13 أوت عيد المرأة الوطني: لا جديد لنساء تونس في «العهد الجديد»

حمه الهمامي
مرّ 13 أوت، العيد الوطني للمرأة التونسية الموافق هذه السنة للذكرى 65 لصدور مجلة الأحوال الشخصية، دون جديد يذكر. لقد انتظر البعض

أن يعلن رئيس الجمهورية، الذي جمّع منذ يوم 25 جويلية المنقضي كل السلطات بين يديه وأصبح «الحاكم بأمره»، إجراءات لصالح النساء التونسيات. وقد أصدرت بعض الجمعيات النسائية التونسية بيانات بالمناسبة ذكّرت فيها بمطالبها وانتظاراتها التي يمكن حوصلتها في مراجعة جوهرية لمجلة الأحوال الشخصية الصادرة قبل عقود والتي تجاوزها الزمن في العديد من فصولها ومحتوياتها لتتلاءم مع ما جاء في دستور 2014 ومع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) بهدف تحقيق المساواة التامة والفعلية بين الجنسين في كافة مجالات الحياة.
ولكنّ قيس سعيد تجاهل هذه الأمور وتجنّب الخوض في مسألة المساواة وفي تطوير مجلة الأحوال الشخصية أو تعويضها بوضوح بمجلة جديدة خالية من أي مظهر من مظاهر التمييز تماشيا مع روح الثورة التونسية واكتفى بالإشارة عند زيارته لمجموعة من النساء الحرفيات بحي هلال إلى الوقوف إلى جانبهن و«الدفاع عن حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية». وما يشد الانتباه هو صمت غالبية المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية والنقابات عن الطريقة التي تعامل بها رئيس الدولة مع هذه المناسبة وعدم مطالبته بتوضيح مواقفه من مسألة المساواة ومكانتها في مشروعه ومخططاته وهو الذي كان قد أعلن في مناسبات سابقة معارضته لمبدإ المساواة التامة في الحقوق، خاصة في مجال الميراث، والتزامه بـ«مبادئ الشريعة» التي تنص، حسب رأيه، على مفهوم «العدل» الذي قدمه بديلا لمفهوم المساواة.
فهل أنّ انسياق عدة أطراف وراء انقلاب 25 جويلية و«إجراءاته الاستثنائية» أنساها مواقف الرجل من قضية المساواة وأصبحت ترى أنّ الوقت ليس مناسبا لإثارتها وهي التي رفضت على الدوام «نظرية» «موش وقتو»؟ لقد بيّنّا في السنة الفارطة الطابع المغالط لمّا لجأ إليه قيس سعيد واعتبرناه سفسطة لتبرير معارضته للمساواة التامة في الحقوق بين الجنسين. لقد ادّعى أنه مع مفهوم «العدل» وليس مع مفهوم المساواة التي وصفها بالشكلية والفارغة في محاولة منه لخلق تضاد بين المفهومين وهو نفس موقف حركة النهضة والمحافظين عند مناقشة دستور 2014 لتبرير معارضتهم للتنصيص على مبدأ المساواة في الدستور. لقد أوضحنا في ردنا العام الماضي أنّ المعركة الحقيقية التي خاضتها البشرية منذ القدم هي معركة المساواة أولا وقبل كل شيء لأنّ العدل لا يتحقق إلاّ بين شخصين متساويين في الحقوق. أمّا العدل بين شخصين غير متساويين في الحقوق فهو كذبة وخديعة لتبرير اللامساواة.
إنّ العدل بين السيد والعبد يعني أن يتصرف السيد كمالك للعبد والعبد كتابع لسيده. والعدل بين المرأة والرجل في غياب المساواة يعني أن يتصرف الرجل كسيد وأن تقبل المرأة وضعيتها كتابعة أو كعبدة بدعوى «أنّ الدّين نصّ على ذلك» أو أنّ «نواميس الطبيعة أرادت ذلك» أو أنّ «العادات والتقاليد سطّرت ذلك». أمّا رفض المساواة بدعوى أنها شكلية في مجتمعنا فهو أيضا مغالطة كبرى. فحين تكون المساواة شكلية، وهي كذلك في مجتمعنا، فإنّ المطروح ليس نفيها والارتداد عنها وإنما العمل على تحويلها إلى مساواة فعلية بتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تسمح بذلك. وهو المعنى الذي نعطيه لشعار «المساواة التامة والفعلية» حتى لا تبقى قانونية، شكلية وتتحول إلى واقع ملموس.
أمّا بخصوص ما أتاه قيس سعيد هذه السنة هروبا من الخوض في مسألة المساواة ونقصد كلامه عن «الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحات» فهو من قبيل المغالطة أيضا. إنّه نفس الأسلوب الذي اعتمدته حركة النهضة والمحافظون لرفض المساواة التامة في الحقوق من خلال التظاهر بالدفاع عن النساء الكادحات والشعبيات والإيهام بأنهن غير معنيات خاصة بالحقوق المدنية التي تقدم على أنها حقوق لا تعني سوى «البورجوازيات». ومن هذا المنطلق فهم يحاولون إقامة جدار سميك بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة والحقوق المدنية والسياسية من جهة ثانية. إنّ حقوق النساء لا مفاضلة بينها وهي كل لا يتجزأ، بل كلّ مترابط يكمّل بعضها بعضا. إنّ المرأة التي لا حقوق مدنية وسياسية لها لا يمكن أن تكون لها حقوق اقتصادية واجتماعية تامة وفعلية والعكس بالعكس. إنّ المرأة إمّا حرة وإمّا لا. لا توجد نصف حرية ونصف حقوق في الحياة بل حرية وحقوق كاملة أو لا تكون.
هذا من جهة. ومن جهة ثانية كيف يمكن لقيس سعيد أن يدافع عن حقوق النساء الاقتصادية والاجتماعية وهو لا يعارض النمط الاقتصادي النيوليبرالي المتوحش القائم حاليا الذي لا تجني منه النساء غير الفقر والبؤس والتهميش؟ إنّ صراع سعيد مع حركة النهضة كان منذ انطلاقه صراعا حول الحكم وحول الصلاحيات صلب نفس المنظومة ولم يكن صراعا حول الاختيارات الطبقية الجوهرية المعادية للشعب والوطن التي لا يختلفان فيها. ولو كان الأمر غير ذلك فلماذا لم يتقدم قيس سعيد منذ وصوله إلى الرئاسة عام 2019 بأيّ مشروع قانون لصالح النساء الكادحات اللواتي فقد العشرات منهن حياتهن في حوادث مؤلمة لتحسين ظروف عملهن وعيشهن ونقلهن ولحمايتهن وحماية النساء جميعا من العنف الذي تضاعف سبع أو ثماني مرات بسبب جائحة كورونا؟ ولئن تذرّع قيس سعيد بالأمس بكونه لا يملك السلطات الكافية للقيام بذلك فها هو اليوم في وضعية الحاكم الفرد، المطلق، الذي يجمع كل السلطات بين يديه فما الذي منعه يوم 13 أوت من اتخاذ إجراءات ملموسة لفائدتهن؟ كل هذا يبيّن أنّ كلام قيس سعيد عن حقوق النساء الاقتصادية والاجتماعية هو مجرد جملة شعبوية للغش والمغالطة وإخفاء حقيقة موقفه من قضية المساواة.
إنّ الشعبوية اليمينية محافظة. وهي تعادي الحريات. ولا تقبل بالمساواة. وها إننا عشنا ونعيش منذ 25 جويلية بعضا من «تباشيرها» في شكل اعتداء على الحريات الفردية لعامة الناس وأحيانا لفئات ومهن بأسرها (تحجير السفر على القضاة والمحامين والإعلاميين والنواب السابقين والحاليين وإطارات الدولة وأصحاب المؤسسات الخ...) خارج القانون وخارج الهياكل القضائية وحملات تشويه وتشهير وهتك أعراض وتهديد هابطة ومقرفة عبر الشبكة الاجتماعية تدل على طابع أصحابها الفاشستي. وهي حملات لا صلة له بمقاومة جدية وشاملة وعميقة ومسؤولة للفساد ولهدر ثروات الوطن والشعب ولما ارتكبته منظومة الحكم وعلى رأسها حركة النهضة من جرائم خلال العشرية الأخيرة. يضاف إلى ذلك أن مصير بلادنا يطبخ في الخارج، إقليميا ودوليا، في إطار تغييب كامل للشعب التونسي وقواه الحية وتجاهل تام للإعلام والإعلاميين المحليين الذين أصبح العديد منهم ينتظر ما يرشح من أخبار عن وفد أجنبي يقابل سعيد أو عن بعض العواصم الأجنبية الخ... وإذا كانت هذه هي «التباشير الأولى» فكيف سيكون الأمر إذا استمر الوضع الاستثنائي أو تحولت الشعبوية إلى نظام حكم رسمي ودائم؟
إنّ الشعبوية، وإن انتعشت نتيجة أزمة خانقة وتعفن خطير للوضع، لا يحتاجها الشعب ولا النساء والشباب والمثقفون والمبدعون لتحقيق أحلامهم التي تتاجر بها هذه الشعبوية، وإنما تحتاجها الفئات الرجعية من المجتمع وسندها الخارجي لإنقاذ نظامها من ثورة الشعب، عبر حكم فردي، مستبد بعد أن فشل حكمها عبر ديمقراطية تمثيلية فاسدة ومتعفنة. إنّ مصلحة العمال والكادحين والفقراء وعموم النساء والشباب تكمن في الإطاحة بالمنظومة بجناحيها والتحرر من قاعدتها الاقتصادية والاجتماعية ووضع أسس نظام جديد، وطني وديمقراطي وشعبي. وما من شك في أنّ السير في هذا الطريق صعب وشائك ولكن مختلف التجارب التي عاشها شعبنا تؤكد أنه الطريق السليم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115