وجل النقاش السياسي منحصر حول المناخات الحافة بالترشح وشروطه والرفض والطعون ووضع الحريات..
وكما تلاحظون لا شي او يكاد عن تقييم الخماسية الفارطة او عن الأفكار والتصورات لإخراج البلاد من أزماتها المتعددة والمتفاقمة..
لاشك ان نقاش المناخات مهم للغاية لكننا نخشى ان يطغى على كل شي وان يُحرم التونسيون - مرة أخرى - من نقاش حقيقي حول الحاضر والمستقبل حتى تتوفر للناخبات والناخبين يوم 6 أكتوبر المعطيات الأساسية التي تسمح ببناء اختيار حر عقلاني ترجح فيه المصلحة الوطنية باختيار الأفضل (او الاقل سوءا) لإدارة البلاد خلال عهدة خماسية قادمة.
قد يقول قائل ان النقاشات الحقيقية تبدأ في الحملة الانتخابية اي بعد ثلاثة أسابيع. في الحقيقة نحن هنا أمام شكلانية قد تهدد الجوهر إذ ان كل التركيز على الإجراءات والآجال والتراتيب - رغم أهميتها- مقابل عدم الاكتراث لجوهر العملية وهو اختيار شخص وبرنامج ورؤية لحكم البلاد بعد المقارنة والتمحيص بين مختلف العروض، على محدوديتها ونقص تمثيليتها.
وما نخشاه ان تقتصر الحملة الانتخابية على تلك الملصقات الحائطية واللافتات الاشهارية والومضات الاذاعية والتلفزية ذات الدقائق المعدودات.. وما نخشاه أيضا ان المساواة التامة في الولوج إلى وسائل الإعلام السمعية البصرية ستزيد في تفقير المشهد خاصة إذا ما رفض احد المترشحين قبول دعوة مختلف وسائل الإعلام فذلك قد يحرم بقية المترشحين من الوقت الضروري لتبيان البرامج والأفكار بحجة المساواة بين مختلف المتنافسين.
لا ينبغي أن تشغلنا الإجراءات والطعون والتراتيب وكل هذه المناخات عن الأهم والجوهري في هذه الانتخابات وهو توفير المادة الضرورية لكل التونسيات والتونسيين لبناء الاختيار الشخصي يوم الإقتراع.
نحن لا نهوّن بالمرة من المناخات والإجراءات التي حدت من هامش اختيار المواطنين والمواطنات وتركت شخصيات وتيارات هامة خارج هذا السباق، لكن وبعد آخر القرارات النهائية للمحكمة الإدارية (والتي قد تلحق بقائمة المترشحين الثلاثة مترشح/ ة أو أكثر) يصبح هذا كله وراءنا.
انه من حق التونسيات والتونسيين ان يختلفوا في تقييم هذا المسار وفي اتخاذ القرار الشخصي او الجماعي الذي يرونه ملائما لذلك لكنه من حق المترشحين ومن حق كل المواطنين ان يعرفوا وان يتعرفوا على شخصيات وافكار وبرامج من تقدموا لقيادة سفينة تونس.
هدا هو الأساسي في راينا اليوم، وقد سبق وأن اقترحنا في افتتاحية سابقة على هيئة الانتخابات، صاحبة الولاية العامة، ان تفرض على كل المترشحين مناظرات تلفزية أصبح إنجازها سهلا للغاية نظرا للعدد المحدود للمترشحين اذ بالإمكان تنظيم اثنتين: الأولى للسياسة الداخلية والخارجية والثانية للمسائل الاقتصادية والاجتماعية.. ونقول هنا تفرض هيئة الانتخابات لانه لا يحق لأي مترشح - حتى لو كان رئيسا ممارسا - ان يفرض شروطه على بقية ولا يخفى ان اعداد مثل هذه المناظرات يستوجب وقتا واتفاقات تقنية وشكلية بين كل المترشحين وأنه اذا لم تبادر هيئة الانتخابات بإجراء الاتصالات الأولية منذ الآن فقد يعسر ذلك اذا دخلنا في مرحلة الحملة الانتخابية.
لا يمكن للولاية العامة ان تقتصر على شكلانية الإجراءات دون السعي الجدي الى تحقيق التنافس النزيه.. واليوم في الديمقراطية لا تنافس نزيه دون مناظرات مباشرة.. وفي وضعية الحال تكون هذه المناظرات فرصة لتلافي ما أمكن من نقص التمثيلية ومن بعض المناخات السلبية التي حفت بهذه العملية منذ بدايتها.
مرة أخرى ننتظر تفاعل الهيئة..