أوصاف القرآن

إن القرآن نور استضاء به نبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فحمل هذا النور الرباني ونقله ليضيء به العالم كله، ولا يزال الموفقون من أمته يحملون هذا النور إلى غيرهم، وهم على ذلك منذ أربعة عشر قرنا،

وسيظلون كذلك إلى ما شاء الله تعالى.

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا  (النساء: 174).
إن الله تعالى قد وصف نفسه بأنه نور اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ النور: 35 وحجابه سبحانه النور، وكلامه عز وجل نور. وما أحوج البشر الجهلاء، المتخبطين في الظلماء، إلى نور ينير لهم طريق العلياء، فيرتفعون به عن دنايا الدنيا الزائلة إلى دار الخلد والنعيم والكرامة.

إننا نتلو في هذه الأيام نورا أنار الله تعالى به بصائرنا، وفتح به على قلوبنا، فأبصرنا طريقنا، وعرفنا أن الإيمان والعمل الصالح ينفعنا، وأن الكفر والمعاصي تضرنا.

إنه نور بكل ما حواه بين دفتيه من الآيات.. نور فيما قرره من العقائد، وما فرضه من الأحكام، وقد كان الناس قبله تائهين في دياجير العقائد الفاسدة، وسراديب الأوثان البائدة، والأحكام الجائرة، فتُسعر حروب، وتفنى قبائل في ناقة عقرت، أو خيل سبقت.

وهو نور بما فيه من بيان أصل الخلق والنشأة، والمآل والمصير. فيهتدي به المؤمنون في هذه القضية التي هي أكبر قضية تؤرق الإنسان وتقلقه، ويعملون على نور من ربهم، ويوقنون بمصير البشر كلهم، بينما يتخبط غير المؤمنين في شكوك مردية، وآراء مهلكة.

وهو نور في ألفاظه وتراكيبه، وفي جمله ومعانيه، يأخذ بمجامع القلوب، وتهفو إليه الفطرة السوية، وتنجذب له أسماع أهل البيان والبلاغة ولو كانوا لا يؤمنون به، ويكذبونه ويحاربون أتباعه، كما وقع ذلك لسادة قريش.
وقد جاء في الحديث الصحيح أن الصلاة نور، والصلاة عمادها القرآن، وهو ركن من أركانها، وسنة من سننها، وأفضل الصلاة طول القنوت؛ لأنه يقرأ فيها قدر كثير من آيات القرآن.

ولما كان القرآن نورا كان من استضاء به في الدنيا رزق نورا يوم القيامة، ومن أعرض عنه تخبط في ظلمة الآخرة، عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ...» رواه الحاكم وقال: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وأهل الإعراض عن نور القرآن يحاربونه، ويسعون جهدهم لإطفائه؛ حرمانا للناس من نوره لما حرموا هم منه، ولكن الله تعالى كتب أن يبقى هذا النور إلى آخر الزمان؛ ليستضيء به من قبله وأقبل عليه  يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ  (التوبة: 32).

ويحاولون حجب هذا النور عن الناس بتشويهه، والتنفير منه؛ كقول الكفار القدماء: إنه سحر أو كهانة أو جنون أو قول بشر، وكقول كفار العصر بأنه كتاب يرسخ العنصرية والفاشية والنازية، ويدعو إلى التطرف والعنف والإرهاب. وهم يعملون له دعاية من حيث لا يشعرون، فما ينتهون من دعايتهم وأكاذيبهم إلا ويُقبل كثير ممن عاشوا في ظلمات الكفر والتيه والضياع ليروا ما في هذا الكتاب من أوصاف سيئة وصف بها، فيجدوه خلاف ما يذكره أعداؤه، ويجدوا فيه نورا يضيء قلوبهم، فيدخلون في دين الله تعالى أفواجا. والقرآن غالب بنوره ظلمات الكفر والنفاق والجهل والهوى.

وكان المشركون الأوائل يشوشون عليه لئلا يسمعه الآخرون حتى لا يتأثروا به، ولكن نور القرآن غلب ظلمات جهلهم وشركهم وأهوائهم، فانتشر نوره في الآفاق رغم أنوفهم  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون  (فصلت: 26 ). قَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِذَا قَرَأَ مُحَمَّدٌ فَصِيحُوا فِي وَجْهِهِ حَتَّى لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ. فهلك أبو جهل بظلمات شركه وجهله، وبقي نور القرآن مشعا في الأرض، يهدي المؤمنين للتي هي أقوم.

وواعجبا ممن يعرضون عن نور الله تعالى وييممون وجوههم شطر نظريات الشرق والغرب فيما يسمى بالعلوم الإنسانية، ودخائل النفس البشرية، وعلوم الاجتماع والحضارة، وتاريخ الأديان والثقافة، فيعارضون بها ما جاء به النور المبين!! يا للخيبة والخسران.

وقد وُصف القرآن بأنه نور مبين، أي: واضح ظاهر لا خفاء فيه ولا غموض، ولا يحتاج في بلوغه إلى تعالم المثقفين، وتقعر المتكلمين، وتكلف المتعلمين، وفلسفة المتفلسفين. فهو نور مبين يدرك نوره الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب؛ لأن الله تعالى جعله حجة على خلقه، ولا بد في الحجة من الوضوح والظهور، وإذا كان ذلك كذلك فلا عجب أن يتأثر بآياته، ويقتبس من نوره، أميو القرى، وأعراب الصحراء.

إنه نور مبين لَن يخفى إلا على من أنفت حواسهم، وفسدت مشاعرهم، وأصيبوا بعمى البصيرة، وكان عليهم غشاوة، لَا يرون معها النور الواضح المبين  وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور (النور: 40).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115