بل هي مسارح ومدارس وأجيال من المسرحيين والمخرجين والممثلين والتقنيين والإداريين... هي تاريخ عريق ومسيرة نضال كتبت بحروف من تعب ومن عرق ومن دمع ذاكرة المسرح التونسي. منذ التسعينات، كانت مراكز الفنون الدرامية والركحية بوابة لاحتراف ممارسة الفن المسرحي وخشبة لإنتاج أعمال ذات قيمة وجودة ...
أمام ما تواجهه مراكز الفنون الدرامية والركحية من إشكال قانوني باعتبار افتقارها إلى القانون الأساسي وأمر الإحداث ، تمّ التوصل في البداية إلى حل إلحاقها بمؤسسة المسرح الوطني لتصبح تحت إشرافها. ولكن بعد رفض أعضاء مجلس النواب بالأغلبية الموافقة على مشروع هذا القانون في شهر أكتوبر 2023، دخلت مراكز الفنون الدرامية والركحية إلى منطقة المجهول !
وفي مذكرة عمل صادرة عن وزارة الشؤون الثقافية بتاريخ 22 جانفي 2024، تم الإعلان عن قرار إلحاق مراكز الفنون الدرامية والركحية بالمندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية. يأتي هذا القرار على إثر انتهاء العمل بالتفاويض بالنسبة للمعاملات المالية لهذه المراكز منذ 31 ديسمبر 2023.
30 سنة مرّت على تأسيس أولى مراكز الفنون الدرامية والركحية في تونس. ففي سنة 1993 وبقرار رئاسي تم تأسيس أولى مراكز الفنون الدرامية والركحية في الكاف وفي قفصة ثم في صفاقس سنة 1997 وفي مدنين سنة 2010. وفي فترة تولي الوزير السابق محمد زين العابدين لحقيبة وزارة الشؤون الثقافية (2016 /2020) تمّ تعميم مراكز الفنون الدرامية والركحية في كل الولايات- باستثناء تونس العاصمة- إضافة إلى معتمديتي جربة وقرقنة. جاء هذا التعميم لمراكز الفنون الدرامية والركحية دون إعداد لأرضية قانونية أو توفير أدنى الضروريات البشرية واللوجستية لعمل هذه المراكز الجديدة في الوقت الذي تعاني فيه المراكز الموجودة سابقا بدورها من إشكالات شتّى أهمها غياب قانون أساسي ... وإلى اليوم لا يزال الكثير من هذه المراكز بلا مقر وبلا قاعة تمرين وبلا موارد بشرية ولوجستية...
اليوم تجد مراكز الفنون الدرامية والركحية والتي يبلغ عددها 25 مركزا بقديمها وبجديدها في وضع لا تحسد عليه وفي وضعية العودة إلى الوراء. فبعد أن طالبت بالهيكلة القانونية وبالصبغة الإدارية الملائمة وباللامركزية الفعلية... تجد هذه المراكز نفسها في وضعية تقيّد استقلاليتها المادية والإدارية ممّا من شأنه أن يكبّل مرونة التصرف وأن يُعيق إنتاج العروض وتوزيع الأعمال...
على امتداد ثلاثة عقود من الزمن كانت مراكز الفنون الدرامية والركحية نواة للفعل الإبداعي في الجهات وحقلا خصبا لتطوير التجارب المسرحية والفنية عموما. وبعد أن ساهمت في كتابة تاريخ المسرح التونسي وهي التي خلّفت الفرق المسرحية الجهوية على غرار الكاف وقفصة، تجد مراكز الفنون الدرامية والركحية اليوم نفسها مجبرة على الانضواء تحت راية المندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية وكأنها مجرد دور ثقافة وليس مؤسسات إنتاج وتوزيع للعروض داخل تونس وخارجها !
أليس في إلحاق مراكز الفنون الدرامية والركحية بالمندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية حكم بالموت البطىء على تاريخها ومنجزها ومستقبلها؟