الذي سيغير وجه دمشق والمنطقة ككل . في خضم ذلك سارع العدو الصهيوني الى أخذ زمام الأمور واستغلال حالة الفوضى والضبابية في المشهد السوري، ليعدل من الخارطة السورية ومعها كل أوراق الضغط الإقليمية في المنطقة التي تقف في وجه توجهات إسرائيل او التطبيع معها . آخر حرب صهيونية بين سوريا و"إسرائيل" انتهت باتفاق فض الاشتباك لعام 74 . واليوم هناك مشهدية جديدة تظهر ملامحها في سوريا تغري الكيان بقيادة نتنياهو الى فرض نفوذه وتوسعه . فما هي ملامح هذا الدور الصهيوني في سوريا وتأثيراته على المنطقة وهل سيكون دورا مؤقتا وكيف سيتعامل الحكام الجدد في سوريا بتوجهاتهم المتباينة مع هذا الواقع ؟
مرحلة جديدة
مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانسحاب الجيش السوري من العديد من المناطق الحدودية، دخلت سوريا في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والأمني. هذه التحولات الكبيرة في الداخل السوري قد أدت إلى فراغ أمني في مناطق عدة، مما وفر لإسرائيل فرصة غير مسبوقة لتوسيع نفوذها في المنطقة.أولى هذه الخطوات كانت السيطرة الإسرائيلية على منطقة جبل الشيخ السورية، وهي منطقة إستراتيجية تقع على الحدود بين سوريا ولبنان. "إسرائيل"، التي كانت قد عززت وجودها في هضبة الجولان المحتلة على مر العقود، سعت إلى توسيع سيطرتها في هذه المنطقة عبر إعلانها إنشاء منطقة عازلة، وهو ما يعكس تحولا في السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
منذ بداية النزاع السوري، كانت ''إسرائيل'' تخشى من تحول سوريا إلى مصدر تهديد أمني عبر استعادة قوتها العسكرية أو تعزيز تحالفاتها مع القوى الإقليمية المناوئة لإسرائيل مثل إيران وحزب الله. لذلك، تستهدف "إسرائيل" منطقة جبل الشيخ والمناطق الحدودية لضمان أمن حدودها الشمالية.ومن خلال إنشاء منطقة عازلة، تسعى إسرائيل إلى منع أي تحرّكات عسكرية بالقرب من هذه الحدود، خاصة تلك التي قد تتم من قبل القوات السورية.
وفي ظل الانسحاب السوري من العديد من المناطق الحدودية، تعمل إسرائيل على استغلال الفراغ الأمني لتقليص النفوذ السوري بشكل كامل في هذه المناطق، مما يعزز عزل سوريا عن المشهد الإقليمي. إذ يرى خبراء أنّ السيطرة على جبل الشيخ يمكن أن تكون خطوة نحو فرض مزيد من العزلة على النظام السوري وتدمير أي محاولات لاستعادة السيطرة على هذه المناطق.
ومع تداعيات انهيار النظام السوري، يؤكد مراقبون أن إسرائيل تسعى إلى منع أي قوة إقليمية أخرى من ملء هذا الفراغ، سواء كانت إيران أو أي جماعات حليفة مثل حزب الله. إذ تضمن إسرائيل أن يكون هناك خط فاصل بينها وبين أي تهديدات محتملة من هذه القوى من خلال توسيع نطاق وجودها العسكري على الأرض.
وتواصل "إسرائيل" انتهاك سيادة سوريا واستيلاءها على مزيد من الأراضي في الشريط الحدودي، حيث تتوسع تدريجيّا في هذه المناطق وتدمّر منشآت متنوعة، ليس فقط عسكرية. تأتي هذه الانتهاكات في ظل ردود فعل ضعيفة من الجانب السوري والعربي، وصمت دولي شبه كامل، رغم بعض التصريحات الأوروبية من دول مثل فرنسا وألمانيا التي تدعو إلى انسحاب إسرائيل من المناطق السورية التي احتلتها في الآونة الأخيرة.ووفق آخر المستجدات يرى محللون أنّ "إسرائيل" تستمر في ممارساتها تحت ذريعة "حماية الأمن"، إذ تسعى لاستغلال أي تحوّل سياسي في الدول العربية، محاولة فرض شروطها عبر الابتزاز والمساومة، سواء على صعيد الانسحاب مقابل نوع من التطبيع السياسي أو التفاوض على قضايا محددة. في المقابل، تسعى ''إسرائيل'' لتحقيق أهداف غير معلنة، منها التوسّع في الأراضي وضمّ المزيد منها، وذلك استمرارا لسياساتها السابقة في الأراضي العربية المحتلة.
الدور الإسرائيلي في سوريا
ومنذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، حرصت ''إسرائيل'' على استغلال الفوضى التي عمت سوريا لتثبيت ضعف النظام السوري وتعميق انشغاله بأزماته الداخلية. فقد كانت ''إسرائيل'' تدرك أن التفكك الداخلي والاضطرابات السياسية في سوريا تمنحها فرصة إستراتيجية لتقليص نفوذ دمشق الإقليمي وإبعادها عن المشهد العربي والدولي.
وفي ظل الأوضاع المتقلبة في سوريا بعد إعلان فصائل مسلحة عن إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في الثامن من الشهر الجاري، اتخذت "إسرائيل" خطوات تصعيدية تهدف إلى تأكيد هيمنتها على الوضع الأمني في المنطقة. حيث استهدفت القوات الإسرائيلية أكثر من 35 موقعا عسكريا في أنحاء مختلفة من سوريا، وهو ما يعكس إستراتيجية إسرائيلية مدروسة تهدف إلى منع أي تحول جذري قد يعيد لسوريا قوتها العسكرية أو الإقليمية.
على الرغم من أن المعارضة السورية أعلنت عن سيطرتها على العاصمة دمشق، وسقوط النظام السوري،إلاّ أن ''إسرائيل'' لم تتوقف عن تنفيذ ضرباتها الجوية، التي تركزت في الغالب على المستودعات العسكرية للأسلحة، الدفاع الجوي، خاصة في المناطق الجنوبية والوسطى من سوريا. كما استهدفت "إسرائيل" مراكز الأبحاث العلمية العسكرية، وهي مرافق تعتبرها مصادر تهديد إستراتيجي قد تسهم في تعزيز القدرات العسكرية المستقبلية لسوريا.
إلى جانب الضربات الجوية، قامت ''إسرائيل'' بتوسيع نطاق سيطرتها على المنطقة العازلة في الجولان السوري المحتل، بعد أن أعلنت سقوط اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. خطوة كهذه تأتي في سياق تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، وإغلاق أي فرصة لعودة سوريا إلى هذا الإقليم. ومن بين الأهداف العسكرية الأخرى التي تعرضت للقصف كان مطار المزة العسكري في ريف دمشق، الذي يُعتبر من المواقع الحيوية بالنسبة للنظام السوري.
هذا التصعيد العسكري الإسرائيلي يأتي في وقت حساس بالنسبة لسوريا والمنطقة ككل، حيث تسعى إسرائيل إلى ضمان استمرار الضعف السوري وعدم السماح لأي قوة جديدة في سوريا بأن تشكل تهديدا أمنيا. في الوقت نفسه، تحاول إسرائيل خلق بيئة إستراتيجية تضمن لها التفوق العسكري والسياسي في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل التغيرات التي تشهدها سوريا بعد سقوط النظام.
إذ يخشى الكيان الصهيوني من توسع النفوذ الإيراني في سوريا ومن احتمال تعزيز وجود حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى التي قد تستخدم الأراضي السورية كقاعدة انطلاق ضد مصالحها. وتسعى "إسرائيل" جاهدة لوقف عمليات نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله والمجموعات الأخرى التي تتعاون مع إيران، وذلك من خلال تنفيذ ضربات جوية ومخابراتية.
لكنّ هذه السياسات الإسرائيلية التي تقوم على تعزيز الضعف السوري وتنمية الفوضى، ليست إستراتيجية مستدامة أو قابلة للنجاح على المدى الطويل. فهي تغذي الصراع الداخلي السوري وتساهم في عرقلة أي فرص لتحقيق السلام أو الاستقرار في المنطقة. من الضروري فهم أنّ هذه السياسات الإسرائيلية تتسم باللاعقلانية، حيث تراهن على الانقسامات الداخلية في سوريا لضمان استمرارية هيمنتها على المنطقة، لكن ما لا تدركه "إسرائيل" هو أن سوريا، رغم ما مرت به من تحديات، تظل قادرة على إعادة بناء قوتها واستعادة مكانتها الإقليمية.
تعتبر إسرائيل أنّ سوريا تمثل تهديدا دائما لأمنها القومي، حتى في ظل انشغالها العميق بمشاكلها الداخلية. هذا التصور الذي تبنته ''إسرائيل'' دفعها إلى صياغة إستراتيجية متكاملة تهدف إلى إضعاف الدولة السورية بشكل دائم ومنعها من استعادة قوتها الإقليمية. هذه الإستراتيجية تتراوح بين استغلال الأزمات الداخلية التي تمر بها سوريا، وزيادة الضغط الدولي عليها، وصولا إلى التدخلات العسكرية المباشرة . من خلال هذه السياسات، تحاول "إسرائيل" ضمان أن تظل سوريا مشغولة بنفسها، وبالتالي غير قادرة على التأثير في الأحداث الإقليمية الكبرى.
يرى مراقبون أن إسرائيل تستفيد من حالة الانشغال المستمر التي تمر بها سوريا بعد اندلاع الثورة في 2011، وتعتبر هذه الحالة بمثابة أداة فعالة لإضعاف الدولة السورية وتفتيتها. فقد دمرت النزاعات الداخلية والهجمات العسكرية السورية الهائلة البنية التحتية للبلاد، مما جعلها أكثر ضعفًا وتفتتا وآخرها سقوط بشار الأسد. هذا الواقع أتاح لإسرائيل فرصة لتأكيد هيمنتها الإقليمية، من خلالا سعيها لجعل سوريا غير قادرة على التأثير الفاعل في السياسة الإقليمية أو مواجهة التحديات الأمنية التي تطرأ على المنطقة.
ومع ذلك، إسرائيل لا تكتفي بمراقبة الوضع السوري من بعيد، بل تتدخل بشكل مباشر لضمان استمرار هذا الضعف السوري. فالغارات الجوية التي يشنها سلاح الجو الإسرائيلي على مواقع سورية باتت أداة رئيسية في هذه الإستراتيجية. إذ نفذت ''إسرائيل'' مؤخرا غارات مكثفة على عدة مواقع إستراتيجية في دمشق وحلب، حيث زعمت أنها كانت تضم مراكز لتخزين الأسلحة الإيرانية ومرافق لوجيستية تابعة لحزب الله. إلا أن متابعين يؤكدون أن الهدف من هذه العمليات هو عرقلة أي محاولات لتحسين القدرات العسكرية السورية أو تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة.هذا النهج لا يقتصر فقط على إضعاف سوريا، بل يساهم أيضا في إشعال المزيد من الصراعات والفوضى في المنطقة، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدا على المدى الطويل.
إستراتيجية استغلال الفوضى
على الصعيد الإقليمي، عملت إسرائيل أيضا على استغلال الفوضى في المنطقة لتعزيز علاقاتها مع بعض الدول العربية، خاصة من خلال اتفاقيات التطبيع التي ساعدت على عزل سوريا سياسيا وإقليميا. تلك العلاقات ساعدت على إضعاف أي محاولات من سوريا لإعادة تأسيس قوتها الإقليمية، إضافة إلى دعم إسرائيل للمجتمع الدولي في فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري. هذه العقوبات كانت بمثابة أداة إضافية لإعاقة أي فرص للانتعاش الاقتصادي أو استئناف جهود إعادة الإعمار.
يتضح الهدف الاستراتيجي لإسرائيل من هذه السياسات في أنها تسعى إلى إبقاء سوريا عالقة في دوامة الأزمات الداخلية من جهة، مما يمنعها من استعادة قوتها، وفي الوقت نفسه، تعمل على تقليص أي تهديد أمني قد ينبع منها في المستقبل. ليس هذا التوجه عشوائيا ، بل هو جزء من إستراتيجية مدروسة تستخدم فيها إسرائيل عدة أدوات: التدخلات العسكرية المباشرة، والضغط السياسي المستمر، والعزلة الدولية المفروضة على سوريا، بهدف الحفاظ على تفوقها الاستراتيجي في المنطقة.
ويرى مراقبون أن هذه السياسات تعكس نية إسرائيل الواضحة في إضعاف سوريا إلى أقصى حد ممكن، من خلال فرض حالة من الفوضى الدائمة داخل البلاد ومنعها من العودة إلى الساحة السياسية الإقليمية بقوة. بهدف تقويض قدرة سوريا على التأثير في المعادلات الإقليمية، وبالتالي إضعاف دورها الإستراتيجي في المنطقة على المدى الطويل.
من جهتها قالت إذاعة جيش الإحتلال الإسرائيلي إنه تمّ الانتهاء من الجزء الأساسي من العملية في سوريا، مشيرة إلى أنه جرى تدمير من 70% إلى 80% من القدرات العسكرية لنظام بشار الأسد.وأضافت إذاعة الإحتلال الإسرائيلي أن 350 مقاتلة هاجمت مواقع من دمشق إلى طرطوس، وأنه تم تدمير عشرات الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة، وقالت إن القوات البرية تواصل العمل في المنطقة العازلة.
وعلى الصعيد السياسي، حذّر رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القادة الجدد لسوريا من السير على خطى الرئيس السابق بشار الأسد ومن السماح لإيران "بإعادة ترسيخ" وجودها في البلاد.وقال نتنياهو في بيان عبر الفيديو من تل أبيب "إذا سمح هذا النظام لإيران بإعادة ترسيخ وجودها في سوريا، أو سمح بنقل أسلحة إيرانية أو أي أسلحة أخرى إلى حزب الله، أو إذا هاجمَنا، فسوف نرد بقوة، وسندفّعه ثمنا باهظا"، مضيفا "ما حلّ بالنظام السابق سيحل بهذا النظام".من جانبه، قال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن صواريخ للبحرية الإسرائيلية دمرت الأسطول الحربي السوري في عملية جرت الليلة الماضية، في إطار "حملة واسعة النطاق للقضاء على التهديدات الإستراتيجية لإسرائيل".
رسائل أمنيّة وإستراتيجية
في سياق مُتسارع للأحداث في سوريا، وخصوصا مع التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد بعد سقوط النظام السوري، تواصل "إسرائيل" حملتها الجوية المكثفة ضد المواقع العسكرية الإستراتيجية في الأراضي السورية. الهجمات الأخيرة، التي تركزت في المنطقة الجنوبية ومحيط العاصمة دمشق، تعدّ جزءا من إستراتيجية إسرائيلية تزعم تل أبيب أنها بهدف الحفاظ على أمنها الوطني والحد من أي تهديد محتمل لحدودها الشمالية في الجولان المحتل.
من بين الأهداف الرئيسية لهذه الهجمات، كانت كتائب الدفاع الجوي السورية ومنصات الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، التي تعتبر في نظر "إسرائيل" قادرة على تهديد الأجواء الإسرائيلية، بالإضافة إلى مراكز الأبحاث العلمية العسكرية، التي قد تُستخدم لتطوير أسلحة قد تمثل تهديدا بعيد المدى.
ومن المواقع التي تعرضت للضربات الإسرائيلية، كانت المستودعات الضخمة للذخيرة والأسلحة. هذه المواقع تحتوي على كميات كبيرة من الأسلحة التي كانت تعد من موارد الجيش السوري الأساسية خلال السنوات الماضية. ووفق مراقبين فإنّ تدمير هذه المستودعات ليس فقط استهدافا للقدرات العسكرية السورية الحالية، بل هو في الواقع جزء من محاولة إسرائيلية لتقليص قدرة سوريا على إعادة بناء قوتها العسكرية أو تجديد مخزوناتها من الأسلحة الثقيلة.
الجولان المحتل .. أولوية لتل أبيب
تدرك إسرائيل أن الجيش السوري، رغم تأثره الشديد بالحرب الأهلية، لا يزال يمتلك قدرات عسكرية ثقيلة، خاصة في مجالات الجيش الجوي والأسطول البحري. هذه الأسلحة، تعتبر تهديدا في حال جرى تحديثها أو استخدامها بفعالية في المستقبل.
على الرغم من التطورات السياسية في سوريا، يبقى الجولان السوري المحتل من أولويات ''إسرائيل'' الأمنية. وفي هضبة الجولان، التي ضمتها ''إسرائيل'' عام 1981 وأكّد ترامب سيادتها عليها خلال ولايته الأولى، تستمر الأطماع الإسرائيلية في الاستيلاء على مناطق إستراتيجية، مثل القمم الجبلية لجبل الشيخ، بالإضافة إلى المزيد من الأراضي الجولانية التي تتميز بخصوبتها ومواردها الطبيعية.
ويرى محللون أن تل أبيب تزعم عبر هذه الهجمات الجوية أنها تهدف لضمان أمن حدودها الشمالية، عبر استهداف القدرات العسكرية السورية التي قد تهدد هذه الحدود في المستقبل. بينما تستمر سوريا في مواجهة أزماتها الداخلية، يستغل جيش الاحتلال الإسرائيلي هذا الوضع لتحقيق أهدافه الإستراتيجية، عبر استهداف مواقع حيوية قد تمنع إعادة بناء القوة العسكرية السورية.