أنّ مجرد انعقاد مفاوضات بين حركة حماس والولايات المتحدة الأمريكية يمثل ضربة قاسية لنتنياهو وحكومته، مضيفا أن ذلك يُظهر مدى ضعف إسرائيل وعجزها على فرض إرادتها بالقوة، رغم استخدامها كافة الأساليب الوحشية في حربها على غزة.وتابع أن هذا الحوار يأتي بعد فشل إسرائيل والولايات المتحدة في تحقيق أهدافهما في الحرب على غزة، ممّا يعكس تحولا تكتيكيا في طريقة تعامل واشنطن مع الصراع.
أولا ماهي قراءتكم للاتصالات المباشرة التي تم الإعلان عنها بين حركة حماس والولايات المتحدة الأمريكية؟
كشف البيت الأبيض عن أن الولايات المتحدة أجرت اتصالات مباشرة لأول مرة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الدوحة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تعثرت هذه المفاوضات مرارا وهي مستمرة آملين مع انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق ان يصلوا الي اتفاق يجمع ما بين المرحلتين الأولي والثانية. .يستمر رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -مدعوما بضوء أخضر أمريكي- في مكره ومراوغاته محاولا الالتفاف علي الاتفاق مع المقاومة بتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، والذي دخل حيز التنفيذ في 19 جانفي 2025، للإفراج عن أكبر عدد ممكن من المحتجزين الإسرائيليين في غزة، من دون تقديم أي مقابل لذلك أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية.
الشروع في تنفيذ المرحلة الثانية يعني الاتفاق علي وقف إطلاق النار ، الانسحاب من غزه وتبادل الرهائن الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين وهذا ما لا يريده نتنياهو او حكومته المتطرفة . لم يكن مفاجئا أن تستجيب حركة حماس لأي حوار مع الولايات المتحدة، فهي لا تمانع الحديث مع أي دولة في العالم باستثناء الاحتلال الإسرائيلي، بل ترى في فتح قنوات مع واشنطن خطوة مهمة لفهم مواقفها. التخوف الوحيد أن يُملى عليها اتفاق مثل اتفاق اوسلوا، أي اتفاق به منافذ لإسرائيل لتتنصل من تنفيذه.
ماذا تتوقعون من هذه المفاوضات وهل ستكون لها نتائج على الأرض؟
لا شكّ أن مجرد انعقاد هذه المفاوضات يمثل ضربة قاسية لنتنياهو وحكومته، إذ يُظهر مدى ضعف إسرائيل وعجزها علي فرض إرادتها بالقوة، رغم استخدامها كافة الأساليب الوحشية في حربها على غزة. الجديد هذه المرة أن الحوار لم يأتِ عبر قنوات خلفية أو شخصيات غير رسمية، بل جرى بشكل مباشر بين مسؤول في الإدارة الأمريكية وحماس، في سابقة تحمل دلالات إستراتيجية عميقة .كون هذا الحوار يأتي بعد فشل إسرائيل والولايات المتحدة في تحقيق أهدافهما في الحرب على غزة، ويعكس تحولا تكتيكيا في طريقة تعامل واشنطن مع الصراع.فاعتراف واشنطن واقعيا بالحركة جزء مهم من المشهد الفلسطيني، ولا يمكن تجاوزها بعد فشل القضاء عليها عسكريا.
تراجع ثقة ترامب بنتنياهو الذي يقدم حساباته الشخصية على حساب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حسب قناعة رأي عام إسرائيلي واسع، فنتنياهو يسعى لتعطيل اتفاق وقف إطلاق النار، مما يعني تعليق إطلاق سراح الرهائن، واستمرار التوتر تحت عنوان الحرب. هناك مصلحة لواشنطن بوقف الحرب لاستثمار علاقاتها سياسيا (التطبيع) واقتصاديا مع الدول العربية، وهذا يحتاج إلى هدوء في المنطقة. أما تهديد ترامب ونتنياهو لغزة بالجحيم والحرب الفتاكة ما زال أداة ضغط تفاوضية، والباب ما زال مشرعا لمزيد من المفاوضات.
التفاوض على تهدئة طويلة الأمد بشروط تحقق للشعب الفلسطيني حقوقه، دون المساس بالمقاوم هذا ما تريده المقاومه. .وإذا نجحت المقاومة الفلسطينية في أن تحيّد الإدارة الأمريكية في ألا تكون طرفا مركزيا في المعركة تكون نجحت كثيرا ، فأمريكا اليوم لم تعد تقدم نفسها كوسيط بل طرفا مركزيا في المعركة مما يزيد في تعقيد المشهد .
هناك من يرى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد ازدواجية المعايير في سياستها تجاه غزة ، ما رأيكم؟
إن المعروف أن السياسة هي لعبة يشوبها الغموض والسرية، فنجد دوما ان في السياسة لا يوجد أصدقاء، أو أعداء دائمون، بل هناك مصالح دائمة فقط، في لعبة السياسة، من الصعب التحكم في القواعد والأحكام الصارمة للسياسة في سياق اللعبة، لأن لعبة السياسة أشبه بمجموعة من الألعاب، التي تتطلب أفعال المكر، والدهاء، وساحاتها لا تخلو من الصراعات، والمكائد، والمقايضة، لعدم وجود تكافؤ ولعب نزيه، فاللعبة السياسية لا تستحق النوايا الحسنة، ولا ينبغي الوثوق بلاعبيها، وأن الرابح في "اللعبة السياسية"، ليس دائما الأفضل، فاللعبة السياسية في الحقيقة، ليست بالضرورة لعبة عادلة.
ليس من المستغرب أن تُظهر واشنطن ازدواجية معايير واضحة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فمثلا بعد أن كانت في السابق تحتفي بقرارات المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة دول غير حليفة لها وتعلن دعمها لتطبيقها. ومع ذلك، فإن القول بأن هذا النهج يقضي تمامًا على ما تبقى من التفوق الأخلاقي والمصداقية الأمريكية ليس مبالغة. ففي مجلس الأمن الدولي، بينما تُظهر الإدارات الأمريكية نشاطًا كبيرًا عند استهداف روسيا في قضايا مثل سوريا وأوكرانيا،وإيران وكوريا الشمالية كما الآن جنوب أفريقيا والبرازيل وكولومبيا لتأييدهما فلسطين، فإنها بذلك تحمي ''إسرائيل'' من أي ضغوط دبلوماسية حقيقية، مما يساهم في تآكل مصداقية الولايات المتحدة وثقة العالم بها.
تعززت ازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع العدوان الغاشم الذي شنته ''إسرائيل'' على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة؛ إذ دعمت أمريكا المعتدية إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا وماليًا وعسكريًا، وغضت طرفها عن عمليات القتل الجماعي والإبادة التي شرعت 'إسرائيل'' في تنفيذها ضد المدنيين العزل في غزة، بل ورفضت كل المطالب الأممية والدولية وشعوب العالم التي خرجت في معظم دول العالم لتطالب بوقف إطلاق النار، وهو ما يتعارض تماما مع مواقفها وآرائها فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية الروسية، بعدما أدانت موسكو وطالبتها بوقف الحرب فورًا على كييف، بل وفرضت قيودًا وعقوبات لإضعاف قوتها، وإيقاف الحرب.
تعامل واشنطن مع المؤسسات الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، كأدوات لخدمة مصالحها وتوفير غطاء دبلوماسي لسياساتها، يكشف بوضوح كيف تُضعف النظام الدولي. هذا النهج يصب في مصلحة دول مثل روسيا والصين، التي تسعى لتقويض النظام العالمي وتعزيز مكانتها الدبلوماسية على حساب الولايات المتحدة.والأهم من ذلك أن قدرة واشنطن على ردع الدول المصنفة كـ"جهات فاعلة سيئة"، مثل العراق وليبيا وكوريا الشمالية وإيران، من خلال التنسيق أحيانًا مع روسيا والصين، قد تراجعت بشكل كبير. وبعدما سعت الولايات المتحدة إلى عزل الصين خلال فترة ترامب، وروسيا خلال فترة بايدن، يبدو أنها تخلت الآن عن قدرتها على التفاوض مع هاتين القوتين لتعزيز انضباط دول أخرى، مما أضعف نفوذها الدبلوماسي الذي كان يشكل ركيزة أساسية لسياستها الدولية.فالقرار التاريخي الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بشأن اعتقال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت؛ " منح الرئيس الأمريكي جو بايدن فرصة جديدة لإبراز دعمه غير المحدود والاعمي لإسرائيل ولحق ركبه الرئيس ترمب الذي هاجم المحكمة ووضع عقوبات علي قضاتها ".الغريب أنّ الكل كان يعلم ان مواقف بايدن تُظهر عدم اكتراثه بالآثار السلبية لنهجه القائم على تأييد إسرائيل حيث أدت إلى خسارة حزبه الرئاسة لصالح ترامب.
ورغم التكاليف السياسية الباهظة لدعم بايدن المطلق لإسرائيل، والتمسّك بسياسات نتنياهو ،فإنّ ذلك ترتّب عليه عزل الولايات المتحدة دوليًا، ووضع الإدارة الأمريكية في مواجهة تحديات مكلفة وصعبة.ويمكن القول أي ليس خفيا إن الولايات المتحدة هي التي منحت إسرائيل الضوء الأخضر لقصف غزة، ومنحتها شرعية لممارسة أعمال الإبادة الجماعية.