عوالمه تغري بالزيارة وطريقته في ايصال افكاره تغري بمزيد البحث في تفاصيل الكوميديا الساخرة والسخرية الموجعة وكيفية تحويل الوجع الى عمل فني خاصة نحتي.
الفنان يحوّل الحديد الصلب الى إبداعات اقتبس أسمائها من التراث الشفوي للشمال الغربي فكانت منحوتات "عزوزة القايلة" و"حلقة" و"راس ورويس" و"الساسي" و"الباندي" و"بوخنفير" و"عين رات" و"عين ماراتش" والنحات يخالج الروح بأعماله ويلاعب الفكرة ويواسي الموجوعين وينتصر للحالمين فالفن في النهاية وجد لمواساة اولئك الذين كسرتهم الحياة وفي رواق خزفيات بمدينة الثقافة يقدم نصر الدين فرحاتي جزء من احلامه في شكل منحوتات.
المعرض استحضار لجماليات النحت وقدرته على النقد
يعتبر فن النحت من الفنون القديمة التي وثقت للحضارات السابقة، النحت فن عظيم رافق الانسانية في تطورها وكان وثيقة ابناء الحاضر ليتعرفوا على حكايات الماضي فمن المنحوتات نعرف تاريخ روما وانتصارات اثينا وحكايات الرومان، عبر المنحوتات نقرئ عظمة بابل وامتداد قرطاج ونصر الدين فرحاتي نحّات يلاعب الحديد كطفل عاشق ليصنع اجمل الافكار الموغلة في السخرية والوجع في الوقت ذاته وينقل موروثه الشعبي المتوارث في الشمال الغربي التونسي ويحوله إلى أعمال فنية.
الوان داكنة تسيطر على الرواق، اغلب المنحوتات تتدرج بين الاسود والرمادي مع حضور قليل للون البرنزي، الألوان تتدافع لتسكن العقل وتحفزه على طرح السؤال، الغرابة في المكان تنطلق من اللون الى اسماء الاعمال والاشكال، فللون تاثيره على الذاكرة البصرية للمتلقي وهو العتبة الاولى لقراءة العمل، النحات عمل على مبدأ التعظيم، الموضوع المشتغل عليه يجعله اكبر حجما من بقية اجزاء المنحوتة، فـ "عين شافت وعين ما شافتش" تكون احدى العينين بارزة مفتوحة بشكل كبير تكاد تملئ كامل الوجه بينما تغيب بقية الملامح، وفي "العاشق" يكون القلب اضخم من بقية الجسم، القلب ينبض حبا يتماهى مه حبّ النحات لعمله وللوحاته التي اشتغل عليها لعام كامل مزج فيها فنون عديدة، انطلق من الفكرة ووصل الى السخرية.
ومنحوتة "عزوزة القايلة" (عزوزة الستوت) نحتها كما تناولتها الاجيال بالوصف، دميمة الوجه ومنحنية الظهر وعظيمة الانف واختار اللون الرمادي مع مساحات سوداء متناثرة ليضيف على العمل هيبة الشخصية المنتقاة وغموضها، عمل يكاد يتحرك من مكانه ليريع زوار المكان في تناص تام بين النحت والحقيقة.
"النحت الساخر" هو عنوان المعرض ويحمل رسائل مبطنة وقوية تعكس واقع المجتمع وتشاكسه وتسلط الضوء على قضايا مهمة بأسلوب فكاهي، مما يساعد في جذب انتباه الجمهور وتحفيز النقاش و تفتح المجال للقراءة حسب تصريح النحات نصر الدين فرحاتي للمغرب، فالواقع المجتمعي والمشاكل التي يعيشها التونسي تمسّ الفنان، يلتقطها بعينه الابداعية ويحولها الى اعمال فنية ساخرة وناقدة، بالنحت اصعب الفنون يشاكس فرحاتي العديد من المشاكل المجتمعية ويحوّل الحكايات اليومية التي قد يتغاضى عنها الانسان العادي الى ابداع يعرف الفنان كيف يعالجه عملا بمقولة فاسيلي كاندينسكب" على الفنان ألا يُدرّب عينه فقط، بل يجب أن يدرب روحه كذلك"وفي النحت الساخر تحضر روح النحات الثائرة والساخرة.
النحت اعادة تشكيل لهموم المجتمع
تختلف المواضيع المتناولة في معرض "النحت الاخر" وجميعها ذات ابعاد اجتماعية ومجتمعية يعايشها الفنان في واقعه، للوحاته اختار مسميات من الموروث التونسي وبعض الكلمات المنسية، ففن النحت فن اعادة الحياة، في المعرض نجد منحوتة عنوانها "ماكل الدنيا ومتسحر بالآخرة" وهو مثل شعبي تونسي و يبرز العمل التناقض بين الانغماس في الملذات الدنيوية والاهتمام بالروحانيات، يعكس كيف يمكن أن يشتت الانشغال بالماديات الشخص عن القيم الحقيقية وتكون المنحوتة لشخص ممتلئ البطن، قصير القامة مطموس الملامح بلون برنزي مع القليل من الاسود.
تعتبر الامثال الشعبية التونسية مساحة للنقد واعادة استقراء العديد من الظواهر المجتمعية وفي معرضه حوّل النحات الامثلة المنطوقة الى منحوتات مميزة بثّ فيها من روحه المتمردة فكان عمل "الفلوس ما ينقب كان عين خوه" ويتناول فكرة الحسد والمنافسة في المجتمع، يشير إلى أن الطموح المادي قد يؤدي إلى مشاعر سلبية بين الأفراد، مما يعكس الطبيعة البشرية، وعمل "كي الزير الملكي لا يضحك لا يبكي" ويجسد هذا العمل فكرة فقدان العواطف أو عدم القدرة على التعبير في سياقات معينة، يعكس كيف يمكن للسلطة الادارية أو الوضع الاجتماعي أن يفرض على الأفراد قيودًا على مشاعرهم حدّ كبتها.
النحت الساخر تجربة فنية وجمالية مختلفة، في الاعمال يجمّل النحات القبح، يعظّم الجزء امام الكلّ ويبحث في جماليات مختلفة تنطلق من افكار ساخرة عن عادات والفاظ وظواهر يعيشها الفنان في واقعه، بفنه نقد مجتمعه واخرج عبراته على الحديد وحوّل قبحه الى ابداع فنّي، صنع من الحديد اجمل الاعمال وترك باب التاويل مفتوحا للمتلقي وزوار المعرض، لكل عمل حكاية ولكل منحوتة سردية مكانية وزمانية واستيتيقية تختلف قراءتها من انسان الى اخر، فلكل مواطن الحرية في استنطاق العمل الفني واستخراج دلالاته حسب معرفته وافكاره ومدى اهتمامه بواقعه.
والنحات لامس مجتمعه، انصت الى اوجاعه والتقط تفاصيله وحوّلها الى 23عمل فني اشتغل عليها لعام كامل، كل هذه الأعمال تعبر عن قضايا اجتماعية وثقافية بطريقة فكاهية، فالأمثلة الشعبية هي بحد ذاتها نتاج سخرية الأفراد من الأحوال و الأوضاع خاصة في المناطق الداخلية باعتبار ان "مشروعي هو نابع من قرى الشمال الغربي فكانت الفكرة هي المزج بين الشخوص السريالية الخرافية و الأمثلة الشعبية و الشخوص الشهيرة في قرى الشمال الغربي و نقلها الى بحث فني تشكيلي يعبر بطريقة ساخرة السخرية من الوضع المهمش في قرى الشمال الغربي قرى مدينة السرس بشكل خاص و تونس بشكل كلي" حسب تعبير النحات نصر الدين فرحاتي.