لماذا يساند بعض المنتسبين للسرديات السياسية الكبرى العدوان الصهيوني على إيران؟

قد يبدو السؤال الآن سيء الطرح في سياقات مآلات العدوان الصهيوني

على إيران ٫ إذ لا يتصور عاقل – فما بالك بفاعل سياسي - أن ينتصب بعض المنتسبين للسرديات السياسية الكبرى مساندين لأي عدوان صهيوني على أي شعب من شعوب الأرض مخالف للقانون الدولي وللقيم الأخلاقية والإنسانية سيما وأن الشعب العربي قد ذاق الويلات من احتلال الصهيونية لجزء من أرضه العربية وإقامة كيانه اللقيط عليها منذ 1948 إلى اليوم ليتجاوز احتلال العقل العربي والإسلامي الذي أصبح بعضه صهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم لا يجد غضاضة ولا إحراج اليوم في مساندة العدوان الصهيوني على إيران وهي أصوات تجهد نفسها في تبرير ذلك وتأصيله دينيا ومذهبيا وقوميا وإيديولوجيا وتاريخيا .

بداية لا بد من الإقرار أن هذه الأصوات المساندة للعدوان الصهيوني على إيران من المنتسبين للسرديات السياسية الكبرى في الوطن العربي وبعد الإطلاع على مواقفها الرسمية تظل قلة وإستنثاء محدودة التأثير واقعا وفكرا وسط الدعم الواسع لإيران والرفض المطلق للعدوان الصهيوني عليها ٫ ولا يكمن سبب محدودية التأثير في قلتها العددية وخواء طرحها معرفيا وسياسيا فقط بل يتعدى ذلك إلى خروج الفاعل السياسي اليساري العربي بشقيه القومي والشيوعي من معادلات الصراعات الإقليمية والدولية وأضحت تقتات على هامش أحداث التاريخ تتوسل وتتسول منها موقفا لتعبر به عن اصطفافها في هذا المعسكر أو ذاك بعد أن فقدت سلطة القرار و الريادة وروح المبادرة ، وأصبحت مفعول فيها لا فاعلة منذ تراجع المد الشيوعي و القومي منذ بداية سبعينات القرن الماضي مع ظهور ما يسمى "بالصحوة الاسلامية " مقدمة نفسها كبديل عن المشروع اليساري وكانت الثورة الإيرانية حلقة من حلقات ومحطة من محطات مسار كامل كان بوصلته دوما ونبراسه " فلسطين " التي خلع عليها ثوبا دينيا وطائفيا ومذهبيا لتخسر عمقها الإنساني ومن وراءه كل أحرار العالم من دول و أحزاب وجمعيات وأفراد خارج الفضاء العربي والإسلامي.

وقد تعزز هذا بشكل جلي في الملف السوري شتاء 2024 مع انتصار المحور الصهيوأمريكي /التركي/ الخليجي ( الإسلام السياسي السني) على المحور الروسي/ الصيني/ الإيراني ( الإسلام السياسي الشيعي) مع تواصل استهداف حلفاء إيران في المنطقة وتقليم أظافرها بداية من حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن إلى الحشد الشعبي والفصائل الشيعية في العراق تحضيرا وتهيئة للظروف الموضوعية والسياسية للعدوان الصهيوني على إيران فجر 13 جوان الجاري الذي لم تخرج مواقف المساندين له من المنتسبين للسرديات السياسية الكبرى من ردود الفعل لا الفعل وأحيانا ردود فعل بافلوفية اعتباطية مشحونة بعاطفة الشماتة والتشفي ومفتقدة لكل اعتبار وأساس سياسي عقلاني استراتيجي ولأي أفق سياسي واسع ، فبعض حركات الاسلام السياسي خاصة التكفيرية منها كتنظيم داعش مثلا ( موقفه المنشور بصحيفته النبأ يوم 20 جوان 2025) لم تتورع على إستدعاء صراعات طائفية ومذهبية بين السنة والشيعة منذ أربعة عشر قرن بعد إعادة تأصيلها وإسقاطها إسقاطا قميئا مبتذلا رافعة شعار " اللهم أضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا منها سالمين " سوت فيه بين الصهاينة المعتدين مستحضرة هزائمها أمام الإيرانيين في العراق واليمن وغزة في محاولة لمواصلة تموقعها في المحور الصهيوأمريكي / الغربي / الخليجي / التركي متمسكين بسردية خطورة " الهلال الشيعي " بغية تحقيق المزيد من المكاسب السياسية ولم تكتفي بما حققته في لبنان وسوريا وفلسطين وهنا تتقاطع أهدافها مع أهداف الحاكمين السابقين للعراق قبل 2003 ولليمن قبل 2014 والكل يحزم حقائبه للعودة للحكم في حال سقوط النظام الايراني ، فالمسألة عندهم غائية بحتة وتصفية حسابات سياسية وعملية كر وفر بينهما وبنت موقفها على دور إيران سابقا في بعض الأقطار العربية وخاصة في العراق ولبنان وسوريا واليمن ، نفس الأمر يتعلق بمساندة بعض الأصوات الخافتة جدا و المنتمية للسرديتين الشيوعية والليبرالية للعدوان الصهيوني على غزة ليس حبا في الصهاينة بل نكاية في النظام السياسي الايراني من أجل إسقاطه حتى تعود الملكية والحفيد محمد رضا بهلوي أو سيطرة حركة مجاهدي خلق المعارضة ذات الخلفية اليسارية على السلطة في طهران ، وكانت بذلك مواقف يغلب عليها الطابع العاطفي والثأري وكلها نتيجة لضعفها لن تتمكن من السيطرة على السلطة في إيران والعراق واليمن من جديد إلا على ظهر صاروخ صهيوأمريكي / غربي / خليجي / تركي ، لكن ماذا تركنا للمكابرة وضيق الأفق؟ فهي لم تكلف نفسها حتى عناء طرح سؤال بكل هدوء ؛ وماذا بعد ؟ وكيفية التعامل مع عقدة " اليوم التالي" الذي لن يخرج عن الفرضيات وسيناريوهات التالية:

1/ التوصل إلى اتفاق وقف نار بين الطرفين برعاية أممية والدخول في مفاوضات مباشرة بين إيران وأمريكا محورها البرنامج النووي الإيراني وصواريخها البالستية ودورها المستقبلي في المنطقة مع حفاظ كل طرف على مكاسبه على الأرض مع استمرارية تقهقر النظام الإيراني مع تصاعد داخله تيار الانكفاء على الذات و" إيران أولا " مما سيترتب عنه التخلي عن سياسة " تصدير الثورة " خارجيا وقطع علاقاتها ببقية اذرعها وحلفاءها في المنطقة وهذا بناء على توفر معادلة توازن القوة بين الطرفين بإعتبار عدم قدرة كل طرف إزالة الآخر عن طريق الحرب .
2/ إنهزام إيران بعد تدخل أمريكي عسكري مباشر - وهو ما تم فجر الأحد المنقضي باستهداف بعض منشاتها النووية - وسقوط نظامها السياسي وتنصيب نظام سياسي آخر موالي للغرب ( مجاهدي خلق و محمد رضا بهلوي أو كليهما) وهو يعني آليا رجوع إيران آليا للمحور الصهيوأمريكي ما قبل الثورة 1979 .
3/إنتصار إيران ليس بالقضاء على الكيان الصهيوني بل بالمحافظة على وحدة أراضيها ونظامها السياسي وبرنامجها النووي والدخول في مفاوضات حوله بشروطها لا بشروط الغرب مما سيمكنها من امتلاك القنبلة النووية.
4/ دخول أطراف دولية أخرى على خط المواجهة مساندة مباشرة لأحد طرفي الصراع الإيراني الصهيوني ..وهي فرضية الحرب العالمية الثالثة تظل فرضية ضعيفة من الاستحالة التكهن بسياقاتها ومآلاتها.
ولعل أسوأ السيناريوهات تشاؤما بالنسبة لمحور المقاومة وتفاؤلا بالنسبة لمحور بعض أصوات المنتسبين للسرديات السياسية الكبرى في الوطن العربي المساندة للعدوان الصهيوني على إيران هو سقوط النظام الإيراني بالقوة العسكرية فذلك يعني دخول الجميع عصر الدين الابراهيمي الترامبي ، تصفية القضية الفلسطينية بشروط الصهيونية وتعبيد الطريق "لإسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل" ، تطبيع العلاقات الديبلوماسية بين العدو الصهيوني وباقي الدول العربية والإسلامية وإستكمال الغزو الصهيوني للعقل العربي الاسلامي ولكل مفاصل الحياة فاتحين لها كل شيء حتى غرف النوم ، أما باقي القوى المعارضة الوطنية المؤيدة لإيران والرافضة للعدوان الصهيوني عليها وللمخططات الصهيوأمريكي فسوف يكتفون ببيانات الشجب والإدانة والاستنكار وبعض المظاهرات هنا وهناك ثم يتأقلمون مع الوضع الجديد شيئا فشيئا كما تأقلموا مع تأسيس دولة الكيان الصهيوني سنة 1948 ومع سقوط نظامي البعث في العراق ( أفريل 2003) وفي سوريا ( ديسمبر 2024) ومع سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا ( أكتوبر 2011) .
من البديهات أن إيران ساندت المقاومة في فلسطين - كمساندتها للمقاومة في لبنان - على مدار سنوات ودعمتها بالمال والسلاح و بقطع النظر عن انتمائها المذهبي منذ أن قطعت العلاقات الديبلوماسية مع العدو الصهيوني بداية ثمانينات القرن الماضي وسلمت مفاتيح السفارة للشهيد ياسر عرفات والأكيد أنها اليوم تعاقب ويعتدى عليها لوقوفها مع القضية الفلسطينية وخاضت بطريقة غير مباشر بواسطة حلفاءها وأذرعها حرب استنزاف العدو الصهيوني التي أطلقتها مصر عبد الناصر عقب هزيمة 1967 إلى سبعينات القرن الماضي متخذة عدة أشكال وكانت سببا في انتصار أكتوبر 1973 وتشارك فيها اليوم فصائل المقاومة العراقية وحزب الله في جنوب لبنان ويمن/ الحوثي على المستوى العسكري... أما على المستوى السياسي والقانوني فقد توسعت جبهة الحلفاء والأصدقاء لتنخرط في محاصرة العدو الصهيوني سياسيا وقانونيا على المستوى الدولي عديد الدول والشعوب الاخرى من مسيحيين ويهود ومتديينين آخرين ولا دينيين وملاحدة من أجل توسيع جبهة الأصدقاء والتقليل من الأعداء لتؤكد على أن المعركة اليوم في فلسطين ليست معركة بين اليهودية والإسلام وهو ما يتجاوز فهم ومنطق بعض حركات الاسلام السياسي السني المساندة للعدوان الصهيوني على إيران .
لذلك من الطبيعي جدا أن يؤيد الشعب العربي أشخاصا وجماعات محور المقاومة في مواجهة محور التطبيع والخيانة من أنظمة عربية كانت شريكة في العدوان الصهيوني ولو بالصمت .ألم يحافظ محور المقاومة على وحدة سوريا شعبا وأرضا في مواجهة الفصائل الإسلامية وداعش المدعومة في البداية غربيا ومن أنظمة التطبيع والخيانة إلى حدود ديسمبر 2024 !؟ .
صحيح أن لإيران كأمة / دولة مصالحها القومية تدافع عنها وتسعى إلى توسيع نفوذها وتأثيرها في المنطقة ومن حقها إمتلاك السلاح النووي الذي لا يتصور عاقل أنها ستستخدمه ضد الشعب العربي لذلك نحن ملزمون بالتعامل مع الواقع الآن كما هو، وترجمته أن لإيران مشروعها القومي تعبر به عن مطامح وأهداف أمتها الفارسية وأصبحت بذلك رقما صعبا إقليميا ودوليا يقرأ لها ألف حساب في أي ترتيبات قادمة حتى إن التقت مصالحها وتقاطعت مع المقاومة الفلسطينية ومع الأمة العربية المجزأة إلى دول قطرية في إنهاك العدو الصهيوني لتحرير الأرض العربية المحتلة منه في فلسطين والجولان ومزارع شبعا ونتقن جيدا التعامل بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي ليظل صراعنا معها صراع حدود بينما صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود إلى أن تبني الأمة العربية دولتها الواحدة قوامها المواطنة وتتعايش مختلف الأديان والمذاهب والأعراق مثلما بنت الأمة الفارسية دولتها الواحدة ومثلما بنت الأمة التركية دولتها الواحدة إضافة إلى ذلك فإن العدو الصهيوني هو من بادر بالعدوان على إيران .
وعوض مساندة العدوان الصهيوني على إيران ، لماذا لا نقلدها كعرب ونبني دولتنا الواحدة ؟ تجمعنا وإياها المصالح المشتركة والأهداف المشتركة وهي كثيرة وتكون هناك سفارة دولة عربية واحدة في طهران وهي سفارة الولايات المتحدة العربية عوضاً عن سفارة أكثر من عشرين دولة عربية !؟ .ودون ذلك نظل نتقدم على الطريق المسدود ونحن نعيش على هامش التاريخ ، تستنفذنا المعارك الثانوية ونحن مفعول فينا لا فاعلون، تائهون وسط الصحراء نبحث عن محور خارجي نصطف معه ونحتمي به .
وإذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع ، وماهو المستطاع لأمة عربية مجزأة مهزومة شعبها مقهور يرزح تحت سياط الفقر واستبداد أنظمة التطبيع والخيانة...!؟
أما كيف تبنى الدولة العربية الواحدة، فذلك حديث آخر ولكنه ليس الأخير.

بقلم: خالد الكريشي

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115