كما تفتح أبواب الذكريات على مصراعيها في نبش عن حكايات وعن قصص عصية عن النسيان. ما بين الجزائر وفلسطين وفرنسا، تلاحق لينا سوالم الذاكرة وتعيد تجسيدها في أفلام لتحميها من التلاشي والاندثار. فكان فيلمها الوثائقي الأول "جزائرهم " توثيقا لذاكرة الجزائر الاحتلال والنضال والمنفى ... ثم جاء فيلمها الوثائقي الثاني "باي باي طبريا" ليسرد حكايات أربعة أجيال من النساء الفلسطينيات... وقد لاقى الفيلمان تتويجات وألقاب مشرفة في أكبر المهرجانات السينمائية. بمناسبة عرض فيلمها "باي باي طبريا" في تونس التقت "المغرب" المخرجة من أصول جزائرية - فلسطينية والمقيمة في فرنسا لينا سوالم ، فكان ما يلي:
* مؤخرا وليس آخرا، حصد فيلمك "باي باي طبريا" جائزة مهرجان مالمو للسينما العربية ، كما رشحته فلسطين لتمثيلها في "الأوسكار"... هل كنت تتوقعين للفيلم كل هذا النجاح؟
لقد قضيت سبع سنوات وأنا أشتغل على فيلم "باي باي طبريا" ... كان كل أملي أن أصوّر فيلما يشبهني ويكون وفيا لشخصيتي ولرؤيتي للعالم. في الحقيقة لم أكن أتوقع هذا النجاح للفيلم الذي سافر إلى أكبر مهرجانات سينما العالم وحاز على التتويج والإعجاب. في الوقت الذي كنت فيه فخورة فيه بهذا النجاح كان حجم مسؤوليتي يتضاعف وكان خوفي على أفراد عائلتي يتزايد وأنا أتحدث عن فلسطين القضية وأصل الحكاية وأم البدايات في ظل ما تعيشه غزة اليوم من جرائم ضد الإنسانية. وقد كان من المهم بالنسبة لي أن أكون موجودة في كل الأماكن التي تعرض الفيلم حتى أحكي للجمهور مباشرة ودون واسطة قصة الفيلم وأجعلهم يحبّون شخصياته ويتفاعلون مع أحداثه كأنها فعلا تعنيهم بطريقة ما.
* وأنت تحاولين توثيق الذاكرة وترصيف الذكريات... إلى أي مدى يمكن للسينما أن تغيّر من مصير الشعوب ؟
قد لا يمكن للسينما أن تغير العالم لكن يمكن أن تجعلنا ننظر إلى العالم من زاوية مختلفة وبطريقة أخرى. لعل الفرق بين نشرات الأخبار بين والسينما في التطرق إلى القضية الفلسطينية هو أنّ الإعلام ينقل الأحداث في فلسطين يوما بيوم وساعة بساعة ولكن بلغة الأرقام بينما في الأفلام تتجسد قصص إنسانية مؤثرة وعميقة عن ملحمة الفلسطينيين وبطولاتهم وتفاصيلهم الصغيرة... يمكن للسينما أن تعزف على وتر الإحساس لإدراك ما يعيشه الآخرون مهما كانوا مختلفون عنا في اللهجة أو العرق أو القضايا... طبعا تحتاج فلسطين إلى صوت الإعلام وعدسة السينما ولغة كل الفنون حتى لا يُقبر شهدائها في صمت وحتى يكون لعدالة قضيتها صدى في كل قارات العالم.
* في أفلامك يلتقي ثالوث الذاكرة والمنفى والشتات... فإلى مدى نحن اليوم أمام أزمة هوية ؟
في أفلامي انعكاس لشخصيتي، فأنا مزيج بين ثلاث ثقافات وأناا لتي أحمل ثلاث هويات تتقاطع فيها الجزائر وفلسطين وفرنسا....لكني كنت كثيرا ما أشعر أنني مجبرة على انتقاء هوية واحدة والتكيف مع نمط عيش مجتمع واحد، فكنت أتساءل دائما لماذا لا يتركوننا نعيش في سلام بكل ما نحمله من ثقافات وانتماءات وجذور ؟ لماذا علينا الاختيار والتخلي عن بعض منا؟ ولهذا أسعى في أفلامي إلى إبراز قوة الشخصية العربية وقدرتها على التكيف والتأقلم دون استلاب. إنّ السينما تحفظ الذاكرة العربية من الاندثار وتكتب تاريخ العرب دون وصية من أحد ودون إملاءات من فوق أو تحريف للحقيقة !
* جئت إلى السينما بعد أن درست العلوم السياسية، فهل ورثت جينات الفن عن عائلتك الفنية ؟
بكل صراحة لم أكن أرغب أن أكون مخرجة سينمائية واهتممت في دراستي بالتاريخ وبالعلوم السياسية، لكن يبدو أن الجينات التي ورثتها عن أبي وأمي باعتبارهما من أهل التمثيل قد انتصرت في النهاية. ولقد شعرت بأني أتمنى أن أدخل غمار السينما لما شاهدت الفيلم الوثائقي"عالم ليس لنا" للمخرج مهدي فليفل والذي جعلني أضحك وأبكي في الوقت نفسه وأنا أشاهد تجسيدا إنسانيا مؤثّرا لحياة ثلاثة أجيال من اللاجئين الفلسطينيين في مخيّم "عين الحلوة" في لبنان. ومن هناك كانت بداية علاقتي بالسينما حيث اكتشفت أنه يمكن للقصص الإنسانية والذاكرة الفردية أن تُروي عن طريق عدسة الكاميرا. ولما بلغت من العمر 27 سنة ، قدمت فيلمي الأوّل "جزائرهم" بعد أن أصبحت على يقين بأنّه علينا توثيق الذاكرة حتى لا تندثر !
* ما بعد "جزائرهم" و"باي باي طبريا" ... هل سيكون فيلمك الثالث روائيا؟
أطمح إلى إنجاز فيلم روائي لكن طبعا بعد الاستعداد جيدا لذلك... شخصيا أعتبر أنّ الفن رسالة وأنه لا ينفصل عن السياسة، فكل حياتنا سياسة في نهاية المطاف. أنا لا أنطلق من فراغ أو من مجرد فكرة... بل من هاجس مصيري بالنسبة لي لا بد من قوله سينمائيا حتى لا يموت !