سبر الأراء لنوايا التصويت في مختلف (الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية) لشهر نوفمبر 2017 الذي تنجزه مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» قد جاء هذه المرة بالجديد إذ حقق الرئيس السابق المنصف المرزوقي تقدما لافتا خلال شهر واحد انتقل فيه من %11.8 من نوايا التصويت إلى %15.5 مزيحا في نفس الوقت من المرتبة الثانية رئيس الحكومة يوسف الشاهد ليتكون لنا ثنائي 2014 (قائد السبسي/ المرزوقي) من جديد..
ما سوى ذلك لا جديد يكاد يذكر : نسبة عزوف ،مقررة أو مفترضة،قوية ونفس موازين القوى الموروثة من سنة 2014 مع تقدم طفيف لحزب حراك تونس الإرادة الذي أصبح يتنافس على المركز الخامس مع حزب آفاق تونس
نسجل مرة أخرى ارتفاع نسبة العزوف عن التصويت التي تقارب %70 في الانتخابات البلدية (%69.2) وهذه النسبة مركبة في الحقيقة بين من يعبر بوضوح عن مقاطعته للتصويت (%30.2) وبين من لا يعرف هل سيصوت أم لا ولمن سيصوت إن صوت (%37) مع %2 يرفضون الإجابة عن هذا السؤال بما يدل بأننا عندما نقترب من موعد الانتخابات ويتوضح العرض السياسي في كل دائرة قد تتراجع نسبة العزوف هذه بصفة هامة..
ومرة أخرى كذلك يتبين أن انتخابات القرب (البلدية) هي الأبعد عن ذهن الناس إذ تتقلص نسبة العزوف من %69.2 في البلدية إلى %55 في التشريعية وتنزل إلى ما دون النصف بكثير (%42.7) في الرئاسية..
وهذه المعادلة ليست خاصة بتونس بل هي الصفة الأبرز في جل ديمقراطيات العالم : فالانتخابات العامة ولاسيما الرئاسية منها هي أكثر الانتخابات جاذبية للمواطنين أي وكأن هنالك استبطانا بأن وحدها السلطة المركزية قادرة على تغيير المعطيات الأساسية لحياة الأفراد بينما يبقى تأثير السلطة المحلية محدودا..
عندما نقف عند نسب العزوف بالنسبة لنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية نلاحظ انه لا توجد فروق كبيرة بين الجنسين ولا حتى بين مختلف المستويات الاجتماعية والمعرفية أو بين الجهات والشرائح العمرية..
ولكن مع هذا نلاحظ أن سكان الشريط الساحلي من تونس إلى صفاقس هم نسبيا أقل عزوفا من غيرهم ،كما أن الشباب يبدي اهتماما لافتا بهذه الانتخابات على عكس الانتخابات البلدية مثلا وكذا الأمر عند الطبقة المرفهة وعند أصحاب مستوى التعليم العالي بينما العزوف هو الأقصى في الطبقات الشعبية وعند الأميين ولكن كما أسلفنا الفوارق ليست كبيرة بما يفيد أننا في وضعية الانتخابات الرئاسية سنشاهد مشاركة متقاربة لجل الفئات والجهات والطبقات وكذلك عند الجنسين ومختلف المستويات المعرفية.
الانتخابات البلدية : تراجع طفيف للنداء
تواصل منظومة 2014 السيطرة على نوايا التصويت في الانتخابات البلدية فالنداء دائما في الطليعة (%33.6) متبوعا بالنهضة (%28.7) ثم نجد بعيدا عنهما الجبهة الشعبية (%6.9) فالتيار الديمقراطي (%4.8) ثم حركة آفاق تونس (%3.2)..
الملاحظة الوحيدة اللافتة هي التراجع النسبي لنداء تونس بأربع نقاط خلال شهر واحد بينما بقيت النهضة في نفس المستوى..
في الصف الثاني من السباق تتراجع الجبهة الشعبية بنقطة بينما تكسب آفاق تونس نقطة..
نذكر مرة أخرى بأننا لا نقدم أية مقترحات في مختلف عمليات سبر آراء نوايا التصويت وأن العينة التي نعتمد عليها مهمة جدّا (8638 شخصا) وهي ممثلة لكل بلديات الجمهورية الـ350 بما يعطينا صورة دقيقة عن التوازنات السياسية الحالية.
عندما ندقق في نوايا التصويت بالنسبة للنداء وللنهضة نرى أنهما قد حافظا على نفس المكونات السوسيولوجية بالنسبة لقاعدتيهما الانتخابيتين فنقاط قوة النداء ،جهويا،هي الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) وكل الولايات الشمالية ونضيف إليها ولايات الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقيروان) بينما يحقق النداء نتائج ضعيفة في الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) وكذلك في صفاقس وبصفة اقل في ولايات الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي).
مقابل ذلك نجد أن نقاط قوة النهضة – تكمن بالضبط في نقاط ضعف نداء أي كل ولايات الجنوب وخاصة في الجنوب الشرقي وفي صفاقس ،وتبقى نتائجه دون معدله الوطني في الجهات الأخرى دون أن يسجل نتيجة كارثية فهو لا يكاد ينزل تحت %25 في مختلف جهات البلاد..وهذا لا يعني بالطبع عدم وجود نقاط ضعف أكبر على مستوى عدة دوائر بلدية ولكن ذلك يتطلب عمليات سبر آراء مخصوصة لكل دائرة على حدة.
التغير الهام الوحيد في سوسيولوجيا القاعدة الانتخابية للنداء هو التراجع النسبي للتصويت النسائي أما من الناحية الاجتماعية فالقاعدة الندائية متوازنة نسبيا مقابل حضور لافت للنهضة في الطبقات الوسطى (العليا والسفلى) وحضور متواضع عند طرفي المشهد الاجتماعي اي في الطبقة المرفهة وفي الطبقة الشعبية..
على المستوى الجيلي يتفوق النداء في كل الشرائح العمرية وخاصة عند من هم فوق 60 سنة إذ يحقق هنا أكثر من %40 من نوايا التصويت بينما تنزل هذه النسبة إلى %30 عند صغار الكهول (30-44 سنة)
أما التصويت النهضاوي فهو متوازن جيليا مع تقدم واضح عند الكهول (45-59) إذ تحقق الحركة الإسلامية في هذه الشريحة أعلى نسبها (%31)..
في المستويات المعرفية القصوى (الأميون وذوو مستوى التعليم العالي ) النداء والنهضة متقاربان جدّا ولكن النداء يحدث الفارق في المستويات المعرفية الوسطى وخاصة في فئة مستوى التعليم الثانوي
في التشريعية : تقدم للجبهة والحراك
لا جديد يذكر في نوايا التصويت في التشريعية فالنداء يتراجع نسبيا خلال هذا الشهر ولكن بنقطتين ونصف فقط ويبقى محافظا على أسبقية مريحة على حركة النهضة (%35 مقابل %27.1)..
تشمل التغيرات الصف الثاني من المنافسة الانتخابية أي الأحزاب التي تتنافس على المقاعد الثالث والرابع والخامس ،فالجبهة الشعبية تربح نقطة في شهر وتقترب من عتبة %10 (%9.2 تحديدا) ونفس الأمر بالنسبة للتيار الديمقراطي في المركز الرابع دوما بـ%6.0 من نوايا التصويت .
أما الجديد فهو صعود حراك تونس الإرادة إلى المرتبة الخامسة ب%3.4 متقدما بفارق بسيط على آفاق تونس (%3.3)
ويجدر أن نلاحظ ونحن على بعد أشهر معدودات (نظريا على الأقل) من الانتخابات البلدية أن كل الأحزاب الجديدة (كالمشروع والبديل ..) لم تتمكن إلى حد الآن حتى من اللعب في هذا الصف الثاني بل يبدو وكأنها لم تبدأ السباق بعد..
الرئاسية : الصعود القوي للمرزوقي
الجديد الجديد في نوايا التصويت لشهر نوفمبر هو العودة القوية للمنصف المرزوقي في سباق الرئاسية إذ حسن نتائجه خلال شهر واحد بحوالي الثلث منتقلا من %10.4 في سبتمبر إلى %11.8 في أكتوبر ثم %15.5 في نوفمبر متجاوزا بذلك يوسف الشاهد الذي ما انفك يتراجع من شهر إلى آخر فبعد أن اقترب من عتبة %20 في الصائفة نراه الآن في حدود %10.4 في حين يبقى الباجي قائد السبسي متصدرا هذا الترتيب وبنفس النسبة تقريبا على امتداد كل هذه الأشهر (%21.5 في نوفمبر 2017)..
عندما نتمعن في طبيعة نوايا التصويت للمنصف المرزوقي نرى أننا في نفس السوسيولوجيا الانتخابية لحركة النهضة مع بعض الفوارق..
نوايا التصويت للرئيس السابق مرتفعة جدّا في كل ولايات الجنوب وخاصة في الجنوب الشرقي وهي الجهة الوحيدة التي يتفوق فيها على الباجي قائد السبسي (%22.9 مقابل %18.6)..
ولكن على عكس حركة النهضة فالمرزوقي يتفوق على الباجي قائد السبسي في نوايا التصويت للطبقة المرفهة وينافسه إلى حدّ ما عند فئة الشباب (18 -29 سنة) وكذلك بالنسبة لأصحاب المستوى الجامعي ..
والغريب هنا حقا هو ان القواعد النهضوية التي تصوت للحركة الإسلامية في البلديات والتشريعية لا تصوت لزعماء هذا الحزب في الرئاسية فراشد الغنوشي لا يحصل إلا على %1.8 من نوايا التصويت وهذا يؤكد مرة أخرى أن هنالك بونا شاسعا بين القاعدة الانتخابية النهضوية والخط السياسي لقيادة الحركة..
وهذه مسالة تحتاج الى تحليل معمق ليس هذا مجاله ولكن نقول فقط بأن خطاب المرزوقي يمثل اكثر بكثير من خطاب الغنوشي الأفكار السياسية للقواعد النهضوية ولكن هذه القواعد ليست مستعدة للتصويت لحزب غير حزبها ..فهو تصوت للنهضة عندما تكون منافسة بين الاحزاب وتراهن اكثر على المرزوقي أو بدرجة اقل سامية عبو ومحمد عبو عندما يكون التنافس بين الأفراد..
وما قد يفسر التطور الكبير في نوايا التصويت للمرزوقي هو تحركاته الأخيرة في عدة مدن من الجمهورية إذ بدا من جديد في ثوب المنافس القوي للباجي قائد السبسي ..
من جهة أخرى حافظ رئيس الجمهورية على الريادة دون أن يحدث فارقا نهائيا فهو بالكاد يتجاوز عتبة %20 ولكنه يبقى عند جزء من الناخبين أهم متراهن على هذا المنصب لو حصلت انتخابات رئاسية اليوم ..
الخاسر الأكبر هو بلا شك صاحب القصبة يوسف الشاهد الذي تقهقر إلى المرتبة الثالثة ومبتعدا بأكثر من خمس نقاط عن صاحب المرتبة الثانية .. ولعل هذه النتيجة تعود إلى رغبة رئيس الحكومة في الابتعاد نسبيا عن دائرة الأضواء وقبوله بترك المبادرة السياسية عند صاحب قرطاج..
بعد هذا الثالوث يأتي ثالوث آخر متكون من الصافي سعيد (%7.7) وحمة الهمامي (%6.7) والمهدي جمعة (%3.8) ولقد حقق هذا الأخير بعض التقدم ولكنه مازال بعيدا جدا عن ثلاثي الطليعة..
هذه صورة وقتية عن موازين القوى الحالية كما يعبر عنها التونسيون وهذه الصورة رغم عوامل الاستقرار فيها أيضا عوامل تحول نراهن على أنها ستبرز بشكل أوضح مع اقترابنا من الاستحقاقات الانتخابية الفعلية ..فما كل نية تصويت تتحول غدا إلى ورقة في صندوق الاقتراع .
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي
مكونة من 8638 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية،الولاية الوسط الحضري أو الريفي .
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %1
تاريخ الدراسة : 30 أكتوبر 2017 إلى 16 نوفمبر 2017