ومن عرفه من بوابة الشاشة الصغيرة، فقد نال الفرصة في التعرف على وجه درامي يقنع دون تصنّع ويتلون بين التراجيديا والكوميديا ببراعة الحرباء. أما من عرفه كاتبا فلا شك أنه سيتوقف طويلا أمام نصوص تنبض بحبر الحكواتي وبصدق الذكريات عن ذاكرة مدينة الكاف العالية وعن أحلام الطفولة والصبا ...
بعد حضور لافت للنظر وللإعجاب في مسلسل "رڤوج" في الموسم الرمضاني، فاجأ البحري الرحالي جمهوره بتوقيع كتابه الأول "كاف العجايب" الصادر عن "منشورات ابن عربي" في الدورة الأخيرة من معرض تونس الدولي للكتاب.
شجن وحنين... وروح الدعابة
ما بين لقب الممثل وصفة الكاتب، كانت الرهبة نفسها والخوف ذاته تسيطران على البحري الرحالي وهو الذي خفق قلبه بشدة أثناء تقديم أول عرض مسرحي في سنة 1977، كما خفق أثناء حفل توقيعه لكتابه الأوّل "كاف العجايب".
بين دفتي كتاب، بعثر البحري الرّحالي بحور الكلام وارتحل بين البراري والفيافي في اقتفاء لأثر الحكايا الممتعة عن "طريق الكاف" و"عيشة راجل" و"منجي الصقري" و"مهرجان سيدي عمر البقراوي"... هي فقط 165 صفحة عن "كاف العجايب" كتبها صاحبها بقلم من شجن وحنين وبروح الدعابة، فكانت كفيلة بأن ترسم الابتسامة وتثير الدهشة في متعة ممزوجة بالسخرية من الذاكرة القصيرة التي تنسى فصولها ... كأنها لم تكن !
على طريقة الحكواتي وباللهجة التونسية، نثر الفنان البحري الرحالي عطر جبال الكاف في صفحات كتابه "كاف العجايب". فروى حكايات طريفة وشيّقة عن الكاف، مدينة التاريخ والآثار والأسطورة مسترجعا رموز الحكايات الشعبية وأصحاب الكرامات والأولياء الصالحين ... وبأسلوب بسيط جذاب، استنطق البحري الرحالي ذاكرته لتفتح خزائنها المخبأة منذ سنين طويلة وتسلمه مفاتيح أبوابها، فانطلق في قصّ ما علّق بذهنه وبوجدانه من أحداث وهواجس وأحلام ... وكل الأحلام ممكنة في الكاف، "كاف العجايب" !
"في كل جملة... زيت الكليل يداوي"
في إهداء إلى روح حفيدته الراحلة "قمر"، وفي مقدمتين: مسرحية وسينمائية، تضّمن كتاب "كاف العجايب" مقدمة مسرحية بقلم شاعر المسرح نور الدين الورغي الذي قدّم الكتاب، فكتب بالعامية التونسية:"في ثنايا الكاف يحلّق ويسير.. حكايات البحري ما تقولش حكايات.. الغلاف حجّاية ومن داخل روايات... في كل وصف مسارب... كل ورقة مالكتاب هي الحاضر وهي الماضي... كل جملة زيت الكليل يداوي... وسيف يجرح، بتّار ماضي... "
أما المقدمة السينمائية لكتاب "كاف العجايب" فقد جاءت بقلم المخرج سمير الحرباوي الذي قال عن الكتاب: " يبدو أهل الكاف كما يصورهم الرحالي في حكاية من حكايات زمن آخر، دراويش على باب الحياة مشمولين ببركة عظيمة، وكأنّي بي أطوف بين أهلها في أزقة "بن عنين" وأعرّج على مقاهي بومخلوف وأزقة الكاف وألج إلى دكاكينها بينما أنا وأنت نتبع خطى الرحالي الذي يرشدنا أثناء المسير في أعطاف الكاف ومنعرجاته وفي أسواقه... حتّى كأنّ البحري الرحالي الراوي المفتون هو مدينة الكاف ذاتها..."
ولأنّه فنان مسرح تعوّد على الحوار والتفاعل المباشر مع الجمهور، يدعو البحري الرحالي قرّاء كتابه إلى اختيار حكاية من حكايات "كاف العجايب" على هواهم وقراءتها كما يحلو لهم قصد العثور على الحكواتي في شخصيتهم ... فلكل منّا حكاية معروفة أو سرية ولكل منّا ذاكرة تعج بذكريات قد تتقاطع مع حكايات "كاف العجايب" كما رواها البحري الرّحالي !