الخاصة قد لعبت مؤخرا دورا متزايدا في صراع الهيمنة على القارة السمراء وأهمها مجموعة «فاغنر» الروسية التي تثير قلقا دوليا ومخاوف أمريكية جدية بعد أن أصبحت هذه المجموعة العسكرية، المتهمة بجرائم وانتهاكات جسيمة، اللاعب الروسي الأكثر نفوذاً في أفريقيا اليوم، والتي تعتبر واشنطن والغرب أن «أنشطتها وأنشطة الشركات التي تختفي خلفها، ذات تأثير ضار على القارة».
سبق أن أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي والدول الغربية عن فرض عقوبات على مجموعة «فاغنر» الروسية وأفراد ومؤسسات مرتبطين بها بتهمة ارتكاب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان. وتسجل هذه المجموعة العسكرية الروسية الخاصة حضورها في عدد من مناطق الصراع وبؤر التوتر في العالم على غرار ليبيا و-سابقا سوريا واليوم أوكرانيا ومالي والسودان وغيرها من الدول ولطالما قوبل حضور هذه المجموعة في هذه الحروب بالمعارضة دولية والتنديد الواسع الذي طال كذلك الحكومة الروسية .
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن قوات «المرتزقة الروسية» فاغنر تم تسجيلها رسميا في روسيا كهيئة قانونية،ما يدل على التطور السريع للمجموعة التي كانت تكتنفها السرية من الناحية التقليدية وفق «رويترز».
وأدرجت فاغنر أنشطة عملها باعتبار أنه «مكتب استشارات إدارية» يوم 27 ديسمبر الماضي. ولم يتم ذكر أنشطتها شبه العسكرية، وفقا لمعلومات من التحديث الاستخباراتي اليومي للوزارة المنشور عبر موقع تويتر.
ووفق تقارير إعلاميّة تتكون مجموعة فاغنر من آلاف المقاتلين من عسكريين سابقين ومجندين لحساب الشركة الخاصّة (التي تطال الحكومة الروسية بسببها اتهامات بالضلوع في إدارتها من خلف الستار) وقد ظهرت مجموعة «فاغنر» قبل ست سنوات إلى جانب الانفصاليين في أوكرانيا، ثم شاركت في الحرب السورية، والنزاع الدائر في ليبيا وفي جمهورية أفريقيا الوسطى واليوم تلعب دورا هاما في الحرب الأوكرانية، وبدأت مؤخرا في لعب دور في مالي وعدد من الدول الإفريقية.
و تواجه الحكومة الروسية اتهامات متزايدة بدعم هذه الشركة لوجستيا بغرض بسط نفوذها في عدد من مناطق العالم دون الظهور في الصورة بشكل علني وهي اتهامات تفندها موسكو باستمرار . وتنفي روسيا ارتكاب أي مخالفات. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن المتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص لهم الحق في العمل والسعي وراء مصالحهم في أي مكان في العالم ما داموا لا ينتهكون القانون الروسي. وقال بوتين إنّ مجموعة فاغنر لا تمثل الدولة الروسية ولا تحصل على أموال منها. وفي إجراء منفصل، تبنى الاتحاد الأوروبي نظام عقوبات يتعلق بمالي، غير أنه لم يضف إليه أسماء. كانت «رويترز» قد ذكرت في سبتمبر أن المجلس العسكري الحاكم في مالي يجري محادثات بشأن نشر مجموعة فاغنر في البلاد، وهو ما تقول فرنسا إنه غير مقبول لأنها تنشر قوات في المنطقة.
وطالما حذرت البعثة الأممية في ليبيا من وجود مايفوق 21 ألفا من المقاتلين والمرتزقة في «الفاغنر» وهي قوات تابعة لشركة أمنية روسية، تقول تقارير غربية أنها تابعة لوزارة الدفاع الروسية ويندرج وجودها في ليبيا ضمن سياسة توسيع نفوذها في العالم وكثيرا ما حذرت واشنطن ودول الإتحاد الأوروبي من هذه القوات رغم نفي موسكو مرارًا لأي تورط مباشر لها في الصراع .
وفي السنوات الأخيرة بات الصراع واضحا بين روسيا وفرنسا وسط مساع من موسكو لزحزحة النفوذ الفرنسي من جمهورية افريقيا الوسطى ومالي التي كانت موالية لباريس قبل أن تتمكن مجموعة «فاغنر» الروسية القريبة من الكرملين من أخذ مكان القوى الفرنسية وتغيير موازين القوى لصالح موسكو.
تقرير ووثائق مسربة
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا، قالت فيه إن وثائق سرية مسربة حصلت عليها تكشف عن توسع شركة فاغنر في أفريقيا وسط خفوت للتأثير الأمريكي.
وبحسب الوثائق، فإن فاغنر نجحت في إنشاء «كونفدرالية» من الدول المعادية للغرب في أفريقيا، في وقت يقوم فيه مرتزقتها بإثارة عدم الاستقرار واستخدام القوى شبه العسكرية وقدرات التضليل الإعلامي لتقوية حلفاء موسكو.
وتشير الصحيفة إلى أن التوسع المتزايد لفاغنر في أفريقيا كان مصدر قلق للمخابرات الأمريكية والمسؤولين العسكريين، بشكل دفع في العام الماضي باتجاه البحث عن طرق لضرب شبكة قواعد وواجهات الشركة باستخدام العقوبات والغارات والهجمات الإلكترونية، بحسب الوثائق.
وتقدم الوثيقة عددا من الخيارات التي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها استخدامها في جهود عرقلة المجموعة، وتعطي الوثيقة معلومات للقوات الأوكرانية كي تستهدف قادة فاغنر على الأراضي الأوكرانية واستعداد حلفاء لضرب عقد فاغنر في أفريقيا.
ورغم هذا، فإن الوثائق تظهر أن جهود «سي آي إيه» و«البنتاغون» وبقية الوكالات الأمريكية لم تتسبب إلا بنكسات قليلة على عمل المجموعة خلال السنوات الست الماضية التي أوجدت لها حضورا في ثماني دول أفريقية على الأقل.
أما الضربة العسكرية الوحيدة التي تشير إليها الوثائق فهي عملية عسكرية ناجحة لم يتحمل مسؤوليتها أحد وتسببت في تدمير طائرة إمداد لوجيستي تابعة لفاغنر في ليبيا.
ولا تقدم الوثيقة معلومات حول سبب استهداف الطائرة هذه تحديدا رغم وجود أسطول من الطائرات لها في ليبيا. ويظل أنجح هجوم ضد فاغنر، تلك العملية قرب دير الزور التي قتلت فيها قوات العمليات الخاصة من دلتا ورينجر مع المقاتلين الأكراد عددا من عناصر فاغنر قرب منشأة للغاز.
وتقدم الوثائق صورة عن توسع المجموعة في أفريقيا دون قيود، في وقت تفرض فيه حرب أوكرانيا أعباء على الكرملين، ونتيجة لهذا فقد رسخت فاغنر، بحسب وثيقة أمنية و»قوضت قدرة كل بلد على قطع العلاقات بخدماتها وعرض دول الجوار لنشاطات تؤثر على استقرارها».
وتكشف الوثائق أن رئيس الشركة يفغيني بريغوجين لم يسرع من عملياته في أفريقيا خلال العام الماضي، ولكنه وسع من طموحاته وسلطاته، وغير نهجه من «الاستفادة من الفراغ الأمني إلى حلف عدم استقرار».
وقدمت وثيقة معدة لرئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مايك ميلي والمسؤولين البارزين معه، ملخصا لطموح بريغوجين و «أجندته الحازمة»، مشيرة إلى خطط لمواجهة التأثير الأمريكي والفرنسي في بوركينا فاسو وأريتريا ومالي وغينيا.
وكانت تشاد مركز عمليات القوات الفرنسية لمحاربة المتشددين، وعبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أهميتها أثناء مشاركته بجنازة الرئيس إدريس ديبي في 2021، وتظهر وثيقة أن فرنسا عبرت عن استعدادها لضرب مصالح فاغنر لو حاولت دعم انقلاب في تشاد.
ولم يرد بريغوجين على أسئلة الصحيفة حول التسريبات الجديدة، لكنه اعتبر أي إشارة لدور في زرع الفوضى في تشاد «كلاما فارغا». وقال إن عملياته في أفريقيا «شريفة ونزيهة» وإنها «للدفاع عن الشعوب الأفريقية بما فيهم المستضعفون على يد العصابات والإرهابين والجيران غير الموثوقين».
لكن خبراء يقولون إن وجود مجموعة فاغنر في أفريقيا يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. وفي هذا السياق قالت «دوتشيه فيله» أنه»بمرور الوقت، تطورت فاغنر إلى ما وراء الخدمات العسكرية الخاصة، إلى شبكة من العلاقات والشراكات مع شركات في مختلف البلدان الأفريقية». وأضاف: «إنهم يعملون في تلك المنطقة الرمادية بين الأنشطة غير القانونية إلى حد ما، ويغطون المنطقة بأكملها جيدًا».وتتابع «دوتشيه فيله» في السودان على وجه الخصوص فإن وجود مرتزقة فاغنر ليس جديداً ويظهر على مجالات متعددة. وحتى نهاية حكم الرئيس السابق عمر البشير فقد مُنحت تصاريح مناجم الذهب إلى شركة «إم- إنفيست» الروسية التي يُعتقد أنها خاضعة لسيطرة الأوليغارشي ورئيس المجموعة يفغيني بريغوجين. ومن خلال تلك الخطوة حصل مرتزقة فاغنر على مهمة تأمين مناجم شركة «إم إنفيست» في السودان.