هذه القمة لتحديد الموقف العربي من القرار الجائر الّذي أعلنت من خلاله أمريكا «القدس» عاصمة للكيان الصهيوني. ورغم ان القمة جاءت بعد تعهّد الرئيس التّركي رجب طيب اردوغان بعقدها في حال اعلن ترامب ‘’القدس’’ عاصمة لـ»اسرائيل’’ للرد على القرار الامريكي ، إلاّ ان متابعين للشأن العربي يرون ان سقف التوقعات قد يقلّ خاصة مع وجود انباء حول غياب بعض القادة العرب وهم بالتحديد قادة بعض الدول الخليجية على غرار السعودية والإمارات.
يذكر أن منظمة التعاون الإسلامي هي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، حيث تضم في عضويتها سبعًا وخمسين دولة موزعة على أربع قارات. وقد أُنشئت المنظمة بقرار صادر عن القمة التاريخية التي عُقدت في الرباط بالمملكة المغربية 25 سبتمبر 1969 ردًا على جريمة إحراق المسجد الأقصى في القدس المحتلة. وباعتبار تركيا الرئيس الدوري للمنظمة حاليا ، فقد دعا اردوغان الى عقد قمة طارئة لبحث تداعيات الخطوة الامريكية وأيضا التصعيد الاسرائيلي في الاراضي المحتلة .
وبدأ امس توافد قادة الدول إلى إسطنبول للمشاركة في القمة الإسلامية ،ووصل إلى إسطنبول كل من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس الأذري إلهام علييف، والرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، ورئيس الوزراء الطاجيكي قاهر رسول زاده. وينتظر وصول كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، والرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذين أفادت الوكالات الرسمية في دولهم إنهم توجهوا بالفعل إلى تركيا.
ويشارك في القمة 16 زعيما، على مستوى رؤساء أو ملوك أو أمراء من أفغانستان وأذربيجان وبنغلاديش واندونيسيا وفلسطين وغينيا وإيران وقطر والكويت وليبيا ولبنان والصومال والسودان وتوغو والأردن، واليمن، فضلا عن الرئيس التركي.كما ستكون هناك مشاركة على مستوى رؤساء الوزراء من جيبوتي وماليزيا وباكستان، وعلى مستويات مختلفة من دول أخرى. ويشارك في القمة أيضا، رئيس جمهورية شمال قبرص التركية مصطفى أقينجي، بصفتها دولة مراقبة، فضلا عن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي تحل بلاده ضيفة على القمة.
ويعوّل الفلسطينيون والعرب بصفة عامة على هذه القمة الطارئة للرد على القرار الامريكي الاخير ، كما يؤكّد متابعون ضرورة اتحاد الدول الاسلامية المشاركة في القمة الطارئة واتخاذ اجراء ملموس لإعادة القضية الفلسطينية الى الصف الاول من اهتمامات الرأي العام العربي والدولي ايضا . اذ يؤكد متابعون ان الفرصة باتت سانحة اليوم للخروج بالقضية الفلسطينية من دائرة التّأييد الشّفهي الى دائرة التأييد الفعلي الملموس من قبل الدّول العربيّة المعنية.
صراع متعدّد الجبهات
قال الكاتب والأكاديمي المتخصص في اليهودية والصهيونية والباحث في الفكر الاسلامي المعاصر د. جبر الهلول لـ«المغرب» أنّ قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس المحتلة الذي اعلنه الرئيس الامريكي دونالد ترامب مؤخرا ، قد تم اتخاذه في 1995 من قبل الكونغرس الأمريكي، غير أن الرؤساء الأمريكيين كانوا يؤجّلون تنفيذ هذا القرار الى فترات لاحقة إلى أن جاء الرئيس الأمريكي ترامب ليعلن بدء تنفيذه بعد 22 عاما على اتخاذه.
وتابع الهلول ان اتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت يطرح تساؤلات حول البعد الديني في هذا القرار أولًا وتنفيذه ثانيًا، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك بالنسبة إلى «إسرائيل» وتقاطع المصالح والأهداف الدينية والسياسية بينهما.أما عن موقف جامعة الدول العربية من القضية الفلسطينية ومدينة القدس على وجه الخصوص، فقال محدثنا ان موقفها كان يثير الكثير من التساؤلات لأن غالبية قراراتها كرد فعل لم تغير من الواقع المفروض وإنما تعبر عن حالة الضعف التي تعاني منها المنظومة العربية في مواجهة المشروع الصهيوني.
وتابع «مثلا قد جاءت قرارات مؤتمر القمة العربي السادس في الجزائر 26 - 28 /11 /1973 بعد قيام حرب اكتوبر 1973 تثبت تنازل العرب عن كل فلسطين واقتصار مطالبهم على الأراضي التي احتلت بعد حرب 1967، ومما جاء في هذه القمة (القرار 46/د6/-28 /11 /1973) فيما يتعلق بالقدس’’ تحرير مدينة القدس العربية، وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بسيادة العرب الكاملة على المدينة المقدسة’’.
واكد محدثنا ان ّ «تحرير مدينة القدس العربية والسيادة عليها يعني ضمنا هناك مدينة قدس غير عربية أي «إسرائيلية» وبالتالي أصبح المجال مفتوحاً للتنازل حتى عن أجزاء من الأراضي التي احتلت بعد 1967، وبذلك كان القرار منسجماً مع المفهوم «الإسرائيلي» للقرار 242 من «أراضٍ احتلت» ،وبناء على المواقف السابقة لجامعة الدول العربية فلن يتوقع منها اليوم غير رد الفعل والمطالبة بتقسيم مدينة القدس».
وعن مسار القضية الفلسطينية بعد هذه التطورات ، اجاب محدثنا ان الأقوياء يفرضون تصوّراتهم للحل وينفذونها، مضيفا أن الشرق الأوسط الجديد وفق كتاب شمعون بيرس الذي انطلق من خلاله إلى غزة وأريحا أولا عام 1993 ستكتمل مراحله في المنطقة كلها بدءا من فلسطين ،والقرار المتعلق بمدينة القدس المحتلة هو جزء مهم من تلك المراحل لبناء الشرق الأوسط الجديد. وأضاف الكاتب جبر الهلول أن الصراع حول مدينة القدس في الديانات الثلاث هو صراع ذو بعد ديني خلاصي وأن الحراك السياسي اليوم لا ينفصل عن ذلك البعد الديني.