وللأيام في الشأن الثقافي كلام آخر، فقد اقترنت "أيام قرطاج لفن كذا أو كذا" بذاكرة أجيال وبنضال آباء مؤسسين من أجل الوجود والحضور في خارطة المشهد الفني العربي والدولي.
في الأمس القريب، كانت تونس تعدّل ساعتها وتضبط بوصلتها على موعدين هما من أبرز وأشهر المناسبات الثقافية محليا وإفريقيا: أيام قرطاج السينمائية (1966) وأيام قرطاج المسرحية (1983). وحدث أن انفجرت "الأيام" دفعة واحدة لتسري في كل الاتجاهات وتمتد على جلّ القطاعات. كان ذلك بين سنوات 2016 و 2019 في عهدة الوزير السابق للشؤون الثقافية محمد زين العابدين والذي تضاعف في فترة جلوسه على كرسي الوزارة عدد التظاهرات الدولية الكبرى بسرعة البرق، فكان إحداث : "أيام قرطاج للفن المعاصر" و "أيام قرطاج الشعرية" و"أيام قرطاج لفنون العرائس" و "أيام قرطاج للخزف الفني" و"أيام قرطاج للهندسة المعمارية" و "أيام قرطاج الكوريغرافية" و "أيام قرطاج للإبداع الصحفي " و"أيام قرطاج لإبداع المهجر"...
كانت حجة الوزير السابق هي تكريس" سياسة ثقافية تعمل على تجسيد فعلي للدمقرطة الثقافية حيث لا أفضلية لفن على آخر وكل التعبيرات الإبداعية يجب أن تتمتع ببنفس الاعتبار في الحقوق والواجبات". ولئن كانت «الطفرة» من التظاهرات الكبرى ذات البعد الدولي جاءت لتستجيب - ولو على عجل- لمطالب قطاعات ولنداءات فنانين ومثقفين ، فإنها في المقابل لم تتأسس على أرضية صلبة وهيكلة متماسكة تضمن لها الاستمرار وعدم الانقطاع.
واليوم تعيش هذه "الأيام" في شتى الفنون لخبطة في الانتظام وتوقيت التنظيم لتبقى مهددة بالإلغاء حتى قبل انطلاقها بأيام ، في حين انقطع بعضها واحتجب عن الظهور على غرار أيام قرطاج الشعرية وأيام قرطاج للهندسة المعمارية وأيام قرطاج لإبداع المهجر ...
وحتى لا ننسى كانت جائحة الكورونا التي جثمت على أنفاس تونس شبحا طارد التظاهرات الفنية وسببا في تعليق الحياة الثقافية وتجويع الفنانين... وبعدها لم تعد الكثير من المهرجانات و"الأيام" إلى سالف نشاطها وأوانها !
اليوم، لا بد من توضيح حاسم وتحديد دقيق لأجندا المواعيد الثقافية الكبرى في بلادنا حتى لا يُقبر بعضها في المهد ويُنسى كأنه لم يكن دون إعلان صريح بالفناء، وحتى لا يعبث توقيت الدقيقة التسعين بسمعة وبتاريخ مهرجانات كانت رائدة وسبّاقة في الاحتفاء بثقافة الحياة.