بات موضوع التحول الطاقي أولوية لحل عديد الأزمات وسد احتياجات الدول من الطاقة مع التقليل من الاعتماد على الطاقات التي تسبب الانبعاثات السامة . ولعل اخطر هذه المواد هو الوقود الأحفوري الذي يتسبّب بارتفاع حرارة الغلاف الجوّي بكل ما يمثله من مخاطر على الامن الطاقي والبيئي العالمي .
ويعد معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة من المنظمات غير الحكومية الهامة ويشتغل منذ سنوات على موضوع الانتقال الطاقي الإيجابي والعادل ويسعى الى دعم اتخاذ قراراتٍ مستنيرة وشاملة بشأن الموارد الطبيعيّة والانتقال في مجال الطاقة. فقد تأسس المعهد سنة 2002 ويركز في استراتيجيته على دعم الانتقال الطاقي في عديد الدول من اجل إرساء مجتمعات تنعم بالعدالة والازدهار والاستدامة .
وفي ندوة انعقدت بتونس بتنظيم من معهد حوكمة الموارد الطبيعية وبمشاركة وزارة الصناعة والمناجم والطاقة و نشطاء في المجتمع المدني- تم التطرق إلى أهمية التحولات الطاقية في تونس والمنطقة وما تطرحه من إشكاليات.
وأكدت لوري هايتايان مديرة مكتب معهد حوكمة الموارد الطاقية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط في كلمتها ان التحولات الطاقية تثير جدلا واسعا فالبعض يرى فيها فرصة يجب استغلالها والبعض يرى فيها تحديات من الواجب معالجتها . وأضافت :" نحن في المعهد نواكب التحولات الكبيرة التي عرفتها عديد الدول خاصة التي تنظر إلى موضوع التحول الطاقي وتأثيره على الدول سواء الغنية بالنفط أو الغاز أو التي تستورد هذه الطاقات بما يحمله ذلك من عبء على اقتصادياتها وميزانيتها . وأضافت بالقول :" لقد استعنا بخبرات معهد حوكمة الموارد الطبيعية فيما يخصّ موضوع حوكمة النفط والغاز للاستفادة منها في حوكمة الطاقات المتجددة أو حوكمة التحولات والانتقال الطاقي والتحولات الطاقوية ."
وقالت إنه لا يوجد تحول طاقي واحد بل هناك تحولات تختلف باختلاف الدول وظروفها ومواردها . وقالت ان هناك بعض الدول خاصة النفطية تنظر بتوجس الى موضوع التحول الطاقي خشية من تأثيره على عائداتها من النفط . لذلك هذه الدول عليها ان تفكر بمستقبل البدائل عن النفط والغاز ودعم التنوع الاقتصادي وبناء اقتصاديات بعيدة عن النفط والغاز . وأوضحت انه في البلدان الأقل اعتمادا على عائدات النفط والغاز مثل تونس ولبنان فإن معركة التحول الطاقي تكونأقل تعقيدا يعني يمكن ان تتحول للطاقات النظيفة بطريقة اسلس لا تهز المجتمع مثل المجتمعات النفطية او غيرها."
الإستراتيجية القادمة
أما عن استراتيجية المعهد ورؤيته للتحولات الطاقية في تونس والإقليم أوضحت بالقول :"كمعهد حوكمة الموارد الطبيعة نحن نعمل على استراتيجيات تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل بلد . وهذه الندوة هي فرصة لفهم إستراتيجية تونس للتحول الطاقي بالتعاون مع المعهد الذي يفكر في إستراتيجية تواكب الأحداث من الانتقال الطاقي. وبينت بان هذه الإستراتيجية مبنية على عمودين منها أهمية معادن الانتقال الطاقي. فهناك عمل دؤوب وورشات كبيرة تشتغل على موضوع التعدين. وأشارت إلى أن اهم اهداف "كوب 28 " هو مضاعفة استعمال الطاقات المتجددة حيث هناك حاجة الى المعادن التي تستعمل في تكنولوجيات التحول الطاقي. وتضيف :"نحن نؤمن في المعهد بان يجب ان يكون هناك هناك تحول في حوكمة قطاع التعدين وهذا جزء من الإستراتيجية الجديدة التي نعمل عليها في المنطقة ".
وقالت إن العمود الثاني الذي ترتكز عليه استراتيجية المعهد هو من الذي سيستفيد من التحول الطاقي وكيف سيأتي بمنافع على دول الجنوب خاصة في خضم الصراع بين دول الجنوب والشمال . ولاحظت لوري هايتايان أصوات تشدّد على أهمية أن يكون التحول الطاقي عامل إيجابي ويدر بالمنافع على دول الجنوب العالمي وهذا ما يعمل عليه المعهد . وقالت إن المعهد يسعى إلى أن يكون هناك تعاون مع خبراء في المنطقة للتحدث عن التحول الطاقي لكل دولة أو إقليم لكي لا تحصل إسقاطات من الخارج وكان لتونس حصة كبيرة في هذه اللقاءات .
التحول الطاقي والمجتمعي في تونس
من جهتها قالت عفاف شاشي الطياري رئيسة ديوان وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة في كلمتها إن هذا الاجتماع يمثل منصة أساسية للحوار وتبادل الآراء حول تحديات وفرص التحول الطاقي في تونس لاستكشاف الآفاق الإستراتيجية للسنوات القادمة .وتسليط الضوء على دور المجتمع المدني لهذه الديناميكية .
وقالت إن هناك عديد المبادرات على غرار إنشاء أول شبكة تونسية للانتقال الطاقي العادل من قبل المجتمع المدني والتي ستتعهد بمعاضدة جهود جميع الجهات الفاعلة في القطاع وستساهم في بناء رؤية مشتركة وطموحة .
وقالت إن الانتقال الطاقي يعد من أهم الملفات التي يحظى باهتمام كبير من قبل الدولة ، حيث تواجه تونس على غرار العديد من دول العالم تحديات كبرى مرتبطة بالأمن الطاقي وتذبذب الأسعار خاصة المحروقات وتراجع الإنتاج الوقود الاحفوري والحاجة الملحة لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة للمساعدة في المجهود العالمي للحد من الاحتباس الحراري والتغير المناخي . وفي سياق التغيرات المتسارعة شددت على أهمية إعادة التفكير في مقاربة الشأن الطاقي ليس فقط في إطار التحول التكنولوجي بل أيضا في إطار التحول الاجتماعي واسع النطاق والذي يأخذ بعين الاعتبار الاعتبارات المرتبطة بأساليب التصرف والتنظيم وتحقيق الاستدامة وتشريك أكبر عدد ممكن من الجهات الفاعلة محليا وجهويا لتأمين طاقة نظيفة ومستدامة وبأسعار معقولة . وقالت انه انطلاقا من ادراكها للتحديات والانفتاح على الفرص التي يمكن استكشافها ، اعتمدت وزارة الصناعة رؤية طموحة تشمل عددا من المجالات الرئيسية لتعزيز الطاقات المتجددة وأهمها الالتزام بالشفافية وبناء مناخ من الثقة والانفتاح لإدارة الموارد الطبيعية . وقالت ان التحول الطاقي الذي تعمل تونس على إنجازه يتطلب تشريك جميع القوى الفاعلة في البلاد انطلاقا من ان المشاركة الفاعلة من المواطنين ومنظمات المجتمع المدني وخبراء الطاقة تعتبر من أساسيات الحوكمة الفعّالة والشفافة . وتمكن مساهمة المجتمع المدني في التفاعل مع خصوصيات كل الأقاليم ومن تشريك أكبر عدد من الكفاءات وتحقق القرب من الواقع اليومي للمواطن سواء كان مستهلكا او منتجا وتعزز التشاور بشأن الخيارات الاستراتيجية في البلاد.
دور المجتمع المدني
وقد سلط هذا اللقاء الضوء على الدور الحاسم للمجتمع المدني في الحوار بين السلطات العامة والمناطق الداخلية. وساهمت مبادرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في تعبئة ممثلين عن وزارة الصناعة والمناجم والطاقة ونشطاء المجتمع المدني من ولايتي قبلي وتطاوين، بالإضافة إلى شركات عمومية مثل الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية للتوزيع. كما شاركت في المناقشات جمعيات المجتمع المدني من تونس، وهي الجمعية التونسية للنفط والغاز وجمعية مهنيي الطاقة.
نحو طاقة مستدامة وشاملة
وقدم عبد الحميد خلف الله، مدير التحول الطاقي في وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، الاستراتيجية الوطنية لعام 2035، مسلطًا الضوء على الإجراءات الرامية إلى ضمان مزيج مستدام من الطاقة، والإنجازات، والمشاريع الجارية،والإصلاحات التي تم القيام بها والتحديات.
من جانبها، استعرضت عبير اليحياوي، مسؤول مكتب معهد حوكمة الموارد الطبيعية في تونس، التقدم المحرز في المشروع الذي تم تنفيذه في ولايتي قبلي وتطاوين، بهدف تعزيز إشراك أصحاب المصلحة المحليين.
وخلال اللقاء أعلن أنور بلحبيب، رئيس الشبكة الجمعياتية للتحول الطاقي العادل
(RATEJ)، عن إنشاء أول شبكة وطنية مخصصة للتحول الطاقي.وتمخض اللقاء عن مجموعة من التوصيات قدمها الخبير في الطاقة سامي بلحاج وأهمها فيما يتعلق بالإطار القانوني والمؤسسي ، حيث تمت الدعوة إلى توضيح الإجراءات القانونية وتكييف التشريعات مع قضايا الطاقة.وكذلك أهمية إطلاق حوار وطني حول التحول الطاقي.
وفيما يتعلق التواصل والحوكمة ، تم التأكيد على تعزيز الشفافية والوصول إلى البيانات المتعلقة بالطاقة. وتشجيع المناقشة العامة الشاملة والتشاركية.
أما فيما يتعلق بالتنمية المحلية فقد أوصى المشاركون بجعل قبلي وتطاوين مركزين للتحول الطاقي. ودعم الاستثمار المحلي ورواد الأعمال الشباب.كما تمّ التأكيد على أهمية دور المجتمع المدني وتعزيز قدرة الجمعيات على العمل، تدريب الخبراء المحليين لدعم عملية التحول. ويشكل هذا الاجتماع خطوة حاسمة نحو حوكمة أكثر فعالية للطاقة ليس فقط في تونس بل في الإقليم والمنطقة ككل في خضم التحولات المتسارعة والبحث عن الأمن الطاقي والبيئي في عالم متلهب بالأزمات والصراعات حول الطاقة .