كما تحدث عن العديد من النقاط الاخرى تتطالعونها تباعا في هذا الحوار .
اتفقت مجموعة البنك الدولي وتونس على إطار شراكة إستراتيجية جديد بين 2023-2027 لو تحدثنا عن الفلسفة العامة لهذه الاستراتيجية ؟
ترتكز استراتيجيتنا في شكلها العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مسألتين وهما خلق مواطن شغل عبر تعزيز دور القطاع الخاص، ودعم الرأس المال البشري. وعلى اعتبار ان النمو الديمغرافي في المنطقة خلال 25 أو 30 سنة القادمة سينتج نحو 300 مليون شاب يطالب بالشغل، والكل يعرف ان القطاع العام لا يمكن ان يوفر الشغل لهذا العدد لا من حيث طاقة الاستيعاب ولا من حيث القدرة المالية، واذا ما نظرنا الى هذا العدد الكبير من الشباب من طالبي الشغل، سنلاحظ انها فرصة كبيرة للمنطقة يجب الاستفادة منها خاصة في تونس من خلال منح هؤولاء الشباب الامكانيات والفرصة ليصبحوا عناصر فاعلة ومن أصحاب المبادرات.
هذا التوجه في الحقيقة ليس توجها جديدا لكننا هذه المرة اشتغلنا عليه باكثر تأكيد اذ أن هذه الاستراتيجية ترتكز كما بينا اولا على دعم القطاع الخاص من خلال توفير الفرص والعمل مع الحكومة على مسائل مثل التراخيص والعدالة التجارية وتحديد اسباب خنق الاقتصاد مع اكتفاء الدولة بدور التأطير، فالدولة الريادية لم تنجح أبدًا على اعتبار انها اذا دخلت مرحلة الانتاج ستتداخل عدة عوامل خارجية مثل السياسة وتسلط على المؤسسة ضغوطات تضعف من ادائها وهو الشيء الذي اثبته التاريخ . وبالتالي يجب على الدولة ان تخرج من دائرة الانتاج وتقتصر على اعطاء التوجهات الكبرى وسن القوانين بالإضافة إلى فرض القواعد العامة التي تنظم العمل في القطاع الخاص حتى لا يكون متوحشا.
وفي هذا الاطار هناك العديد من المواضيع التي تحدثتا فيها منذ مدة على غرار ميناء رادس ومسألة التراخيص، الى جانب الديناميكية بين رجال الأعمال والبنوك والقدرة على التمويل ومساعدة الباعثين الشبان ودعمهم على توفير القدرة على وضع خطة عمل فاعلة تمكنهم من السير في الطريق الصحيح. من جهة أخرى على الدولة ان تراجع مسألة تمويل الميزانية باموال البنوك حيث يمكن أن ينجم عن ذلك تجفيف لتمويل للاقتصاد. كما أنّه من المفضل أن تنكب الدولة على تنظيم الاقتصاد والإشراف عليه من خلال السلطات التنظيمية وخاصة مجلس المنافسة ومنحه كل اليات العمل والتنفيذ، وهنا ناخذ مثل المغرب وسلطة المنافسة التي رفعت قضية في وقت ما ضد اتصالات المغرب (يعني قضية الدولة ضد الدولة) واستطاعت ان تصدر ضدها حكم و تغرمها بـــ 300 مليون دولار في قضية منافسة غير عادلة وتم تنفيذ الحكم وتغريمها بالمبلغ كاملا تم صرفه لاحقا في برامج اجتماعية .ورغم ان مثل هذه المبادرات والقوانين تضرب نوعا ما مصالح الدولة مع الشركاء الا ان سلطة المنافسة لم تتوان عن انفاذ القانون وهو ما يفرض مبدأ القدرة على المنافسة في السوق.
اليوم نلاحظ ان هناك اقطابا عائلية تمسك بزمام السوق في غياب المنافسة التي يخلقها تسهيل بعث المشاريع ومساعدة القطاع الخاص على التوسع ممل يفتح المجال للإبداع والابتكار وخلق القيمة المضافة وتدعيم سلاسل القيمة، فيصبح بامكان المؤسسة الانتاج والعمل في تنافسية اكثر تمكنها من الانتشار حتى خارج البلاد وبيع انتاجها باسعار اكثر تنافسية وباكثر جودة وهذا في تونس غير متوفر حاليا كما هو الشأن في عدة دول أخرى في المنطقة.
الركيزة الثانية التي تقوم عليها فلسفة الاستراتيحية هو العنصر البشري والتعليم من خلال تطوير اليات التعلم فنحن عندما تتحدث عن اقتصاد جديد وسوق شغل متحرك فنحن نحتاج الى منوال تعليم جديد يرتكز على مبدا "تعلم كيف تتعلم" او "التعلم المستمر" وهو ما يفرضه واقع الشباب اليوم الذي اصبح يعتمد على اليات جديدة تخرج من الصورة النمطية القديمة للتعليم التي كانت بالتساوي ترتكز على الحفظ واعادة السرد للمعطيات، وهو ما نعيشه اليوم في البنك الدولي فما كنت انجزه عندما دخلت البنك في البداية من عمليات لم يعد لديه أي صلة بما نعيشه اليوم في عالم متغير، فبقطع النظر عن تطوّر التكنولوجيا الرقمية، فاننا لازلنا نتعلم على مستوى الادوات المالية وتغطية المخاطر وكيفية إدارتها وبالتالي كلنا نواصل التطور، ويكفي ان ناخذ على سبيل المثال المؤسسات الكبرى مثل فايسبوك واوبر وقوقل لنرى انها عوالم تتغير بنسق سريع جدا .
هل حددتم مكان الاختناقات؟ و ما الذي يجعل هذه الاختناقات موجودة؟ ومالذي يحدد قوتها الجوهرية وقوتها النسبية؟
نحن لدينا تقارير حول هذه المواضيع اخرها تقرير حول القطاع الخاص نشره البنك الدولي منذ أشهر ولتحديد الاختناقات نقول بطريقة دبلوماسية ان وجود مثل هذه المظاهر من الاحتكار في السوق من شأنه ان يضعف ويخنق الاقتصاد الوطني وبالتالي يجب تحرير القطاع الخاص ومساعدة المؤسسات على الانتصاب للحساب الخاص .
كما ان موضوع التضخم التشريعي الذي نلاحظه في المنطقة وخاصة تونس هو عامل تقييد، فأن تصدر قانونا ويتم تمريره وترفع علامة النصر وفي الواقع هذا القانون قد يأتي متناقصا مع ما يحدث في الواقع، وفي حقيقة الأمر المستثمر لا ينتظر من الدولة فقط ان تسن قانون بل هو في حاجة بأن تزيح من أمامه المشاكل في ميناء رادس وفي الديوانة وتلغي الكم الهائل من التراخيص والاكتفاء باجراءات بسيطة يمكن تنفيذها حتى عبر الهواتف النقالة.
وفي الواقع فأن المستثمر امام كل التعقيدات الادارية والاجرائية ومطالب الرخص سيجد نفسه مجبرا أما على المغامرة أو على أن يصبح غير تنافسي باحتساب كل ما تتسبب فيه هذه الاجراءات من تكاليف اضافية في الوقت والمال.
اضافة لهذه المسائل المتعلّقة بتحسين مناخ الأعمال، نشتغل حاليا على مواضيع أخرى منها العدالة التجارية من خلال العمل على تركيز الاختصاص لتوفير مكاتب ومحاكم استئناف تجارية على غرار بعض الدول أين توجد محاكم يكون القاضي فيها مختصا، وليس نفس القاضي الذي يحكم صباحا في قضايا الطلاق، يصدر أحكامه جهرا ويمكن الإطلاع عليها ومراقبتها.
هنا أريد ان أشير انه اذا ما تم التعامل مع المستثمرين ورجال الأعمال بطريقة اكثر مرونة من خلال فتح مجال الاستثمار واعطائهم أكثر مرونة لادخال اموالهم خاصة بالعملة الصعبة فان مليارات الدولارات سيتم تحويلها وتنتفع منها البلاد من خلال ادماجهم في الدورة المالية عبر البنك المركزي. وهنا اشير الى ضرورة ترغيب المستثمرين في فتح حسابات بنكية بطريقة مبسطة وبدون اقتطاعات مجحفة وهو ما اعتبره فرصا ضائعة .
لماذا يرفض البنك المركزي مثل هذه الفرص المالية؟
لأن البنك المركزي يخشى خروج الاموال لكن هنا يجب ان ننظر للمسألة بصورة شاملة اولا من خلال توفير المناخ العام الذي يشجع أصحاب الاموال على فتح حسابات بنكية خاصة بالعملة الصعبة، وثانيا عبر سهولة التصرف فيها وبالتالي توفير مناخ الاستثمار أفضل وبالتالي الابتعاد عن عقدة الانغلاق الذاتي، و هنا أؤكد على ضرورة تشجيع المستثمرين على الاستثمار عبر فتح حسابات بنكية بآليات تشتغل بشكل منطقي.
هل ترون ان الحكومة التونسية واعية بضرورة التغيير ؟
هي فعلا واعية لكنها مترددة فهناك حديث حول عدة مسائل وقوانين واجراءات لكننا في واقع الأمر لم نر شيئا، ومن الواجب هنا اتخاذ قرارات واجراءات لمصلحة البلاد حتى لو كلف ذلك مغادرة الحكم، على الاقل يكون الوزير قدم خدمة لصالح البلاد اذ يجب في مثل هذه المواقف وضع السياسة جانبا واتخاذ قرارات عملية وبدون تردد واضاعة وقت .
ماهي انطباعاتكم حول هذه المسالة؟
نحن نرى ان الامور تسير نحو التغير ولكن ببطء شديد وشخصيا لدي انطباعات ان رئيسة الحكومة ترغب في الدفع نحو الأفضل وعكس كل التوقعات هي شخصية قوية جدا خاصة في تعاملها مع اعضاء الحكومة .
ماهي العوائق التي تمنعها من اتخاذ قرارات واجراءات اصلاحية ؟
ربما هناك عوائق ادارية أو أن بعض المسؤولين يتخوفون من المخاطر وأخذ القرارات ولكن هنا يجب تحمل المسؤولية، فان كانت قرارات صائبة فياحبذا وان لم تكن صائبة فعلى الاقل يتم كسر الحواجز و المهم هي الرغبة في التغيير والاصلاح بعيدا عن الهواجس السياسية. واذا كنا هنا بهدف اجراء الاصلاحات وجب وضع السياسة جانبا مع شجاعة في اتخاذ قرارات الاصلاح وهو عنصر مهم يجب ان يتوفر.
الى أي مدى يمكن ان يكون توصيف ،"كارتال البنوك" دقيقا وهل فعلا ينطبق على الوضع في تونس ؟
ليس بالضرورة ان يكون هذا التعبير مجازيا، فهو مصطلح قانوني يعيدنا الى الحديث حول العائلات التي تدير الاقطاب الاقتصادية في تونس امام انغلاق الدولة حول نفسها وعدم تمكين القطاع الخاص من ديناميكية ومرونة تزيد في فرص التنافسية في المشهد الاقتصادي. شخصيا أرى انه من ناحية اولى المشهد المالي في تونس هو مشهد غير معتاد امام العدد الكبير للبنوك، اذ لا أعتقد اننا في حاجة إلى 23 بنك، من ناحية أخرى هناك بعض البنوك لديها ارتباط عضوي مع الاقطاب التي نتحدث عنها اذ يكفي ان يموّل بنك شركاته الخاصة حتى تنهار التنافسية. هذا بالإضافة إلى ان اموال البنوك متأتية في أغلبها من ادخار الحرفاء والبنك لا يمكن ان يخاطر بها ويجب ان يحسن ادارتها ، دون أن ننسى الضغوطات التي تسلطها الدولة على البنوك للاقتراض منها .
وفي النهاية هي ديناميكية ليست صحية وأنا شخصيا رغم اني لا ارى الاشياء بالابيض والأسود الا أن البنوك اليوم لا تقوم على أفضل شكل بدورها الاصلي المتمثل أساسا في إدارة الاموال بهدف تمويل الاقتصاد بل على العكس من ذلك لأن البنوك اليوم تمول ميزانيّة الدولة وتتحصل على التمويلات من معدلات اعادة الخصم التي يقدمها البنك المركزي وهي ما تسمى بــ Les taux de réescompte .
في شهر فيفري موّل البنك الدولي مشروع مساندة الشركات الصغرى والمتوسطة بتونس بقيمة 120 مليون دولار. اليست لديكم تخوفات حول طريقة صرف هذه التمويلات ؟
تنفيذ هذا المشروع سيتم من خلال تمويل تسهيلات ائتمانية طويلة الأجل ستقرضها وزارة المالية للمؤسسات المالية المشاركة كي تقرضها بدورها للشركات الصغرى والمتوسطة المؤهلة. الأموال المرصودة لن تتصرف فيها البنوك المشاركة بل سيتم توظيفها في الأهداف التي وضعت من أجلها وسيقوم البنك الدولي بالمتابعة منذ البداية الى النهاية ومراقبة طريقة صرفها حسب البرنامج المطروحة وتوجيهها الى مستحقيها من الشركات حسب فئات الديون المتعلقة بذمتها وفي الخط الأول الشركات التي لا تزال قابلة للحياة والتي لا يمكن البنوك ان تمولها.
هذه التمويلات التي ستنتفع بها بعض المؤسسات هل ستكون نسبة الفائدة فيها مختلفة عن نسبة الفائدة العادية وهل سيكون هناك تخفيض؟
لن يكون هناك نسبة فائدة خاصة بل نحن سنمولهم مقابل نسبة الفائدة العادية
هل لديكم وسائل لمراقبة صرف هذه الخطوط التمويلية ؟
أكيد نحن لدينا كل وسائل المتابعة والمراقبة من خلال مكاتب التدقيق التابعة للبنك منذ اللحظة الاولى الى آخر مرحلة
فيما يتعلق بمسالة التعليم كيف تقيمون هذا الجزء من الاستراتيجيّة ؟
على مستوى البنك الدولي نشتغل منذ سنوات على تطوير برامج التعليم ونحن الآن بصدد تنفيذ برنامج مع وزارة التعليم العالي بهدف تطوير كيفية ترتيب اليات التعليم ومنح النساء فرصة أكبر للاندماح في سوق الشغل خاصة اذا ما علمنا ان ما بين 50 و60% من النساء يتخرّجن من التعليم العالي يجدن صعوبة في الاندماح في سوق الشغل .
تثبت جل التقارير الدولية أن العالم العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي يكون فيها دخول المرأة في سوق الشغل الاكثر ضعفا، كيف ترون هذه المعادلة وما هي اسبابها ؟
اعتقد أن المسالة هي اجتماعية في مرحلة اولى ثم ثقافية وقد اجرينا عملية احصائية في الاردن ومصر حول ضعف اندماج المرأة في سوق الشغل، وبينت النتائج ان أحد أهم وابرز الاسباب والعوائق الرئيسية هي مسالة النقل المشترك لأن النساء تتعرض الى التحرش والهرسلة الجسدية، وحتى إن لم تتعرضن لذلك فأن الزوج أو العائلة يرفضون ان تتعرض بناتهم الى مخاطرة النقل المشترك .
كذلك من بين الاسباب التي بينتها عملية الاحصاء هي الحضانات والرعاية بالاطفال حيث أن البعض لا يشتغلن بسبب الإلتزام بمسؤولية رعاية الاطفال وهو ما يدفعنا اليوم الى العمل على تطوير مشاريع العمل عن بعد للنساء خاصة في القطاع الخاص.
في خضم كل ما تحدثتم عنه هل ان البنك متفائل بما ستكون عليه الامور لاحقا فيما يتعلق ببرنامج الاستراتيحية الجديدة خاصة في مسالة الاستثمار في الطاقة ؟ خاصة وقد صرحتم بأن البرنامج السابق لم يكن مجديا بالشكل المطلوب اليست لديكم تخوفات من اعادة التجربة؟
لقد غيرنا استراتيجية العمل هذه المرة لاننا في المرة السابقه ركزنا كثيرا على الاصلاحات الهيكلية ومنحنا قروضا تعديلية لدعم الميزانية لم تؤدي أهدافها بالشكل المأمول، لأن التوقعات كانت متفائلة جدا وتمت برمجة العديد من المشاريع وكان سقف الانتظارات مرتفعا مع توقع دفع الاشياء نحو الأفضل وهذا لم ينجح. نحن اليوم لسنا في نفس وضعية أربعة أو خمس سنوات سابقة بل في وضعية مختلفة اليوم تتطلب اكثر شجاعة في اتخاذ القرارات.
تحدثتكم كثيرا حول المشروع، المعروف باسم "ELMED"، الذي سيربط شبكات الطاقة بين تونس وأوروبا، اين يكمن تدخل البنك في هذا المشروع وهل هناك اطراف أخرى .
شرع البنك الدولي منذ سنوات في إعداد المشروع من خلال دراسات الجدوى الاقتصادية والمالية وسنقوم الان بتمويل اشغال التهيئة الاولية والبنية التحتية وكل ما يلزم لوضع المشروع الذي سيشق كل البلاد والوطن القبلي ليصل الى ايطاليا ليربط شبكة الكهرباء الوطنية بالشبكة الاوروبية. وتدخل البنك يقف عند حدود الهوارية أي أن كل ما يتعلق بالمشروع في تونس من حيث التهيئة الاولية.
ولكي ينجح المشروع، الذي تبلغ كلفته الكلّيّة قرابة 1 مليار دولار، بالشكل المطلوب يجب فتح باب الطلب على العروض في أقرب وقت حتى يتمكن المستثمرون والمهتمون بالموضوع من مباشرة التخطيط والانطلاق في تنفيذ المشروع حتى ينجح ويكون في مستوى التوقعات والانتظارات .
متى سيدخل هذا المشروع فعليا حيز الانتاج ؟
اذا ما تمت كل المسائل وفق خارطة الطريق المحددة سيبدأ سنة 2028 ايصال الكهرباء التونسية الى ايطاليا ومن ثم أوروبا، ونحن نتحدث عن مشروع سيمكن من تطوير انتاج الطاقات المتجددة إلى حد كبير بقدرة يمكن ان تفوق 100 مرة الانتاج الحالي لتونس من الكهرباء المقدر بــ 4800 ميقاوات وهو ما يستوجب التنفيذ السريع وبالشكل الجيد لأنه ستكون هناك منافسة شديدة وهناك دول أخرى ستدخل على الخط في هذا المجال.
هل سيكون هذا المشروع بنفس حجم مشروع ربط المغرب بخط انبوب الكهرباء مع اسبانيا ونفس القيمة ؟
سيكون بشكل مختلف وبامكانيات أقل من مشروع نور بورزازات، فالمغرب لديها العديد من المشاريع في مجال الطاقة من بينها مشروع ربط من المغرب الى انقلترا وبالتالي المنافسة على اشدها وتتطلب التسريع في تنفيذ المشروع حتى ينتفع منه الجميع خاصة وانه سيوفر مواطن شغل مهمة لأنه بصراحة يجب ان ينجح هذا المشروع وتستفيد منه البلاد على أعلى قدر ويجب ان نتسلح لذلك.
أريد أن أضيف ان وزارة الطاقة وحدها لن تستطيع تنفيذ كل المشروع رغم تحمسها الشديد لذلك بل هناك اطراف أخرى متداخلة الى جانب وزارة الطاقة هناك وزارة الدفاع والتجهيز وكل المتدخلين والمختصين في تنفيذ مثل هذه المشاريع الضخمة التي تحتاجها البلاد في الوقت الراهن ويجب تكاتف كل القوى لانجاحه في الوقت المحدد لتجنب الابتزاز من الاطراف المنفذة في صورة التهاون في الاجال وعدم ضبط أهداف محددة .
كيف ستكون مراحل التنفيذ في هذا المشروع المتسلسل؟
فعلا هو مشروع مقسم ومتسلسل وتمت برمجة جميع مراحله ونحن سنعطي تعليمات واضحة للغاية وسندعم المشروع ونرافق المنفذين منذ البداية الى أن يسير المشروع في الطريق الصحيح ويجب الإعلان عن كل العروض في الفترة القليلة المقبلة.
ماهو المطلوب من الدولة التونسية في المرحلة القادمة لانجاح وتنفيذ هذا المشروع الضخم؟
يجب على الدولة التونسية في مرحلة أولى ان تسرع في طلب العروض وتنطلق في اقرب الاجال في مرحلة التنفيذ لأنها الرابح الأول من وراء هذا المشروع الذي سيمكن من توفير نحو 70 الف موطني شغل مباشر وغير مباشر.
واليوم يجب ان ندخل بجدية في مرحلة الانتقال الطاقي من خلال أنتاج الطاقات النظيفة ونحن لسنا بمعزل عن بقية دول المنطقة التي قامت بالتجربة ومن بينها الجزائر والمغرب ومصر، هذا الى جانب المصادر الجديدة للطاقة مثل الهيدروجين الأخضر.
كما يجب ان نستفيد من القرب من الاتحاد الاوروبي فاوروبا اليوم لديها ما يسمى ب European Green Deal وهو ما سينتج عنه أنه بداية من سنة 2035، لن يتمكن من دخول أوربا الا "الانتاج الاخضر"، بما يعني أن تونس يجب ان تنتفع من الفرص المتاحة المتعلقة بالاقتصاد الاخضر والقرب الجغرافي من الاتحاد الاوروبي.
سمعناكم تتحدثون انه وبقطع النظر على الاهمية الاقتصادية في حد ذاتها فأن لهذا المشروع اهمية جيوسياسية حيث سيضعنا على نفس الخط وسيجعلنا نتحالف مع الاقتصاد الاوروبي كيف ذلك ؟
جميعنا يعلم أن علاقتنا اليوم بأوروبا ترتكز على عنصرين أساسين وهما التبادلات التجارية ونشاط بعض المؤسسات الاوروبية المنتصبة في تونس ، ولكن في المقابل اذا ما تمكنا من وضع وتنفيذ هذا المشروع من خلال مد الطاقة لقارة لم تعد تعول كثيرا على روسيا في امداداتها واقتنعت بارتفاع سعر الطاقة بشكل واضح مع التوجه الى مزيد الاهتمام بالطاقات النظيفة والاقتصاد الاخضر فان بلادنا ومن خلال هذا المشروع ستكتسب قوة إضافية امام أوربا تمكنها من التحكم في انتاجها وعمليات التزويد .
عكس كل ما تعتقدونه انتم هناك من يتصور ان هذا التحالف أو التساوي على نفس الخط مع الاتحاد الاوروبي غير مجد في الوقت الحالي على اعتبار ان اروربا حاليا تعاني من نمو ضعيف فكيف ترون مستقبل هذا التمشي الاقتصادي البحت؟
لا أحد بامكانه ان ينكر بان أوروبا من اقوى الاقتصاديات في العالم وشخصيا لا ارى مخاطرة كبيرة تحيط بهذه المسالة .
هذا المشروع هو جزء من الاستراتيحية الجديدة ويبدو حسب ما تتحدثون عنه انه من أهم الركائز الأساسية في المرحلة المقبل؟
هو ليس الركيزة الأساسية في الاستراتيحية لكنه من بين أهم المشاريع لأنه مشروع شامل يجمع القطاعين العام والخاص ويوفر مواطن شغل ضخمة ويوفر عائدات مالية هامة للبلاد يمكن توظيفها في الصحة والضمان الاجتماعي أو التعليم وبصراحة هذا المشروع يمكن ان تكون له عائدات اكبر من أي عائدات قد توفرها مشاريع أخرى.
هل هناك مشاريع وبرامج ينفذها البنك في علاقة بمسألة المياه ؟
فعلا ينفذ البنك العديد من المشاريع المتعلقة بالمياه والري وهو جزء من العنصر الثالث من الاستراتيجية الجديدة والذي يهتمّ بالتغيرات المناخية. سيتم انزال هذا العنصر من خلال تنفيذ مشاريع تتعلق بالسياسات الجديدة في المياه وترشيد استخداما.
وأود أن أذكّر في هذا الصدد اننا اشتغلنا على امتداد سنوات على موضوع السدود وهي لم تكن فعلا سياسة غير مجدية لكن الوضعيّة الحالية السيئة للسدود هي التي تتطلب تكاليف باهضة و اهتماما كبيرا.