مستهدفا أنحاء متفرقة من شرق مدينة خان يونس . ويأتي ذلك في خضم هواجس ومخاوف حول تنفيذ الاحتلال خطة تفريغ غزة من سكانها .
فرغم سريان وقف إطلاق النار الهش منذ العاشر من أكتوبر الماضي، لا تزال غزة تعيش على وقع العدوان الإسرائيلي المتدرّج، في مشهد يعكس التناقض الصارخ بين المسار السياسي المعلن والواقع الميداني المتفجّر. ففي الوقت الذي تتحدث فيه الأطراف الدولية عن الانتقال إلى مرحلة ثانية من التهدئة، تواصل قوات الاحتلال عمليات النسف الممنهج للمنازل، وتحليق طائرات الاستطلاع، وقصف مناطق متفرقة من القطاع، في رسائل ضغط واضحة تتجاوز منطق الالتزام بالاتفاقات.
رفض الوصاية وإعادة هندسة غزة
في هذا السياق، جاء موقف حركة حماس الرافض "الوصاية على غزة" ليعبّر عن هاجس فلسطيني أوسع، يتمثل في الخشية من محاولات فرض ترتيبات سياسية وأمنية من الخارج، أو إعادة إنتاج نماذج إدارة مفروضة لا تعبّر عن إرادة السكان أو عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة .
إذ يؤكد مراقبون أن أي ترتيبات مستقبلية لغزة يجب أن تكون نابعة من توافق داخلي، لا نتيجة ضغوط عسكرية أو إملاءات إقليمية ودولية ولا عن طريق فرض وصاية خارجية لا تقل عن سياسة الاحتلال .
بالتزامن مع اغتيال قوة إسرائيلية خاصة مسؤول الأمن الداخلي بالمحافظة الوسطى في غزة، وبعد اغتيال القيادي في حماس رائد سعد، أكدت الحركة أنها التزمت بكافة بنود وقف إطلاق النار على عكس إسرائيل. وقالت الحركة أن عملية "طوفان الأقصى محطة شامخة في مسيرة الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال"، لافتة إلى أنها "ستبقى معلما راسخا لبداية حقيقية لدحر الاحتلال وزواله عن أرضنا".
وشددت حماس في بيان امس الأحد على أنها ترفض كل أشكال الوصاية على غزة، محذرة من محاولات التهجير وإعادة هندسة القطاع. وأكدت أن الشعب الفلسطيني "وحده هو من يقرّر من يحكمه، وهو قادر على إدارة شؤونه بنفسه، ويمتلك الحقّ المشروع في الدفاع عن نفسه وتحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس".جاء ذلك في بيان صدر عن الحركة بمناسبة ذكرى تأسيسها الـ38، والذي يوافق 14 ديسمبر من عام 1987.
دعوة للضغط على إسرائيل
كما دعت الحركة الوسطاء والإدارة الأمريكية إلى الضغط على إسرائيل لتنفيذ بنود الاتفاق، و"إدانة خروقاتها المتواصلة والممنهجة له، وفتح المعابر، خصوصاً معبر رفح في الاتجاهين، وتكثيف إدخال المساعدات".
كذلك حثت الدول العربية على التحرّك العاجل وبذل كل الجهود للضغط على إسرائيل من أجل وقف خروقاتها وفتح المعابر وإدخال المساعدات، والتنفيذ الفوري لخطط الإغاثة والإيواء والإعمار، وتوفير متطلبات الحياة الإنسانية الطبيعية لأكثر من مليوني فلسطيني. وخلال عامي الإبادة والتجويع في قطاع غزة والضفة والقدس المحتلة هي جرائم ممنهجة وموصوفة"، داعية محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية إلى مواصلة ملاحقة قادة إسرائيل.
وقالت حماس أن تحقيق الوحدة الوطنية هو السبيل الوحيد لمواجهة مخططات إسرائيل الساعية إلى تغييب القضية الفلسطينية.
الميدان يناقض السياسة
على الأرض، تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية بوتيرة متصاعدة حيث صعد الاحتلال تسف منازل في أطراف المدن والمخيمات، لا سيما في المناطق الشرقية والشمالية. الى جانب تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع على مدار الساعة، في مؤشر على استمرار الانتهاكات الصهيونية والة التقتيل والحرب والخراب الاسرائيلية في استهداف غزة رغم سريان وقف اطلاق النار.
هذا الواقع يعزز قناعة بأن الاحتلال يستخدم الهدنة كأداة إدارة صراع، لا كمدخل حقيقي لوقف الحرب، وهو ما يفسّر الخروقات الاسرائيلية المستمرة لاتفاق وقف اطلاق النار.
البعد الإنساني والضغط الدولي
مع استمرار إغلاق المعابر أو فتحها بشكل جزئي، تتفاقم الأزمة الإنسانية لأكثر من مليوني مواطن فلسطيني في غزة. نقص الغذاء والدواء، وتأخر الإعمار، وبقاء عشرات الآلاف دون مأوى، كلها عوامل تجعل من أي تصعيد ميدان تهديدا مباشرا للحياة اليومية.
من هنا تتزايد الدعوات الفلسطينية والعربية إلى ضغط دولي حقيقي على إسرائيل، لا يكتفي بالبيانات، بل يترجم إلى إجراءات تضمن فتح المعابر، وتدفق المساعدات، ووقف الانتهاكات.
إلى أين تتجه الأمور؟
ويرى محللون أنه بين ضغوط الإدارة الأمريكية للانتقال إلى مرحلة ثانية من الاتفاق، وتحفّظات الحكومة الإسرائيلية التي تصفها بـ"المعقّدة"، يبقى المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات. لكن الثابت، أن استمرار الاحتلال وسياساته القمعية سيبقي جذوة التوتر مشتعلة، مهما تعددت الاتفاقات المؤقتة. ةتبدو غزة اليوم أمام معادلة قاسية هدنة بلا ضمانات، تصعيد بلا إعلان، وواقع إنساني لا يحتمل مزيدا من الانتظار، فيما يواصل الفلسطينيون التمسك بحقوقهم الوطنية، وفي مقدمتها الحرية وتقرير المصير.
مصر تحذر من فصل غزة عن الضفة
شدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على رفض بلاده لأي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية، أو تقويض فرص حل الدولتين.
جاء ذلك في اتصال هاتفي، بين عبد العاطي ونظيرته البريطانية إيفيت كوبر، وفق بيان للخارجية المصرية،أمس الأحد.
وقالت الخارجية المصرية إن عبد العاطي بحث مع كوبر سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتبادل الرؤى بشأن التطورات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وبشأن التطورات في قطاع غزة أكد عبد العاطي أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي "ترامب" لوقف الحرب في غزة.
وشدد على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803، وعلى أهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة في سبيل مراقبة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتمكين القوات الفلسطينية من تولي مهام إنفاذ القانون في غزة.
وفي نوفمبر الماضي، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2803، وهو يتعلق بإنهاء القتال وإدارة غزة بعد الحرب.
وأطلع عبد العاطي نظيرته البريطانية على رؤية مصر للمرحلة الانتقالية المؤقتة تمهيدًا لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة.
وأكد ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية وفقاً للمرجعيات والقرارات الشرعية الدولية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وشدد على رفض مصر لأي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة أو تقويض فرص حل الدولتين.
وندد بالتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، مشيرا إلى ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بدوره لوقف التصعيد في الضفة الغربية وهجمات المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين.
خطة لإفراغ غزة
في الاثناء قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن لدى إسرائيل خطة تتمثل في إفراغ قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين، وإن ما سيحول دون ذلك هو وجود قوة دولية تعمل بالقطاع على ضمان أمن الطرفين وترسيخ الهدوء.
ونوه فيدان، خلال لقاء متلفز على قناة "تي في نت" المحلية، إلى جهود تركيا لوقف الإبادة الجماعية في غزة، وإرساء وقف إطلاق النار، وجعل هذا الوقف دائما من خلال اتفاق سلام.
وأضاف: " تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، ولكن كما رأينا اليوم، فإننا نواجه وقفا لإطلاق النار يُنتهك باستمرار. إن بيئة وقف إطلاق النار هشة".
ولفت أن تركيا اتخذت خطوات في جميع الجهود الدولية والثنائية المتعلقة بغزة.
وأوضح فيدان أن تفاصيل مثل الدول وعدد القوات التي ستشكل قوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في غزة قيد الدراسة، وأن المناقشات جارية بشأن موقعها ومهمتها الأساسية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي. وشدد فيدان على أن أهم مهمة لقوة الاستقرار هي إرساء خط فاصل بين إسرائيل والفلسطينيين لمنع وقوع هجمات متبادلة.
وتابع: "نعتقد أنه إذا لم يتحقق ذلك، ستواجه القوة صعوبة في أداء مهمتها الأساسية".
وأشار إلى أن إسرائيل، بصفتها أحد الطرفين، لها الحق في اختيار القوات المستقبلية تماما كما للفلسطينيين، وأن إسرائيل تمارس هذا الحق من خلال الولايات المتحدة.
وذكر فيدان أن إسرائيل "لديها تحفظات تجاه تركيا" لأنها كانت الدولة الأكثر انتقادا وضغطا على تل أبيب طوال فترة الحرب.
وأكمل: "سواء شاركنا فيها أم لا، مطلبنا أن تصل قوة تنهي احتلال إسرائيل وظلمها في غزة، وتتيح وصول المساعدات الإنسانية، وتضمن بقاء الفلسطينيين وسلامتهم في غزة، إلى هناك في أسرع وقت ممكن".
وأكد على أهمية هذه القوة "لأن خطة إسرائيل الأصلية الحالية هي إفراغ غزة من سكانها وتطهيرها من الفلسطينيين. وما سيحول دون ذلك هو أن تتوجه إلى هناك وحدة (قوة) دولية وتعمل على ضمان أمن الطرفين وتهيئة حالة من الهدوء".
قصف جوي ومدفعي إسرائيلي
ميدانيا شن جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر امس الأحد، غارات جوية وقصفا مدفعيا على أنحاء متفرقة من قطاع غزة تقع ضمن المناطق التي يسيطر عليها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
يأتي ذلك في خروقات جديدة للاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي. ووفق الأناضول، فقد قصفت الطائرات الإسرائيلية وآليات الجيش المدفعية أنحاء متفرقة من شرق مدينة خان يونس، ضمن المناطق التي يسيطر عليها الجيش.
وأفادوا بأن سلاح البحرية الإسرائيلي أطلق نيرانه العشوائية في عرض بحر خان يونس.
فيما طالت هجمات المدفعية الإسرائيلية، وفق الشهود، المناطق الشرقية لمدينة غزة، والتي تخضع لسيطرة الجيش.
انهار، مساء امس الاول، مبنى سكني آيل للسقوط ببلدة جباليا النزلة شمالي قطاع غزة، تعرض سابقا لقصف إسرائيلي خلال أشهر حرب الإبادة الجماعية.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، وفق الأناضول، إن مبنى آيلٌ للسقوط يعود لعائلة "الطيب" انهار قرب مفترق النزلة شمال مدينة غزة، مشيرا إلى أنه لم تسجل أي إصابات.
وأفاد شهود عيان ، بأن المنزل تعرّض لقصف إسرائيلي خلال أشهر حرب الإبادة الجماعية، التي استمرت عامين، ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي.
ومع سريان الاتفاق، لجأ فلسطينيون للعودة للسكن داخل منازلهم التي قصفتها إسرائيل خلال الحرب أو على أنقاضها، في ظل انعدام توفر البدائل خاصة البيوت المتنقلة.
ورغم المخاطر الكبيرة، إلا أن الفلسطينيين يقولون إن العيش داخل المنازل المقصوفة يبقى أقل قسوة من البقاء في الخيام المصنوعة من الأقمشة البالية، والتي لا تحمي من مياه الأمطار شتاء ولا تقي من البرد.
ويأتي ذلك عقب منخفض جوي ضرب القطاع، وتسبب حتى مساء الجمعة بانهيار 13 منزلا على الأقل في قطاع غزة، وجميعها منازل سبق أن تعرضت للقصف، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.
وعلى مدار أشهر حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تعرضت محافظة شمال غزة لسياسة "إبادة المدن" وفق ما أكده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، حيث شهدت دمارا واسعا في المنازل والبنى التحتية.
وحذر مسؤولون فلسطينيون حكوميون من مخاطر العيش داخل المنازل الآيلة للسقوط، والتي اضطر إليها سكانها لعدم وجود بدائل وفي ظل منع إسرائيل دخول المنازل المؤقتة (الكرفانات) للقطاع وتقييد دخول الخيام المؤقتة.
وسبق أن انهارت عدة مبان مقصوفة وآيلة للسقوط في مناطق مختلفة بغزة ما تسبب بمقتل وإصابة فلسطينيين.
ورغم انتهاء حرب الإبادة، لم يشهد واقع المعيشة لفلسطينيي غزة تحسنا جراء القيود المشددة التي تفرضها إسرائيل على دخول شاحنات المساعدات، منتهكة بذلك البروتوكول الإنساني للاتفاق.
متظاهرون يدعمون غزة
شهدت العاصمة السويدية ستوكهولم، مظاهرة احتجاجية ضد مواصلة إسرائيل هجماتها على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، في انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار.
وبدعوة من عدد كبير من منظمات المجتمع المدني، تجمع مئات الأشخاص في ساحة أودن بلان بستوكهولم، احتجاجًا على قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف غزة بالغارات الجوية.
وندّد المشاركون في الفعالية بانتهاك إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيّز التنفيذ في غزة يوم 10 أكتوبر الماضي.
كما طالبوا بوقف الإبادة الجماعية والهجمات الجوية الإسرائيلية على غزة، وبإنهاء مبيعات الأسلحة السويدية لإسرائيل.
وإلى جانب الخسائر البشرية، تسببت الإبادة الجماعية بدمار هائل طال 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية، وبخسائر أولية قُدرت بنحو 70 مليار دولار.