“حجر رشيد” بمعاول معرفية ومعلوماتية غاصت في التاريخ القريب والبعيد لتقريب عدة صور للقراء من الأطفال واليافعين وغيرهم كما نحت المصريون القدامى تماثيلهم ومنحوتاتهم وقصورهم ومعابدهم .
وها هي الكاتبة ايمان سند تعود للتاريخ مستلهمة الفكرة والأحداث والاعجاز المعماري المصري الذي حير العلماء والعامة على مر العصور لتقدم نصا حول أحد أهم الأحجار التي أسالت كثيرا من الحبر فهما وتدقيقا وتحليلا وهي حجر الرشيد.
أولا تحركت الكاتبة داخل معاجم البلدان والأوطان فعن مصر ذكرت القاهرة والاسكندرية والصعيد وأبو قير وجبل المقطم وميناء بولاق وقلعة سان جوليان والأزبكية .
وهذه المدن والأماكن بصمتها أحداث أرختها وجعلت منها مدنا معروفة ذات صيت ومعروفة للقاسي والداني فهذا حجر رشيد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس أشهر معه هذه المدينة والأزبكية شاهدة بإحدى منازلها على إغتيال
“ كليبر” وأبو قير ستذكر كلما ذكرت هزيمة فرنسا على يد الأسطول الانجليزي واقتحامها بعد ذلك القاهرة التي شهدت عقد معاهدة الصلح وهذا الصعيد يقول عنه “رينيه” “ كنت في الصعيد ضمن كتيبة الجنرال ديزيه كما تعرف وقد خرجنا منذ ما يقرب من عام لتأديب مراد بك ورجاله في الصعيد” .
والمعجم الثاني هو المدن بلاد الفرنجة وما جاورها فرنسا وقع ذكر النص عدة مدن وأشهرها العاصمة باريس وبها معهدها القومي الذي سيدرس نسخ الكتابات على حجر رشيد وكانت معروفة ومحبذة لدى العديد إذ يقول النص “ فكان يقيم في باريس فهو يحب عالم المدن والأضواء حيث يتألق فيها الفنانون أمثاله” وبها أيضا مدرسة اللغات الشرقية لأن
الشرق سحر اأهل الغرب عامتهم وخاصتهم جنودا وفنانيين وغيرهم ومدينة “جرونوبل” وهذه دولة الانجليز
وعاصمتها لندن والمتحف البريطاني الشهير والجمعية الملكية وعاصمة ايطاليا روما وإحدى مدنها نابولي .
وهذه البلدان والأوطان تخوض حروبا وتستعمر دولا أخرى وتمارس أبشع أنواع القتل والتقتيل ومنها متابعة الثوار والمتمردين في مثال “ علي ابراهيم” وإعدام الطالب السوري سليمان الحلبي صحبة رفاقه الثلاث واعدام محمد كريم حاكم الاسكندرية وسرقة آثار مصر وغيرها من الدول وصراع الكبار في مثال الانجليز والفرنسيين على مصر وهزيمة الثانية بل وتتسابق هذه الأمم في العلم والمعرفة وتورد الكاتبة عرضا مسألة هامة هي علاقة العلماء
بالساسة في مثال ملك انجلترا عندما قال وهو متابع للشأن الثقافي والحضاري “ إن علماءهم أفضل من ساساتهم ولذلك يسعدني قبول هديتك أيتها اللورد ولكنني سأهديها بدوري إلى المتحف البريطاني حتى يتاح لأكبر عدد من العلماء فرصة دراسته عسانا نستطيع اللحاق بالفرنسيين”
والتسابق في معركة كشف أسرار الشرق الساحر كما رفعت رايات القتال والتمرد والنضال ضد كل من حاول استعمار وظلم أهالي مصر كالمماليك ونابليون والانجليزومن هنا تدافعت الأمم وتحاورت الحضارات وتصارعت عبر الاستعمار المباشر بل واعتبرت هذه الشعوب خارح دائرة التحضر وقدمت الكاتبة إحدى الأمثلة الدامغة وهي عدم
الاكتراث بالثروات الأثرية والتاريخية الموجودة بأرض مصر إذ قال أحدهم في حديثه عن مدينة رشيد “ أنا لا أثق في هؤلاء العمال الذين ينظرون إلى هذه الآثار على أنها مجرد تماثيل وأحجار”
وعن هذا التدافع والصراع اعتبرت الشعوب المستعمرة الغازي ناعتة إياه بالعديد من النعوت المشينة كالغزاة والرعاع وأغراب والغمة مع مقاومة شرسة واغتيالات لشخصيات عسكرية وإدارية وغيرها وتعلم اللغة نتيجة مخالطة التجار واختلاف الحضارات والثقافات ومن هنا فالغازي سيمرر ثقافته وتقاليده حتى وإن تعارضت مع عقليات الآخر والذي عادة ما يرفضها كما قال السيد محمد البواب “ لقد انتشرالفرنسيون في كل مكان وهم يحاولون نشر عاداتهم القبيحة هنا فهل نتركهم يفعلون ما يريدون ببلادنا” .
ومن جهة الغازي فقد قدم مع نابليون أكثر من 100 عالم وفنان شدهم هذا الشرق الساحر وأرادوا البقاء هناك فبنوا
التحصينات وهدموا أبواب الحارات والأزقة كي يتمكنوا من مطاردة الثوار كما وضعوا المدافع على جبل المقطم لقصف القاهرة وأهم ما فعلوه سرقة آثار مصر اذ يقول النص “ حيث رأى أحمد لأول مرة تلك المجموعات الضخمة
من الطيور والحيوانات والوثائق والمخطوطات والصور والكتب والآثار التي جمعها علماء وفنانو الحملة خلال السنوات الثلاث التي قضوها في مصر” وهناك من عشق تلك الأرض وأهلها ونسائها وصبر حتى فاز بإحداهن بل وأسلم إذ قال رينيه لا يمكنك اعتباري واحدا منكم أنا أيضا وقد وقعت في عشق هذه الأرض ولن أفكر أبدا في خيانتها أوإلحاق أي أذى بأهلها البسطاء الطيبين .أما الآثار المصرية فقد توزعت في المكان وفي المعالم والمواقع والأثاريات وعن الأمكنة فكان رشيد ومنه الحجر الثمين والصعيد والقاهرة والأقصر والمعابد والقصور والتماثيل والنقوش وهذه الأثاريات تجمع وتنقل الى دار الآثار لفحصها ثم نقلها إلى العواصم الغربية وهم يقدرون جيدا هذه الثروات ففي علاقة
الفرنسيين بحجر رشيد مع بوشار “ جلس على الأرض يتأمله وسط دهشة العمال الذين توقفوا عن العمل وأخذوا ينظرون إلى ما يفعله “وفي أعينهم الكثير من التساؤلات عن هذا الحجر بل حرص على وصوله سالما ثم كانت النسخ لارسالها إلى باريس للفحص والتدقيق والفهم ثم كان صراع الكبار حول هذه الثروة التاريخية لهذا البلد وعدم السماح للسفن الفرنسية بأخذ هذه الثروات لكن بعد جدل وحوار وتشاور “ وافق الانجليز أخيرا على أن يحتفظ
الفرنسيون بمجموعاتهم الخاصة من حشرات وحيوانات ولكنهم لا يقبلون اية مساومة بشأن الآثار والمخطرطات “
لتتواصل رحلة البحث عن فك طلاسم الكتابات المصرية القديمة عن طريق شامبليون والتلف الذي مس جزء هام من الحجر ومن البردية التي اشتراها السير “ بوتون” ولم يستطع الحفاظ عليها إذقال “ هي بردية اشتريتها من مصر وهي عزيزة جدا علي ولكن يبدو أنني أهملت في الاهتمام بها وهذا جزائي فقد فقدتها إلى الأبد” .
كما لامست الحياة العامة في المهن كالمؤدب والتجار والمزارعين والعلماء و في الألبسة مثل الحبرة وأجزاء من المنازل مثل الحديقة والمشربية والمساجد كمسجد زغلول بمدينة رشيد. واستطاعت الكاتبة إدراج قصة كاملة في خضم سرقة حجر رشيد ومساره وتنقله بنسخه وفك طلاسم حروفه ومتنه وهي علاقة رسام فرنسي عاشق لهذا الوطن الساحرومعه فاطمة الفتاة التي أحبها وأنتظر زمنا حتى يفوز بحبها وكان رحيله عن مصر قاسيا ليعود ويتزوجها وتمضي السنوات في هناء رغم الاختلافات العقائدية والأخلاقية والحضارية لكن ينتصر الحب قافزا على كل هذه الحواجز النفسية والثقافية .
كما تدخل الذاتي والموضوعي فلن يتم زواج فاطمة بصاحبها إلا بعد خروج المستعمرالفرنسي إذ قالت فاطمة “ حتى نحتفل بزواجنا مع احتفالات البلاد بزوال تلك الغمة” .
ليواصل الطفل - القارئ فك رموز العديد من الكلمات- المفاتيح مثل نابليون بونابرت وكليوبترا وبطليموس والخراطيش والحروف الهيروغليفية وآخرها المرور على معركتين هامتين أولهما معركة الجهل وكسب العلم والمعرفة بالأزهر الشريف لكل عربي يريد تعلم دينه والتفقه فيه ومعرفة بقية علوم عصره والمعركة الثانية المباحة أن الظلم والاستعمار توجب مقاومتهما حتى ولو كنت لا تنتمي لتلك الديار كالطالب السوري بالأزهر والذي نفذ اغتيالا
ونال شرف الشهادة عندما أعدم بعد ذلك .
إن نص “ حجر رشيد “ توالدت فيه الأفكار والأحداث بشكل متواتر محبوكة سرديته مع لغة ثرية وسلسة معبرة عن
أحداث النص وأهم ما جاء فيه كالسرقات الأثرية والحب وعشق الشرق الساحر مذكرة بأهم كنوزنا الأثرية والتراثية الموجودة بمتاحف الغرب .
بقلم: طارق العمراوي