افتتاح معرض "بلدي الصغير احبك كثيرا" بـ "دار الزيت" في صفاقس: الصورة وثيقة تاريخية وذاكرة حية

المغرب: صفاقس: ليلى بورقعة/ مفيدة خليل

جميل هو الوطن حين يشحن فنانيه بطاقة من الحب والجمال، وساحر هو الفن حين يصبح في خدمة البلد وصورته، في صفاقس،

يكون اللقاء مع معرض للصور الفوتوغرافية الذي حمل اسما شاعريا ورمزيا: "بلدي الصغير احبك كثيرا" فهنا بعثت الحياة في البيت القديم، والتقى الفنانين من صفاقس وخارجها للحوار حول قيمة الصورة ودور الفن لترسيخ الهوية والدفاع عن الذاكرة.

في "دار الزيت" كان الموعد مع فنانين تونسيين واجانب اختاروا الصورة وسيلة للتعبير عن خلجات القلب وابراز المقومات المعمارية والحضارية لتونس، "فالتصوير يأخذ لحظة من الزمن، مغيرا الحياة بإيقافها مؤقتا" وهنا في "دار الزيت" توقف الزمن لساعات طويلة ليستنشق الجمهور والزوار عبق الماضي ورائحة من مروّا بها المكان.

"دار الزيت" منزل للصورة والفن

مرحبا بأحباء اللون وعشاق الحياة، مرحبا بالحالمين الباحثين عن تفاصيل الجمال بين الكلمة وشاعرية الصورة، مرحبا بمن اختار الفن سلاح يدافع به عن هويته وانتمائه لوطنه هكذا ودفعة واحدة يكون اللقاء طيلة ايام من 17الى 20افريل2025 في "دار الزيت" فضاء للفنون، للصورة وللقاء جماعي شعاره بالصورة والفنّ نعبّر عن حبنا لبلدنا ونعرّف بموروثه وخصوصياته الثقافية والفنية والحضارية.

"دار الزيت"فيلا صغيرة بطابقين، تزينت بالياسمين مرحبة بضيوف المكان، "دار الزيت" الفضاء الذي فتح ابوابه لمجموعة من الفنانين التشكيليين والمصورين الفوتوغرافيين من تونس وخارجها ليحلموا مع اللون ويقدموا لوحاتهم لجمهور المدينة الشغوفة بالفن.
دار الزيت التي استلهمت اسمها من شجرة الزيتون المميزة لجهة صفاقس، وكما الشجرة شامخة وضاربة عروقها في التربة وفروعها في السماء كانت البناية شامخة تخبر زوار المكان بعراقته وكيف كان شاهدا على جزء من تاريخ هذا البلد.
هنا مدينة صفاقس مدينة الموروث والمعمار وقد ألهم هذا الموروث الثقافي والتراث الحضاري كاميرا مصورين فوتوغرافيين من تونس وبلجيكيا وفرنسا لاقتفاء مواطن الجمال والاختلاف في صفاقس والتقاط صور توثق لذاكرة الزمان والمكان.
في "دار الزيت" التي فتحت ابوابها للفن وللصورة الفوتوغرافية تحديدا كان اللقاء في معرض "بلدي الصغير، احبك كثيرا" جملة شاعرية تعكس الهوى بين الفنان وفنّه من جهة والفنان ووطنه من ناحية اخرى، فالفن مقاومة والتعبيرة الفنية من اصدق التعبيرات وأكثرها جمالية وتصل مباشرة الى المتلقي، والدفاع عن جماليات الوطن يكون بالصورة والتوثيق للتفاصيل الصغيرة وهو ما تتشارك فيه اغلب الاعمال الفوتوغرافية المعروضة في دار الزيت.
لكل فنان تشكيلي طريقته في التعامل مع الصورة والموضوع ولكن اغلبها تشترك في تيمة التعريف بالبلد الاكبر تونس والبلد المصغر صفاقس، اختلفت اماكن التصوير وزواياه، تباينت الالوان وأشكال الأعمال المعروضة، مع سيطرة مطلقة للابيض والاسود، كدلالة على ثنائية الجمال والامل، فـ"الأبيض والأسود هما ألوان التصوير. بالنسبة لي، يرمزان إلى البدائل بين الأمل واليأس التي يخضع لها البشر إلى الأبد." كما يقول روبرت فرانك، ومن هذه الثنائيات تشكلت اعمال فنية تعرّف بجوهر الفن وروح صفاقس.
لكل فنان روحه المتناصة مع عمله وجميعها تقدم صورة عن البلاد وخصوصياتها التاريخية على غرار لوحات اسكندر زرادي الذي تجوّل في ربوع تونس ونقل بعض جمالها من الصحراء وامتدادها الى سحر غار الملح وبحرها، وبينهما وثقت العدسة لحظات السحر والجمال، والى التاريخ عادت سماح بوشعالة عبر تصوير للرسومات المنحوتة على الاعمدة التاريخية في المناطق الاثرية على غرار موقع "تيبرو ماجوس" ودقة وتطاوين القصور فالتصوير عندها حالة شغف وللصورة رسائل متعددة وليس فقط مجرد التوثيق.
الصورة حياة، الصورة ذاكرة متقدة دائما، الصورة توثيق للحظة فرح يقف عندها الزمن هكذا هي اعمال منى فقيه خواجة، التي ابدعت في ملامسة الروح بين خبايا الصور الملتقطة، من "الحياة" اللوحة التي تختزل العمر في عمل واحد عبر تشققات اليد وملامح السنوات المرسومة عليها، واللباس التقليدي النسوي "سحرتني المدينة فحاولت توثيق بعض جزئياتها، كل اللوحات تشبه المدينة في جمالها وحفاظها على طابع خاص" كما تقول منى فقيه خواجه، الفنانة التي تصوّر بقلبها لا بعينها.

الصورة الفوتوغرافية ذاكرة وزوايا نظر

ساحرة هي المدينة حين تتزين بالفنون، جميل هو اللقاء في رحاب الصورة واللون والحياة، ممتعة هي العودة الى التاريخ في المعرض مجموعة كبيرة من الصور التذكارية لمدينة صفاقس عبر التاريخ، صور للحياة اليومية وتطوّرها، اللباس النسوي والحرف اليدوية والمعمار، تفاصيل صغيرة تكاثفت لتصنع ذاكرة المدينة جمّعت في قاعة واحدة واعمال مربعة الشكل تتجوّل داخلها فتعود الى القديم، الى سنوات الثلاثينات والعشرينات وما قبل، لتصبح الصورة هنا عنوان للذاكرة ولحظة يتوقف عندها الزمن.
في "دار الزيت" تشابكت الرؤى الفنية وانسجمت زوايا التصوير ووثقت العدسة لحظات الانتماء للمكان ولسحره، في هذا الفضاء الساحر أعيدت رسم ملامح بيت نفض عنه الغبار ليصبح محراب للحياة، وتجمّلت جدرانه بامال الفنانين وابداعاتهم فالتقى ضيوف المكان مع لوحات الفنانين مهدي بن تمسك وسماح بوشعالة وقيس الرايس ومنى فقيه وضياء قرميط وياسمين الحضري وحلمي الجريبي وشارل سيالة وتيري الطيب وآلان فان هافيربيكي واسكندر زراد. ينتظم هذا المعرض تحت إشراف الكوميسار سليمة قريعة مظفر ، وحتى يناسب المقام المقال تأتي سينوغرافيا المعرض بتوقيع الفنان التشكيلي والمتعدد التخصصات وديع المهيري الذي وضع لمسة فنية مميزة على الفضاء.
في "دار الزيت" بصفاقس كانت الصورة الفوتغرافية هي سيدة المكان والزمان. وكان المعرض الفوتوغرافي الجماعي" بلدي الصغير، أحبك كثيرا".

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115