبهات متعددة
يبدو بوضوح أن التصعيد الصهيوني ليس معزولا بين جبهة وأخرى، فحرب إبادة غزة تستنزف تل أبيب وتدفعها لمحاولة تعويض إخفاقاتها عبر تحريك ملفات لبنان وإيران. وفي المقابل، ترى "إسرائيل" أن نجاحها في فرض معادلات جديدة في لبنان أو توجيه ضربة لإيران قد ينعكس على قدرتها في إدارة حرب الإبادة غزة وسط عجز دولي مخجل عن إيقافها. لكن هذا التشابك ينطوي على مخاطر انفجار مواجهة إقليمية أوسع، في ظل صمود المقاومة من اليمن إلى لبنان، وغياب أي أفق تسوية سياسية.
ووفق مراقبين باتت تل أبيب اليوم أمام معادلة معقدة وهي استمرار حرب غزة بلا حسم، تصعيد مشروط في لبنان، واحتمال مواجهة مفتوحة مع إيران. وبين هذه الجبهات الثلاث، تحاول حكومة الاحتلال تثبيت روايتها المزعومة والكاذبة أمام المجتمع الدولي وضمان الدعم الأمريكي، لكنها في الواقع تقترب أكثر من منزلق حرب إقليمية قد تتجاوز قدرتها على السيطرة وتضعها في مأزق العزلة الدولية نتيجة الرفض الدولي المتنامي لسياساتها الاحتلالية في القطاع وأيضا شنها حرب إبادة ومجاعة ممنهجة ضدّ شعب فلسطيني أعزل.
خلافات داخلية
على صعيد متصل تتعمق الهوة داخل حكومة الاحتلال بين المستويين العسكري والسياسي بشأن الحرب المستمرة على قطاع غزة، حيث تزداد الاتهامات لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأنه يدير المعركة بما يخدم حساباته الشخصية والسياسية، أكثر مما يستجيب لضرورات عسكرية أو أمنية.
في المقابل، يطرح قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي رؤية مختلفة تقوم على ضرورة الإستفادة من المفاوضات الجارية، خصوصا في ملف الرهائن. فقد أكد رئيس أركان جيش الحرب إيال زامير أن الصفقة المطروحة على الطاولة هي الخيار الأفضل لإعادة الرهائن الإسرائيليين.
وتشير التقديرات إلى أن الخلافات تتركز حول توقيت العمليات واتساعها، فبينما يضغط نتنياهو لتسريع وتيرة الهجوم على مدينة غزة، يفضل قادة الجيش المضي بخطوات محسوبة خشية تعريض حياة المحتجزين الإسرائيليين لمزيد من الخطر، إضافة إلى تقليل عدد قتلى الجنود الذين يتساقطون يوميا في المواجهات البرية.
ووفق تقارير من المقرر أن يجتمع "الكابينت" الأمني والسياسي اليوم الثلاثاء المقبل لبحث خطط جديدة لاحتلال غزة، ومناقشة مكان المفاوضات التي أعلن نتنياهو أنها لن تكون في القاهرة أو الدوحة. ووفق ما أوردته صحيفة "معاريف"، فإن الاتصالات مجمدة حاليا بانتظار تحديد موقع جديد خلال أيام، بزعم فصل الجولة القادمة عن سابقاتها.
لكن المراقبين يرون أن ما يجري هو مجرد إضاعة للوقت، خصوصا أن نتنياهو يرفض أي اتفاق جزئي ويطرح شروطا توصف بأنها تعجيزية، هدفها تمديد أمد الحرب وشراء المزيد من الوقت للبقاء في الحكم.
حماس تطرح بديلا واضحا
في المقابل، أعلنت حركة حماس استعدادها لإنهاء الحرب وتسليم جميع الرهائن الإسرائيليين شريطة انسحاب قوات الاحتلال من القطاع، معتبرة أن ورقة الرهائن يجب أن تستثمر لإنهاء العدوان لا لتوسيعه. هذا الطرح لقي دعما من محللين أكدوا أن مطالب نتنياهو تمثل وصفة لإطالة المأساة، فيما يبقى الرد الفلسطيني أكثر وضوحا وواقعية في اتجاه وقف شامل لإطلاق النار وحماية المدنيين.
ويكشف هذا الانقسام المتصاعد داخل الكيان الصهيوني عن مأزق الاحتلال في غزة، فالمؤسسة العسكرية التي تدرك حجم الخسائر على الأرض تدعو للتروي، بينما يصر المستوى السياسي على المضي في مغامرات جديدة على حساب حياة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.
وفي الوقت الذي يحاول فيه نتنياهو تصوير الحرب كمعركة وجودية، يتضح أكثر فأكثر أن الضحية الأولى لهذه الحسابات هي الشعب الفلسطيني الذي يواجه عدوانا شاملا، فيما يعجز المجتمع الدولي إلى الآن عن إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية.
مصر تدعو إلى ضغط دولي
من جانبها دعت مصر،أمس الاثنين، المجتمع الدولي إلى "ممارسة كافة أشكال الضغط على "إسرائيل" وإلزامها بقبول الصفقة المطروحة حالياً للتوصل إلى تهدئة في قطاع غزة.
جاء ذلك بحسب ما ذكره وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في كلمته خلال الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لبحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وذلك بمقر المنظمة بمدينة جدة، وفق بيان للخارجية المصرية.وأشار عبد العاطي إلى "استمرار إسرائيل في انتهاكاتها السافرة والممنهجة وارتكابها الجرائم والإبادة الجماعية ضد شعب أعزل".وأكد أن "إسرائيل" "تستخدم التجويع والحصار وعرقلة عمل المؤسسات الأممية للنيل من صمود وبسالة الشعب الفلسطيني في غزة ودفعه للقبول بخيار التهجير تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع".
وشدد على ضرورة تسهيل الجانب الإسرائيلي دخول المساعدات بشكل فوري من خلال كافة المعابر دون أي عوائق أو قيود، مشيراً إلى أن القطاع يحتاج لما لا يقل عن 700 شاحنة يومياً لتلبية الاحتياجات المتزايدة لسكان القطاع.ولفت إلى وجود أكثر من 5 آلاف شاحنة محملة بالمساعدات على الجانب المصري من معبر رفح، إلا أن دخولها يواجه العديد من العراقيل من الجانب الإسرائيلي، بما يحول دون تدفقها للقطاع.
وأعرب عبد العاطي عن "إدانة مصر بأشد العبارات لتوسيع إسرائيل للعمليات العسكرية في غزة".وحمل "إسرائيل" "المسؤولية الكاملة عن استمرار الحرب والتجاهل المتعمد لمحاولات الوسطاء للتوصل لتهدئة، وآخرها المقترح الذي حظي بموافقة حركة حماس، (قبل نحو أسبوع) والذي من شأنه أن يفضي لصفقة لإطلاق سراح الرهائن والأسرى ووقف إطلاق النار وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل عاجل".
ودعا الوزير المصري "المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته القانونية والإنسانية وبذل كافة الجهود الدبلوماسية والسياسية لوقف هذه السياسات وممارسة كافة أشكال الضغط على إسرائيل وإلزامها بقبول الصفقة المطروحة حالياً بناء على مُقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف".
ووفق إعلام ، فإن المقترح المطروح حاليا يشمل إعادة انتشار القوات الإسرائيلية قرب الحدود لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، ووقفا مؤقتا لإطلاق النار لمدة 60 يوما يتم خلالها تنفيذ التبادل على مرحلتين: الإفراج عن 10 رهائن أحياء و18 جثمانا إسرائيليا مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، إلى جانب بحث ترتيبات تهدئة دائمة منذ اليوم الأول.
وشدد عبد العاطي على "رفض مصر جملةً وتفصيلاً التصريحات الإسرائيلية الأخيرة فيما يتعلق بأوهام ما تزعم أنه ''إسرائيل الكبرى"، مؤكدا أنها "لا تعكس سوى غطرسة القوة ولن تقبل بها مصر أو تسمح بتنفيذها".
استهداف الصحفيين والطواقم الإنسانية
ومن جهتها أكدت حركة حماس،أمس الاثنين، أن سلطات الاحتلال تمعن في حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها منذ نحو 23 شهرا بقصف الصحفيين والطواقم الطبية ورجال الدفاع المدني، وارتكاب "مجازر مروعة" بحقهم، وطالبت المجتمع الدولي بالتحرك لوقف هذه الجريمة.
جاء ذلك في بيان صدر عن الحركة تعقيبا على القصف الإسرائيلي لمجموعة صحفيين في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، بغارتين متتاليتين، ما أسفر عن مقتل 20 فلسطينيا بينهم 5 صحفيين ورجل دفاع مدني وطالب كلية طب، وفق ما أكدته مصادر رسمية وطبية.وقالت الحركة: "في جريمة حرب مركّبة تُضاف إلى السجلّ الصهيوني الدموي الحافل بالمجازر بحقّ شعبنا الفلسطيني، أقدم جيش الاحتلال الصهيوني المجرم على قصف مستشفى ناصر في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزّة".
وأفادت بأن عددا من الصحفيين والكوادر الطبية والدفاع المدني كانوا ضمن الضحايا الذين سقطوا في هذا الاستهداف، وذلك "إمعاناً في حرب الإبادة التي يواصل (الاحتلال الإسرائيلي) ارتكابها ضدّ شعبنا في غزّة".وأشارت إلى أن إسرائيل من خلال تنفيذها لهذا الهجوم تكشف عن "استهتارها بكافة القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية، وتحدّيها للمجتمع الدولي والأمم المتحدة".وشددت على أن إسرائيل "اغتالت فئات محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، وفي مقدمتهم الصحفيون والعاملون في القطاع الطبّي".
وتابعت: "اغتيال الاحتلال المجرم للصحفيين حسام المصري، ومحمد سلامة، ومريم أبو دقة، ومعاذ أبو طه، الذين يعملون مع مؤسسات ووكالات صحفية عربية ودولية، أثناء تغطيتهم للقصف على المستشفى، هو جريمة حرب ومجزرة مروّعة".واستطردت أن "العدو الجبان يهدف من ورائها (المجزرة) إلى ثني الصحفيين عن نقل الحقيقة، وعن تغطية جرائم الحرب والتطهير العرقي، والأوضاع المعيشية الكارثية لشعبنا الفلسطيني في غزّة".
وطالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة والأطراف المعنيّة "بالتحرّك الفوري والجاد لوقف جريمة العصر والإبادة الممنهجة في غزّة، وإنقاذ الفلسطينيين وإغاثتهم بشكل عاجل".
باريس تستدعي السفير الأمريكي
في الأثناء استدعت الخارجية الفرنسية أمس الاثنين السفير الأمريكي لديها عقب توجيهه انتقادات للحكومة لعدم اتخاذها إجراءات كافية لمكافحة معاداة السامية، فيما تثير نية باريس الاعتراف بالدولة الفلسطينية استياء ''إسرائيل'' والولايات المتحدة.
وكرر السفير تشارلز كوشنر وهو والد جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انتقادات وجهها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، معربا في رسالته إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن "القلق العميق إزاء الارتفاع الحاد لمعاداة السامية في فرنسا وعدم اتخاذ حكومتكم إجراءات كافية لمواجهتها".
بعد ساعات من نشر محتوى الرسالة، أصدرت الخارجية الفرنسية بيانا نفت فيه "بشدة هذه الادعاءات الأخيرة"، ووصفتها بأنها "غير مقبولة".وأكدت الوزارة أن فرنسا "ملتزمة بشكل كامل" بمكافحة معاداة السامية.
واعتبرت أن هذه الانتقادات تنتهك القانون الدولي، لافتة إلى "واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما هو منصوص عليه في اتفاقية فيينا لعام 1961 المنظمة للعلاقات الدبلوماسية".وردا على سؤال من بوليتيكو، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها "تؤيد تعليقات" سفيرها.ويُعد استدعاء سفير أمريكي إلى وزارة الخارجية الفرنسية حدثا نادرا، ولكنه ليس الأول من نوعه.