ويزيّن النظرة … إنّه قصة جمال ضاربة في عمق التاريخ، تمتدّ من جفون المصريين القدماء إلى نساء قرطاج، ومن صحارى الجزيرة العربية إلى مدن الشام والمغرب. هو أثرٌ حيّ عبر الأزمنة، وجزء من الذاكرة الجماعية التي لا تزال تسكن العيون وتُلهِم الشعراء والرسامين والرحّالة... وقد تم الإعلان رسميا عن تسجيل الكحل العربي ضمن قائمة التراث غير المادي لليونسكو.
سجلت تونس، أمس الخميس، على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية عنصر " الكحل العربي"، في ملف عربي مشترك ضمّ ثماني دول عربية. وتم التسجيل أثناء انعقاد الدورة 20 للجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التي تدور فعالياتها بين 8 و 13 ديسمبر 2025 بنيودلهي في الهند.
زينة وحماية وتعويذة
منذ آلاف السنين، لم يكن الكحل وسيلة للزينة فحسب، بل كان ممارسة طبية وروحية واجتماعية. ففي مصر الفرعونية، استُخدم لحماية العين من الشمس الحارقة والرمال والأمراض و"العين الشريرة".
في جلّ الحضارات، اكتسب الكحل العربي دلالات تُراوح بين الجمال والوقاية والتطهير، وأصبح جزءا من الطقوس اليومية والاحتفالات والمناسبات. ولأنّ الكحل واحدٌ من أقدم رموز الجمال ومستحضرات التجميل في الثقافة العربية، فقد رشحته ثماني دول عربية وهي تونس وسوريا والعراق والأردن وليبيا وعُمان والسعودية والإمارات في ملف مشترك للتسجيل في قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو.
غير أنّ غياب مصر عن القائمة أثار جدلا واسعًا داخلها وخارجها، باعتبارها صاحبة أقوى جذور تاريخية للكحل في الذاكرة الإنسانية. كيف يُسجَّل الكحل عربا من دون مصر، التي وثّقت حضارتها استعماله قبل آلاف السنين؟ وقد تساءل مصريون: "ألسنا أوّل من عرف الكحل وابتكره؟" بينما ردّت جهات أخرى بأنّ التراث غير المادي ليس حكرا على أصل واحد، بل يحقّ لكل مجتمع ما زال يمارس العنصر أن يقدِّمه لليونسكو. وتدل الصور المنقوشة على جدران المقابر والمعابد المصرية، عن وجوه رجال ونساء وأطفال تجمّلت عيونها الكحل بخطو رفيعة وكثيفة. وعبر عصور تمتد لأكثر من خمسة آلاف عام، من كليوباترا ونيفرتيتي إلى الفلّاحين والجنود والكهنة، لم تستغن الحضارة الفرعونية عن الكحل زينة وحماية وتعويذة.
واليوم بتسجيل عنصر الكحل العربي رسميا على لائحة اليونسكو للتراث غير المادي، تم الاعتراف العالمي بهذه العادة الإنسانية التي تشكّلت عبر قرون طويلة، وأصبحت جزءا من الهوية البصرية والثقافية للعرب.
10 عناصر تونسية على لائحة التراث العالمي
بتسجيل "الكحل العربي" تراثا عالميا، يصل عدد العناصر التونسية المسجلة على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي عشرة عناصر. ففي سنة 2024 ، نجحت تونس في تسجيل حضورها على قائمة اليونسكو باثنين من العناصر هما : "الحنّاء: الطقوس والممارسات الجماليّة والاجتماعيّة" و"فنون العرض لدى طوايف غبنتن".
من سنة إلى أخرى، أصبحت تونس تقطع أشواطا متقدمة على قائمة التراث العالمي لليونسكو حيث ارتفع عدد العناصر التونسية المسجلة على قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية لدى اليونسكو إلى 10 عناصر وهي: فخار سجنان (2018)، النخلة (2019)، الكسكسي (2020)، طرق الصيد بالشرفية (2020)، فنون الخط العربي (2021)، الهريسة (2022)، النقش على المعادن (2023)، وملف "فنون العرض لدى طوائف غبنتن" (2024) والحنّاء (2024) والكحل العربي (2025).