سياسة التجويع الممنهج الذي تمارسه دولة الاحتلال، تبرز مساعي جديدة لاعادة حل الدولتين الى الواجهة ، وذلك من بوابة مؤتمر رفيع المستوى تستضيفه الأمم المتحدة في نيويورك، برئاسة فرنسية-سعودية مشتركة، في محاولة جديدة لإحياء حل الدولتين وبلورة خارطة طريق تقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
الحدث الذي انطلقت اجتماعاته التمهيدية يومي 28 و29 جويلية الجاري، يمثل أول تحرك أممي واسع النطاق منذ سنوات لمعالجة جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر مسار سياسي جماعي. لكن هذه المحاولة تواجه تحديات كبرى، بدءا من غياب الولايات المتحدة وإسرائيل عن الطاولة، وصولا إلى هشاشة التوافق الأوروبي بشأن مسألة الاعتراف بدولة فلسطين.
وينعقد المؤتمر في لحظة حرجة، ليس فقط بفعل تعقيدات الحرب الجارية في غزة، بل أيضا نتيجة تحولات متسارعة في المزاج السياسي الأوروبي. فبعد اعتراف إيرلندا والنرويج وإسبانيا بالدولة الفلسطينية هذا العام، تتهيأ فرنسا لإعلان مماثل خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، ما يضع باريس في موقع غير مسبوق كأول دولة من مجموعة السبع تقدم على خطوة كهذه.
إلا أن هذا الزخم لا يخفي حقيقة التباينات داخل المعسكر الغربي، إذ لا تزال دول مركزية كألمانيا وبريطانيا تفضل التريث، بينما أعلنت واشنطن رفضها الصريح للمؤتمر، ووجهت تحذيرات دبلوماسية لعدد من العواصم من مغبة الإقدام على خطوات "تضر بإسرائيل".
ورغم أن هدف المؤتمر المعلن هو صياغة تصور عملي لحل الدولتين، إلا أن دبلوماسيين مشاركين خفضوا سقف التوقعات، متحدثين عن "خارطة طريق أولية" بدل إعلان جماعي فوري للاعتراف، على أن يُربط أي تقدم على هذا الصعيد بمتغيرات ميدانية وسياسية أبرزها وقف دائم لإطلاق النار، وترتيبات أمنية تُرضي "إسرائيل".
مقاطعة واشنطن
ووفق محللين يعكس رفض الولايات المتحدة المشاركة في المؤتمر التحول العميق في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في عهد إدارة ترامب الثانية. فقد زعم وزير الخارجية ماركو روبيو بأن الاعتراف بدولة فلسطينية "خطوة متهورة تخدم الدعاية لحماس"، بينما قال السفير الأمريكي لدى ''إسرائيل'' أن "الدولة الفلسطينية لم تعد هدفًا حقيقيًا لواشنطن".
ويعني غياب الولايات المتحدة، التي لطالما لعبت دور الراعي الحصري للعملية السياسية، أن هذا المؤتمر يمثل محاولة للبحث عن مسار بديل بقيادة أوروبية-عربية، وهو ما قد يفتح الباب أمام تحولات أوسع في توازنات الوساطة الدولية، وربما لتدويل الملف الفلسطيني بصورة أكثر استقلالا عن البيت الأبيض.
لكن في المقابل، يدرك المنظمون أن غياب واشنطن يعني أيضا غياب النفوذ القادر على الضغط المباشر على تل أبيب، مما يقلل من فرص تحويل المخرجات إلى اتفاقات قابلة للتنفيذ.
اعترافات مشروطة وقلق أوروبي
تعكس تصريحات باريس ولندن أن أي اعتراف غربي مرتقب بدولة فلسطين سيستثني قيادة حركة حماس من الصورة، ما يثير تساؤلات جدية حول طبيعة الدولة المقترحة وموقع غزة وقيادتها منها.
ورغم التباين في السياسات، يرى مراقبون أن تصاعد العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع المحاصر أحدثا شرخا في قناعة أوروبية راسخة بأن الضغط على "إسرائيل" يجب أن يبقى ضمن حدود التعاون الأمني والدبلوماسي. فاليوم، باتت أصوات أوروبية عديدة تعتبر أن إسرائيل "لا تسعى فعليا لإنهاء الاحتلال"، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يكون الورقة الأخيرة لدفعها إلى مراجعة سياساتها.
من جانبه، اعتبر السفير الفلسطيني رياض منصور أن المؤتمر يمثل "فرصة نادرة لتحويل القانون الدولي إلى خطوات ملموسة"، في حين رحب الرئيس محمود عباس بتحركات باريس، واصفا إياها بأنها "خطوة شجاعة تعزز فرص السلام العادل".
ويُعد المؤتمر الأممي في نيويورك، رغم كل ما يعتريه من تحفظات وغياب أطراف فاعلة، مؤشرا على تغير جوهري في مقاربة المجتمع الدولي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فبينما كانت سنوات ما بعد اتفاق أوسلو حافلة بالمراوحة تحت مظلة أمريكية، تتجه الأنظار الآن إلى مبادرات متعددة الأطراف قد تعيد الاعتبار لحل الدولتين خارج الهيمنة التقليدية لواشنطن.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تملك الأطراف الداعمة لهذا المسار الإرادة السياسية وأدوات الضغط الكافية لفرض تحول حقيقي على الأرض؟ أم أن المؤتمر سيكون مجرد مناسبة رمزية أخرى تضاف إلى سجل المبادرات المؤجلة؟
آمال فلسطينية
من جهته أعرب مسؤول فلسطيني، عن أمله أن يخرج مؤتمر حل الدولتين الذي انطلق أمس الاثنين في نيويورك، بإجراءات عملية لتثبيت مبدأ حل الدولتين، وتبنيها من مجلس الأمن الدولي. وقال أحمد الديك المساعد السياسي لوزيرة الخارجية الفلسطينية، الاثنين، في تصريحات للأناضول، إن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، ووزيرة الخارجية والمغتربين فارسين أغابكيان شاهين سيمثلان فلسطين في المؤتمر.
وأعلنت فرنسا، الخميس، أنها ستترأس مع السعودية مؤتمرا دوليا في الأمم المتحدة بشأن إيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، ينعقد في نيويورك خلال الفترة من 28 إلى 30 جويلية الجاري.
وأوضح الديك أن فلسطين انخرطت بشكل مباشر في التحضيرات الجارية للمؤتمر، "حتى يخرج عنه مخرجات ذات علاقة بتثبيت مبدأ حل الدولتين، وواجبات دول العالم تجاه هذه القضية".وأضاف: "نحن ننظر بأهمية كبيرة لهذا المؤتمر، ونأمل أن يتمكن مجلس الأمن الدولي من تبني مخرجاته، ويتم تنفيذ إقامة الدولة الفلسطينية على الأرض".
وتابع: "نتوقع أن يعلن الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) في شهر سبتمبر القادم، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الاعتراف بدولة فلسطين، ونأمل أن يتبع فرنسا العديد من الدول في هذا الإطار".وأكد الديك أنه خلال المؤتمر أيضًا "سوف يُطرح على الجانب الفلسطيني عدد من المشاريع الكبرى الخاصة بالتنمية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة".
ميدانيا يتواصل القصف على القطاع، وتستمر سياسة التجويع، إذ أكد المكتب الإعلامي الحكومي أن المجاعة تتوسع وتزداد توحشا، في وقت سُجلت فيه وفيات جديدة جراء سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال ضد المحاصرين بالقطاع.
وأفادت مصادر طبية في مستشفيات غزة بارتفاع عدد الشهداء إلى 43 منذ فجر امس، جراء نيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 9 من طالبي المساعدات.
يأتي ذلك في وقت دخلت فيه كمية ضئيلة من المساعدات إلى القطاع على الرغم من ادعاء الاحتلال فتح ممرات إنسانية والسماح للأمم المتحدة بإدخال الغذاء ضمن ما زعم أنها "هدنة إنسانية" في 3 مناطق مكتظة بالسكان.
وسياسيا، أطلق وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس تهديدا لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قائلا: "أقول بوضوح تام وأعني كل كلمة، إذا لم تفرج حماس عن الرهائن، فستُفتح أبواب الجحيم في غزة".
مجاعة غزة تفتك بـ 134 شخصاً بينهم 88 طفلاً
وأكدت وسائل إعلام فلسطينية، ارتفاع عدد ضحايا الجوع في قطاع غزة إلى 134 شخصاً بينهم 88 طفلاً، في وقت حذرت فيه الأمم المتحدة من استخدام التجوع كسلاح حرب في القطاع الذي تهاجمه إسرائيل منذ حوالي 22 شهراً
وتتواصل المشاهد المروعة للجوع في القطاع، حيث وثقت الكاميرات حشود غفيرة من الفلسطينيين الجوعى تتزاحم بشكل مأساوي من أجل الحصول على المساعدات قرب أحد مراكز التوزيع في مدينة رفح.
وبينما تنتشر المجاعة في أنحاء القطاع المدمر، أكدت مصادر طبية، ارتفاع العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 134، بينهم 88 طفلاً. في هذه الأثناء تتواصل الغارات الإسرائيلية على كافة انحاء القطاع، حيث أعلن مقتل 41 شخصاً جراء القصف المتواصل منذ فجر الاثنين، بينهم 8 من منتظري المساعدات الإنسانية، كما أعلنت مصادر طبية في مستشفى الشفاء وفاة الرضيع محمد إبراهيم عدس، نتيجة سوء التغذية الحاد ونقص حليب الأطفال في قطاع غزة.
ثلث الفلسطينيين لم يأكلوا منذ أيام
من جهته، أكد وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر،امس الاثنين، إن واحدا من كل ثلاثة أشخاص في غزة لم يأكل منذ أيام، داعياً إلى إيصال المساعدات بشكل سريع، وإرساء وقف دائم لإطلاق النار.
وأكد فليتشر في بيان حول الأوضاع الإنسانية في القطاع، أن «غزة تعيش أزمة إنسانية أمام أعين العالم»، مشيراً إلى أن الذين يحاولون الحصول على المساعدات الغذائية يتعرضون لإطلاق النار، والأطفال «يذوبون» من الجوع. وتابع:«لا ينبغي منع المساعدات أو تأخيرها أو توزيعها تحت وطأة الهجمات».
وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت من أن سوء التغذية في قطاع غزة بلغ «مستويات تنذر بالخطر»، مشيرة إلى أن «الحظر المتعمد» للمساعدات أودى بحياة كثر وكان من الممكن تفاديه.
وأضافت المنظمة في بيان «يشهد قطاع غزة حالة من سوء التغذية الخطير الذي اتسم بارتفاع حاد في عدد الوفيات في جويلية الجاري».وأضافت المنظمة: «ليس الجوع وحده ما يفتك بالناس، بل أيضا البحث اليائس عن الطعام. تجبر العائلات على المخاطرة بحياتها من أجل حفنة من الطعام، غالبا في ظروف خطرة، وتسودها الفوضى».
تحركات احتجاجية ضد تجويع غزة
ميدانيا أطلق فلسطينيو الداخل، سلسلة تحركات احتجاجية ضد سياسة التجويع التي تطبقها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، تتضمن إضرابا رمزيا للقيادات عن الطعام ووقفات احتجاجية في يافا والقدس تنديدا بحرب الإبادة والدعم الأمريكي لها.
وتحدث عضو الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي والمضرب عن الطعام تضامنا مع فلسطينيي غزة وفق الأناضول، عن "المظاهرة الجبارة" في مدينة سخنين ، "تضامنا ونصرة لأطفال وشعب غزة".وأعلن أنه بعد المظاهرة، "قررت لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل، دخول قيادات فلسطينيي الداخل إضرابا عن الطعام لـ3 أيام" بدءا من الأحد، في "موقف رمزي وصرخة لوقف سياسات التجويع الإجرامية" الإسرائيلية.
وأكد الطيبي أنّ التجويع "جريمة حرب"، مشيرا إلى أن "136 طفلا قضوا واستشهدوا بسبب التجويع، وكل طفل مجوّع هو طفل قُتل بدم بارد، وألف طفل قتلوا في الشهر الأخير (جويلية الجاري) بالقصف والنار".
واعتبر أن "هذه الجرائم المستمرة في غزة، وجرائم المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة ضد أبناء شعبنا بدعم ومشاركة من الجيش وشرطة الاحتلال، أساسها الاحتلال والشعور بالفوقية اليهودية".وأضاف الطيبي: "لذلك، نصرخ لكي يصل صوتنا إلى كل العالم أن قيادات الـ48 تضرب عن الطعام، وتتظاهر، كي نسمع من أشاح بوجهه عن غزة أو صمّ أذنيه عن صراخ أطفالها: أخرجوا أنتم أيضا إلى الشوارع نصرةً لأطفال غزة".وأشار إلى "مشاركة جبارة لرؤساء سلطات محلية وبلديات، ونشطاء مجتمع مدني، وجمهور واسع في مظاهرات سخنين".
وفي وقت سابق امس أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، في بيان ، أن كل الفلسطينيين في قطاع غزة جوعى، لكن الأطفال هم "الأكثر معاناة"، بسبب الحصار الإسرائيلي.وتعيش غزة أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها، إذ تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل، بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر 2023.وتغلق "إسرائيل" منذ 2 مارس 2025، جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول معظم المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع.
مظاهرة أمام البيت الأبيض
تجمّع عدد كبير من المتظاهرين أمام البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن، للمطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة والمجاعة التي يعيشها الفلسطينيون هناك.
المظاهرة التي جرت مساء الأحد في حديقة لافاييت المقابلة للبيت الأبيض، شهدت احتجاجا ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية التي تدعمها.ورفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها "اسمحوا لشاحنات الغذاء بالدخول لغزة" و"إسرائيل، توقفي عن تجويع الفلسطينيين في القطاع".
كما ردد المتظاهرون شعارات تطالب بإنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة فوراً، وبوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل.وعرضوا صوراً لأطفال ماتوا في غزة بسبب سوء التغذية.
وفي تصريح قالت لوتشا برايت، عضو مجموعة "ارفضوا الفاشية"، إن الناس يموتون جوعاً أمام أعين العالم في غزة وفق الأناضول. وأكدت أن ما تقوم به "إسرائيل" في قطاع غزة، يعتبر جريمة ضد الإنسانية.وتابعت: "يجب على الملايين النزول إلى الشوارع وعلينا ألا نسمح بحدوث إبادة جماعية أمام أعيننا".