الذي يَتَّصِف بجميع الصِّفات الفاضلة المَحمودة، فهو اسمٌ مُشتقٌّ من الحَمد، وهو ضدَّ الذم. ومِن المعلوم أنَّ عبد المطلب، جَدَّ الرسول، هو الذي أطلقَ عليه هذا الاسم الكريم «محمد»، بإلهامٍ من الله ليكونَ موافقًا لتسمية الله، سبحانه وتعالى، له، قَبلَ خَلق الخَلق بآلاف السنين، وليكونَ اسمُه الشريف، وصيغةُ المبالغة فيه، مطابقَيْن لكثرة خِصاله المجيدة وشَمائلهِ الحَميدَة.
2 - ومن خَصائص هذا الاسم «محمدٍ» أنَّ اللهَ، عَزَّ وجَلَّ، ضَمَّه لاسمه في الآذان، وفي شَهادة أنْ لا إلاهَ إلا الله، محمد رسول الله، وفي غيرِ ذلكَ من المَواطن الشريفة، دلالةً على مِقداره السَّامي، ومَقامِه العالي، فَمَا أشرف أن يذكرَ الله تعالى، ويُذكَرَ معه اسمُ حبيبِهِ تعظيما له وتَبجيلاً.
3 - ومِن خصائص هذا الاسم الكريم أنَّ الله تعالى لا يَقبل بِقول: لا إلاه إلا الله دونَ إتمامه بقول: مُحمد رسول الله. وسيكون لواءُ الحَمد، يومَ القيامة، بِيَد حَبيبنا، محمدٍ، صَلى الله عليه وسلم، فَهو صَاحِبُ المَقام المحمود، الذي يَحمَده فيه الأولون والآخِرُونَ. وقَد ذَكر َالله، سبحانه وتعالى، اسم «مُحَمَّدٍ»، صلى الله عليه وسلم، في القرآن الكَريم أربع مرًّات،في قَوله تعالى:
مُحمَّدٌ رسول الله والذينَ مَعَه، الفتح: 29،
وقَوله:
وما مُحمدٌ إلا رسولٌ قد خَلَت من قَبله الرسل، آل عمران: 144،
وقَوله أيضًا:
ما كانَ محمدٌ أبا أحَدٍ من رِجالكم ولكنْ رَسول الله، الأحزاب: 40.
وقوله:
...وآمَنَوا بِمَا نُزِّلَ على محمدٍ، سورة محمد: 2،.
فهو الاسم الذي خَصَّه الله تعالى بالإعادة والتكرير مقرونا بالرسالة والنبوة، ولم يَدْعُهُ به أبدًا، إذ لَم يرد في القرآن مسبوقًا بأيِّ حَرفٍ من حروف النداء، على عكس سائرِ الأنبياء الذين نُودوا بأسْمَائِهم.
4 - وتنقل كُتب السيرة النبوية أنه، عند ولادة النبيء، صَلَّى الله عليه وسلم، عَقَّ عليه جَدُّه عبدُ المطلب بكبشٍ وسَمَّى وليدَه: مُحَّمدًا. فقالوا له: يا أبا الحارث، مَا جَعلكَ لا تُسميه باسم أبائه؟ فقال: أرَدتُ أنْ يَحمَدَهُ الله في السَّمَاء، ويَحمده الناسُ في الأرض. ولقد حَقَّق الله، سبحانه وتعالى، رَجاه فصار أحمَدَ العالمين وأكثرهم حَمدًا لله. يقول الشيخ الشبرَخيتي، المالكي، في شرح الأربعين النووية: «لا أحَدَ سمِّيَ باسم مُحمدٍ قَبل حبيبنا، صلى الله عليه وسلم، ولكن عند قربِ ظهوره، صلى الله عليه وسلم، قال بعض أهل الكتاب إنَّ نبياً سَيبعث،اسمُه محمد، فسمى بَعضُ الناس أولادَهُم «مُحمدًا»، رَجاءَ أن تكونَ فيهم النبوة.ولكنَّ الله،جلَّ عُلاه، مَنعَهم من تسمية ابنه «محمدًا»، كي لا يَدَّعيَ النبوة أحدٌ. واختَلَف العلماء في عَددهم، فَقيلَ: خمسة، وقيلَ:ستة، وهنالك مَن قال إن عددهم أربَعَةَ عشر أو خمسة عشرَ. والذي اقتَصَرَ عليه الشارح الهيثمي أنهم خمسة عشرَ، كما بَيَّنَه بعض المحققين.
5 - يقول العلامة محمد بن أحمد ميارة المالكي: «وَرَدَت آثارٌ في فَضل التسمية بِمحمد، ومنها ما ذكره القاضي عياض عن شريح ابن يونس أنه قال: إنَّ لله ملائكةً سَيَّاحين يكتبون عباداتِ كلِّ دارٍ فيها أحمد ومحمدٌ، إكرامًا لسيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم» ص. 14. ورَوى ابن وَهبٍ في جامعه عن مالك: سمعت أهلَ مكة يقولون: ما من بيت فيه اسم محمد إلا ورزقوا»، وعن مالك أيضاً قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضَرَّ أن يكون أحدكم في بيته محمدان أو ثلاثة.»
6 - فَاسْمُ «مُحمد» هو أجَلُّ الأسْمَاء في القُلوب تَأثيرًا، وأعْذَبُها مَوقِعًا، وأطْيَبِها إكسيرًا، وأرقاهَا معنًى وآنَقُها تَحبيرًا، وأشْفَاها زلالاً للأرواح، تجري صَفْوًا قَواريرا، وأسْلَسُها على الألْسُنِ ذِكْرًا، وأبْلَغُها في القُلوب تَذكيرًا، فَصَلَّى الله عَليه وسَلم، بعددِ ما تَجَلَّى من قَضاءِ الله حُكْمًا وتَقْديرًا..