ويرى مراقبون ان تزامن الفوضى السياسية في ليبيا خلال هذه الفترة مع بروز دور كبير للميليشيات المسلحة باختلاف ولاءاتها ، ستزيد من التحديات المحدقة بالبلاد خصوصا وان حكومة الوحدة اللّيبية مافتئت- منذ ان تمّ الإعلان عن تشكيلها يوم 17 ديسمبر2015- تواجه تحدّيات الدّاخل والخارج ممّا حال دون نجاحها في تفعيل دورها في إدارة شؤون ليبيا وتجاوز الخلافات السياسية.
وتعي حكومة فايز السراج أنّ العراقيل والصعوبات التي تواجهها في سيرها نحو إعادة الاستقرار إلى البلاد تزايدت منذ استلام مهامها ،إلاّ انّ استمرار الخلافات وعودة بذور الصراع إلى الواجهة ،علاوة على استمرار ازدواجية السلطة في ليبيا ،كل ذلك وضعها في وضع صعب يفرض عليها ضرورة تجاوز هذه المرحلة الحرجة .
وبعد الإقالات التي حصلت في عدة وزارات واستمرار الخلافات بين الشرق والغرب يرى مراقبون أن حكومة السراج مازالت تعاني من صعوبات في الاستقرار، مما يجعل الحديث عن فترة انتقال سياسي جاد في ليبيا أمرا صعبا في الوقت الحالي . وفي هذا السياق قال المحلل السياسي الليبي عيسى عبد القيوم لـ»المغرب» أنّ حكومة السراج تواجه معضلتين كبيرتين الأولى تتمثل في وجود نص صريح وواضح ضمن الاتفاق السياسي يؤكد على انه لا شرعية لها حتى تعتمد من البرلمان ،وهي خطوة تتطلب نصابا كبيرا لا يمكنها الحصول عليه بسهولة، والثانية رفض غالبية مدن الشرق الليبي لحكومة السراج وإبداء عدم ارتياح لها على خلفية ‘شرعنتها’ لمليشيات بعضها مُتهم بدعم الإرهاب في بنغازي وهو ما انعكس على تراجع حماسة المجتمع الدولي حيال تأييد الحكومة وفق تعبيره .
الميليشات وتأثيرها في المشهد الليبي
وعن دور الميليشيات في ليبيا و خارطة توزعها في ليبيا وتأثيرها في المشهد الأمني الليبي والحرب ضد الإرهاب ، أجاب محدّثنا انّ الميليشيات بشكل عام تتكدس في مدن غرب ليبيا ،أكثرها عددا وتسليحا يتبع مدينة مصراتة وأخرى تتبع مدينة طرابلس ثم الزاوية . وأشار عبد القيوم إلى أن جميعها تمتلك مقار بالعاصمة وشكلت تحالفا تحت مسمى «فجر ليبيا» ، مضيفا انها متهمة بالانقلاب على المسار الديمقراطي والسيطرة على العاصمة بالقوة وكذلك متهمة بانتهاك حقوق الإنسان ،وآخر انتهاكاتها قتل 12 سجينا محسوبا على نظام القذافي بعد ان برأتهم المحكمة على حد قوله.
واكّد عبد القيوم أن «بعد فترة من الوفاق غير المعلن حدث الافتراق بين هذه المليشيات و»داعش» في سرت ،وبدأ بعض هذه المليشيات التابعة لمصراته تحديدا بمقاتلة «داعش» ،. اما بالنسبة للمساهمة في امن العاصمة فهناك انقسام بين المليشيات فبعضها أعلن ولاءه لحكومة الوفاق وبعضها يرفضها ، وهو ما جعل امن المواطن يأتي في المرتبة الثانية على قائمة اهتمام المليشيات حيث الأولوية تامين المقرات ومناطق النفوذ».
ويعتبر متابعون للشأن الليبي أنّ أصل الخلاف لا يقف عند دور الميليشيات وولاءاتها بل يتعداها ليصل إلى دور أشخاص ، خصوصا دور خليفة حفتر والعلاقة ‹العدائية› بينه وبين المجلس الرئاسي ، في هذا السياق قال عيسى عبد القيوم ان الفريق حفتر لم يعد الضابط المعزول عسكريا وسياسيا هو وجنوده كما كان الوضع ايام المؤتمر الوطني .، مضيفا انه اليوم يعيش وسط بيئة حاضنة كبيرة وقوية تتمثل في قبائل برقة وسكان مدينة بنغازي ، وكذلك بات يحظى بشرعية قانونية بعد تكليفه من البرلمان قبل سنتين واعتماده بشكل قانوني صادر عن الشرعية الوحيدة والمعترف بها دوليا أي البرلمان .
واكد محدّثنا « «الفريق حفتر بات اليوم يمتلك جيشا له خبرة جيدة ويسيطر على 4 قواعد للسلاح الجوي، وبات جنوده يقاتلون على رقعة تمتد من درنة شرقا وحتى مشارف سرت غربا .. وهذه المقومات جعلت من الجيش الوطني قوة حقيقية بات لها تأثير واضح على الملف السياسي عبر مواقف البرلمان «
وتابع محدثنا ‹لا اعتقد أن المطلوب هو دور للفريق حفتر فقط ، بل الأمر مرتبط بالمؤسسة العسكرية ككل، وأيضا بوجود شخصيات مليشياوية مرفوضة من الجيش ومن الشارع البنغازي والبحث في ملف المركزية الذي يعتبر أساس الصراع ، أي توزيع السلطة ومؤسساتها بشكل أفقي وكذلك توزيع الثروة ومؤسساتها بشكل أفقي، وقد لا أكون مبالغا إذا قلت أن النقاط الأخيرة هي ابرز أسباب تعثر الاتفاق لما شابها من غموض رفضه الشارع في المنطقة الشرقية التي عانت من التهميش رغم وجود منابع النفط بها».
وعن احتياجات المشهد السياسي في ليبيا أجاب محدّثنا أنّ بلاده تحتاج إلى الكثير من الخطوات الكبيرة ، منها الاتفاق على فصل ملف الحرب على الإرهاب عن ملف العمل السياسي ، بالإضافة إلى جولة جديدة من التواصل مع دول الجوار من اجل ضمان تفهمها لواقع الخارطة السياسية من اجل ضمان تعاطي ايجابي معها ،والعودة للمسودة الرابعة فقط دون الأحكام الإضافية التي تسببت في غلق المسار .