Print this page

السينما في قبضة الذكاء الاصطناعي: هل مازال للإنسان وللإبداع وللخيال مكان؟

تخوض شاشات وقاعات السينما معركة من أجل البقاء

في عالم تحكمه الشركات الرقمية العملاقة، حيث تُقاس قيمة العمل الإبداعي بعدد المشاهدات، وتُقاس جدواه بمعادلات الأرباح، لا بمعاييره الجمالية أو الإنسانية. لم تعد منصات البث مجرد وسيط عرض، بل أصبحت منتِجا ومسوقا ومُقررا للذائقة العامة. كما يتغلغل الذكاء الاصطناعي في قلب الصناعات الإبداعية بوصفه أداة لخفض التكاليف وتسريع الإنتاج والاستغناء التدريجي عن العنصر البشري.

ما بين ذكاء اصطناعي يتقن التقليد، ومنصات بث تعيد تشكيل علاقة الجمهور بالصورة، يقف الفن السابع على عتبة تحوّل تاريخي قد يغيّر جوهره لا فقط شكله ربما لم يعد السؤال اليوم هو: ماذا يمكن أن تفعل التكنولوجيا بالسينما؟ بل أصبح السؤال الأكثر إلحاحا: ماذا ستفعل السينما بنفسها أمام زحف التكنولوجيا؟.
في هذا السياق، تأتي تصريحات جيمس كاميرون قبل عرض "أفاتار3" كبيان فني مقاوم أكثر منه توضيحا تقنيا. وهو الذي يؤكد أن فيلمه يخلو تماما من الذكاء الاصطناعي التوليدي، فهو لا يدافع فقط عن طريقة إنتاج، بل عن فلسفة كاملة ترى أن الإبداع لا يُصنَّع آليا، بل يُعاش إنسانيا. هذا لا يعني أن "كاميرون" يتخذ موقف العداء الساذج للتكنولوجيا - وهو أحد المخرجين استخداما للأدوات الرقمية الأكثر تعقيدا- لكنه يضع حدا أخلاقا واضحا حتى لا يُصبح الذكاء الاصطناعي بديلا عن الإنسان عوضا عن وسيلة في خدمته. تكمن الخطورة هنا ليس فقط في فقدان وظائف الممثلين أو تقنيي السينما، بل في إعادة تعريف معنى الأداء نفسه. إذا أصبح بالإمكان "تصنيع" ممثل افتراضي يؤدي مشاهد الفرح والغضب والحب بدقة رياضية، فما الذي يتبقى من التجربة الإنسانية التي قامت عليها السينما منذ بدايتها؟
غير بعيد عن تصريحات جيمس كاميرون، اعتبر النجم ليوناردو دي كابريو أنّ "مستقبل سينما هوليود فى خطر"، معربا عن مخاوفه بشأن مستقبل السينما التقليدية أمام تغوّل خدمات البث الرقمية التي أثرت بشكل ملحوظ على حضور الجماهير فى قاعات العرض.إنّ الخطر الذي يحذر منه "دي كابريو" هو الصراع بين منطقين: منطق السينما كفن إنساني ومنطق الخوارزميات كعملية حسابية ربحية .
إنّ تصريحات "كاميرون" و"دي كابريو" ليست حنينا إلى الماضي، بل تحذيرا من مستقبل قد نفقد فيه السيطرة على معنى الإبداع نفسه. فإذا امتلكت الخوارزميات قدرة التخطيط والتمثيل والكتابة والتوقع الجماهيري، فما الذي يتبقى للإنسان؟ وما بين تكنولوجيا تُستخدم لخدمة الإنسان وتكنولوجيا تُعيد تشكيل الإنسان وفق منطقها، ليست السينما صورة متحركة بل تجربة إنسانية لا يمكن حشرها في معادلة الآلة والسوق.

المشاركة في هذا المقال