Print this page

وسط تحذيرات دولية من "وصاية'' أمريكية حماس تقترح "تجميد" سلاحها مقابل هدنة طويلة الأمد في غزة

حمّلت حركة "حماس"، أمس الخميس

دولة الاحتلال مسؤولية تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة ، وأكدت أن منع إدخال مواد الإيواء الأساسية ضاعف معاناة مئات آلاف النازحين . يأتي ذلك فيما تتجه الولايات المتحدة الى تنفيذ خطتها التي تهدف بالأساس لإبعاد حركة حماس عن القطاع ، في حين تشدد المقاومة الفلسطينية على رفض أية محاولات لإعادة احتلال غزة .
وفي خضمّ ذلك طرحت حركة حماس مبادرة جديدة كشف عنها خالد مشعل، رئيس مكتبها السياسي في الخارج، خلال مقابلة تلفزيونية. وتمثل المبادرة -وفق مراقبين-محاولة لإعادة صياغة المشهد الأمني والسياسي في غزة، وذلك عبر طرح تصوّر يقوم على تجميد استخدام السلاح مقابل هدنة طويلة الأمد مع ''إسرائيل''، في خطوة تعكس تحولا واضحا في منهج الحركة تجاه المقاربات الدولية دون تخل عن قناعاتها الأساسية بشأن المقاومة.
وأوضح مشعل أن الحركة لا تتحدث عن نزع السلاح، لأن ''هذا في الوعي الفلسطيني يمثل إلغاء للروح الوطنية وطمسا لمعنى الصمود، لكنه في الوقت نفسه أكد أن السلاح يمكن أن يُحفظ ولا يُستخدم أو يُستعرض، إذا كان ذلك سيؤدي إلى ضمان وقف الحرب''. وتابع أن ''الفكرة الأساسية هنا تقوم على أن الهدنة الطويلة يمكن أن تكون طريقاً لتوفير حماية لغزة، ليس فقط من القصف المتكرر، بل أيضاً من الانهيار الإنساني الذي تسببت به سنوات الصراع''. ووفق متابعين فإن هذا الخطاب يحاول الخطاب أن يوازن بين الرمزية التاريخية للسلاح وبين الحاجة المُلِحّة للحياة والاستقرار داخل القطاع.
وفيما يخص الوجود الدولي، قدم مشعل إحدى النقاط الأكثر حساسية في النقاش، إذ أعلنت الحركة ''قبولها نشر قوات دولية على الحدود بين غزة وإسرائيل، شرط ألا يكون وجود هذه القوات داخل القطاع نفسه''. هذا الشرط لم يأتِ من فراغ، فهو يستند إلى تجربة طويلة ومريرة مع كل أشكال السيطرة أو التدخلات الخارجية، التي غالبا ما رآها الفلسطينيون امتدادا للاحتلال وليس وسيلة للحماية. لذلك تصر الحركة على أن أي وجود دولي يجب أن يكون وظيفته منع الاحتكاك عند الحدود وليس الإشراف على غزة من الداخل، لأن ذلك من شأنه أن يمسّ السيادة الفلسطينية ويقوّض شعور السكان بأنهم أصحاب الأرض.
كما أكد مشعل أن الوسطاء الإقليميين – وفي مقدمتهم قطر ومصر وتركيا – قادرون على ضمان احترام الهدنة من جانب غزة، معتبرا أن الخطر الحقيقي يكمن في التجاوزات الإسرائيلية التي كثيراً ما كانت تعيد نقطة الصراع إلى البداية. ورغم أن المبادرة تبدو في ظاهرها سياسية، إلا أن خلفيتها إنسانية بامتياز، فغزة التي شهدت تدميرا واسعا للبنية التحتية وللمنازل والمستشفيات والمدارس، تحتاج اليوم إلى فترة استقرار حقيقية تعيد إليها شيئا من القدرة على التنفس، وإلى آلية واضحة لمنع تكرار المأساة.
وتضمنت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بالفعل وقف القتال، وتبادل الأسرى والرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة، وزيادة المساعدات الإنسانية. ولكن ووفق خبراء فإن هذه الإجراءات تبقى مؤقتة وهشة بطبيعتها إذا لم تستكمل بعملية سياسية أكثر عمقا تحدد مستقبل غزة.
ومع اقتراب مناقشة المرحلة الثانية من الاتفاق، يبرز السؤال الكبير وهو هل يمكن التوصل إلى صيغة تحافظ على حق الفلسطينيين في الأمن والكرامة، وفي الوقت نفسه تلبي شروط القوى الدولية التي تتحدث عن قوة استقرار داخل غزة وإدارة تكنوقراطية تحت إشراف دولي؟.
وتعكس مبادرة حماس محاولة للخروج من دائرة الحرب المستمرة دون التخلي عن الهوية الوطنية الفلسطينية أو تاريخها وحاضرها من المقاومة. وبين تجميد السلاح، وقبول وجود دولي محدود، والرهان على وساطة إقليمية فعالة، تبدو الحركة وكأنها تضع أمام العالم معادلة جديدة: غزة تريد أن تعيش، وتريد سلاما لا يشترط التخلي عن كرامتها أو حقها في إقامة دولتها. هذه الرغبة البسيطة، التي يدفع الفلسطينيون أثمانها منذ عقود، قد تكون اليوم أقرب من أي وقت مضى إذا ما التقط المجتمع الدولي الإشارة وتعامل معها بجدية ومسؤولية في وجه سياسات المحتل الصهيوني.
دعوة للتدخل الدولي
وقالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إنّه في ظلّ مماطلة "الاحتلال الصهيوني" المجرم وتنصّله من التزاماته ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، وخصوصاً ما يتعلق بالبروتوكول الإنساني وتعطيل إدخال مواد الإيواء الأساسية، تتفاقم المعاناة الإنسانية لشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة مع دخول فصل الشتاء واشتداد المنخفضات الجوية والعواصف التي تضرب مراكز الإيواء والخيام المهترئة.
وأكدت الحركة، في تصريح صحفي أمس الخميس، أن العدو المجرم يتحمّل المسؤولية الكاملة عن الظروف المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، نتيجة منعه إدخال مواد الإيواء الأساسية، وتعمده مفاقمة معاناة مئات آلاف النازحين مع دخول فصل الشتاء، حيث تعجز الخيام الحالية عن الصمود أمام موجات البرد والعواصف.
ودعت "حماس" الوسطاء والدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار إلى التحرك العاجل والضغط المباشر على حكومة الاحتلال لإدخال جميع مواد الإيواء دون قيود، وفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين، وفقًا لما نصّ عليه الاتفاق، بما يضمن الحفاظ على الكرامة الإنسانية للمتضررين الذين يعيشون أوضاعًا قاسية داخل مراكز الإيواء.
كما طالبت الحركة الدول العربية والإسلامية وكافة الدول والشعوب حول العالم بضرورة تكثيف الحراك والتضامن مع الشعب الفلسطيني، والضغط على الاحتلال لوقف انتهاكاته المتواصلة، وإلزامه بموجبات البروتوكول الإنساني، بما يمكّن أهالي القطاع من التعافي والبدء في إعادة إعمار ما دمره الاحتلال خلال العدوان.

وصاية أمريكية
هذا وتناولت صحف عالمية تطورات الوضع في قطاع غزة الذي قالت إنه يتعرض لما يشبه الوصاية الاستعمارية.
ففي صحيفة لوموند الفرنسية كتب المحامي ألفونسو دورادو والخبير الدولي باتريك زانت، مقالا انتقدا فيه قرار مجلس الأمن الدولي الذي قالا إنه "يرسخ وصاية ما يسمى مجلس السلام على قطاع غزة بعيدا عن أي مشاركة فلسطينية أو إطار أممي متعدد الأطراف".
ورأى الكاتبان أن القرار "يتيح سيطرة المجلس الذي سيقوده دونالد ترامب على غزة دون حياد أو التزام بالقانون الدولي الإنساني، ويتجاهل القرارات الدولية السابقة ويكرس ما يشبه الوصاية الاستعمارية".
وفي خطوة قد تُشكل منعطفًا مهما في مسار المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، نقلت تقارير أمريكية وإسرائيلية عن أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تستعد لتعيين جنرال أمريكي برتبة نجمتين لقيادة ما يُعرف بـ"قوة الاستقرار الدولية" في قطاع غزة، وذلك في إطار خطّة موسّعة للإشراف على وقف إطلاق النار وتنفيذ الترتيبات الأمنيّة والسياسية المتعلّقة بقطاع غزة بعد الحرب المدمرة التي شهدها خلال العامين الماضيين.
المبادرة، التي ذكرتها شبكة ''أكسيوس'' الأمريكية، تُعد جزءا من ما يعتبره البيت الأبيض مشروع سياسي–عسكري أمريكي في الشرق الأوسط خلال العقدين الأخيرين، وتأتي بعد صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بإنشاء هذه القوة في سياق خطّة أوسع لإعادة الاستقرار وإدارة المرحلة الانتقالية في القطاع.
وفق المصادر، القوة الدولية ستُنسق من خلال مقرّ مدني–عسكري في ''إسرائيل''، يُعنى بالإشراف على وقف إطلاق النار وتنظيم إيصال الدعم الإنساني، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تنشر قوات أمريكية كثيفة على الأرض داخل غزة نفسها، بالرغم من توجيه القيادة العامة للقوة لقائد أمريكي.
هذا التطور ليس منفصلاً عن جملة تغييرات تُجرى في بنية المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة، في حين يبقى ملف نزع سلاح المقاومة حماس أو تجميد استخدامه أحد أبرز نقاط الخلاف في المفاوضات الجارية
ويعكس اختيار قائد أمريكي للقوة الدولية دورا واضحا للولايات المتحدة في إدارة المرحلة السياسية والأمنية في غزة، كما أنّه رمز سياسي يشير إلى رغبة واشنطن في تثبيت دور دائم لها.هذا ولا يزال الاتفاق هشا، وسط تقارير عن استمرار خروقات وقف إطلاق النار وعمليات عسكرية إسرائيلية، ما قد يُضعف الثقة في أي آلية جديدة لضمان الاستقرار . ويحتاج إنجاز البنية الأمنية والسياسية للقوة الدولية إلى تنسيق وموافقة واسعة مع باقي الدول وإقناع أطراف إقليمية ودولية بالانخراط في مهمة معقدة في بيئة متوتر خاصة في ظل استمرار الاحتلال في سياسته التوسعية الاحتلالية وتوسع رقعة عدوانه لتشمل دول اقليمية مثل لبنان وسوريا واليمن .
معاناة النازحين
تتفاقم المعاناة الإنسانية في قطاع غزة في ظل منخفض جوي قوي، وأكدت حركة حماس أن منع إدخال مواد الإيواء الأساسية ضاعف معاناة مئات آلاف النازحين.
وقالت الحركة في بيان، إن "تنصل إسرائيل من التزاماتها في اتفاق وقف إطلاق النار، وخاصة ما يتعلق بالبروتوكول الإنساني وإدخال مواد الإيواء، أدى إلى تدهور الوضع الإنساني مع دخول فصل الشتاء".وخلال الساعات الـ24 الماضية، تلقى جهاز الدفاع المدني بغزة أكثر من 2500 مناشدة من نازحين غمرت مياه الأمطار خيامهم بفعل المنخفض العاصف، وفق ما أفاد المتحدث باسم الجهاز محمود بصل في تصريحات للأناضول.
ومع اشتداد تأثير المنخفض منذ فجر الأربعاء، غرقت آلاف خيام النازحين في مناطق متفرقة من القطاع، بعد هطول أمطار غزيرة، وسط توقعات باستمرار الحالة الجوية العاصفة إلى مساء الجمعة.وأضافت حماس، أن "الاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة عن الظروف المأساوية التي يعيشها النازحون، نتيجة منعه إدخال مواد الإيواء وتعمده مفاقمة معاناة مئات آلاف النازحين مع دخول الشتاء وعجز الخيام عن الصمود أمام البرد والعواصف".
ودعت الحركة الوسطاء والدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار إلى "التحرك العاجل والضغط على إسرائيل لإدخال مواد الإيواء دون قيود وفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين وفق بنود الاتفاق".ومنذ ماي 2024، تحتل "إسرائيل" الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ودمرت وأحرقت مبانيه، ومنعت الفلسطينيين من السفر، ما أدخلهم، خاصة المرضى، في أزمة إنسانية كبيرة.
كما طالبت حماس الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي "بتكثيف الجهود للضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها والالتزام بالبروتوكول الإنساني، وتمكين الفلسطينيين من بدء إعادة الإعمار".
ويأتي المنخفض في وقت يعيش فيه النازحون أوضاعا مأساوية بفعل انعدام مقومات الحياة وصعوبة الوصول إلى المستلزمات الأساسية وتراجع الخدمات الحيوية بسبب الحصار الإسرائيلي.
ويتخذ معظم النازحين من الخيام التالفة مأوى لهم، فيما قدر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، نهاية سبتمبر الماضي، أن نسبة الخيام التي لم تعد صالحة للإقامة في القطاع بلغت نحو 93 بالمائة، بواقع 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفا.ورغم انتهاء حرب الإبادة بسريان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الماضي، لم يشهد واقع المعيشة لفلسطينيي غزة تحسنا جراء القيود المشددة التي تفرضها إسرائيل على دخول شاحنات المساعدات، منتهكة بذلك البروتوكول الإنساني للاتفاق.وعلى مدى نحو عامين من الإبادة تضررت عشرات آلاف الخيام بفعل القصف الإسرائيلي الذي أصابها بشكل مباشر أو استهدف محيطها، فيما اهترأ بعضها بسبب عوامل الطبيعة من حرارة الشمس المرتفعة صيفا والرياح شتاء.

القادم أسوأ
وحذرت الأرصاد من موجة أشد سوف تضرب سواحل القطاع بعد ساعات، في حين قال الدفاع المدني إنه أخلى 14 خيمة فقط في مواصي رفح، وشكل خلية أزمة للتعامل مع الظروف التي تفوق طاقة البلديات التي فقدت كل معداتها خلال الحرب.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل وفق الجزيرة إن أكثر من 2500 نداء استغاثة وصل منذ بدء المنخفض، مؤكدا انهيار منزلين بمدينة غزة بسبب الأمطار.
وأكد بصل أن 99% من مراكز الإيواء غرقت بشكل كامل، وأن أكثر من مليون و500 ألف إنسان يعيشون في خيام غارقة تماما، وأن القادم سيكون أصعب بسبب انخفاض درجات الحرارة التي قد تؤدي لحدوث وفيات كبيرة، مشيرا إلى وفاة فتاة فعليا بسبب البرد.وقال المتحدث إن غياب المعدات يحول دون تقديم مساعدة للناس، وإن إدخال المعدات لن يكون كافيا لأن المطلوب حاليا هو إدخال بيوت متنقلة بشكل فوري حتى يمكن إيواء الناس فيها لأن الساعات المقبلة ربما تشهد كارثة أكبر بسبب وجود الناس في العراء.
في غضون ذلك، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) من أن البرد والاكتظاظ وانعدام النظافة يزيد من خطر الإصابة بالأمراض والعدوى، وأن هطول الأمطار يحمل مصاعب جديدة ويفاقم الأوضاع المعيشية المتردية أصلا ويجعلها أكثر خطورة.وقالت الوكالة في تغريدة على منصة "إكس"، إنه يمكن تجنب هذه المعاناة من خلال تقديم المساعدات دون قيود بحيث تشمل تقديم الإغاثة والدعم الطبي المناسب.
ولا يزال القطاع يعاني نقصا كبيرا في الخيام والمواد الإغاثية بسبب عدم التزام الاحتلال بما تم التوافق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل شهرين وخصوصا إدخال الخيام والبيوت المتنقلة والوقود والمساعدات الطبية.

ووفق المجلس النرويجي للاجئين، فإن القطاع لم يتلق سوى كميات ضئيلة جدا من مواد الإيواء بعد شهرين من سريان اتفاق وقف الحرب، في حين لم تتمكن الأمم المتحدة ومنظمات أخرى لم تتمكن سوى من إدخال 15.600 خيمة تكفي 88 ألف شخص فقط.وقال المجلس إن نحو مليون و300 ألف شخص بحاجة لمأوى من أجل النجاة خلال فصل الشتاء، ودعا قادة العالم لتوفير وصول غير مقيد إلى القطاع.
بدوره، حذر المدير العام لوزارة الصحة في غزة الدكتور منير البرش من تداعيات المنخفض الجوي الجديد الذي يهدد آلاف العائلات النازحة في المخيمات، مؤكدا أن المطر والبرد يتحولان إلى تهديد لحياة الفئات الهشة.

المشاركة في هذا المقال