Print this page

بين بيروت وغزة… الإحتلال يوسّع دائرة عدوانه والمقاومة تدرس خيارات الرد

أكد مراقبون أن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قبل

يومين الضاحية الجنوبية لبيروت وأدت إلى اغتيال القيادي في حزب الله هيثم الطبطبائي، لم تكن مجرد عدوان صهيوني غاشم استهدف سيادة لبنان، بل حلقة جديدة في سلسلة اعتداءات يراد لها أن تعيد تشكيل موازين القوة في المنطقة. فالاحتلال الذي يعيش مأزقا حقيقيا على أكثر من جبهة، يسعى إلى فرض معادلة جديدة قوامها إتباع سياسة استهداف الكل، من دون أن يقدّم حسابا لأحد، سواء في لبنان أو غزة أو غيرهما.
وما يؤكد هذا التوجه هو تزامن الاغتيال مع تصعيد جديد في قطاع غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار، حيث تواصل المدفعية والطائرات الإسرائيلية قصف المناطق الشرقية للقطاع ، وترتكب خروقات يومية أودت بحياة مئات المدنيين وتركت دمارا واسعا في بيئة أنهكها حصار طويل وحرب إبادة امتدت لعامين.
ويرى مراقبون انه لا يمكن قراءة ما يحدث في بيروت بمعزل عن غزة. فالاحتلال يتعامل مع الجبهتين كمساحة واحدة للضغط وكسر إرادة المقاومة، وهي سياسة يريد من خلالها إبراز انه قادر على التحرك بحرية كاملة رغم الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار والدعوات الدولية المتزايدة لوقف انتهاكاته المتزايدة في المنطقة. غير أن محاولات التباهي هذه لا تخفي حقيقة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي منهك، وأن جبهاته مفتوحة ومعقدة، وأن الضغط الداخلي يزداد مع ارتفاع عدد الرافضين للخدمة العسكرية وتراجع قدرة الاحتلال على إدارة حرب طويلة. ورغم ذلك، يواصل قادته خطاب التهديد، كما فعل بنيامين نتنياهو عندما زعم أن إسرائيل ستتابع منع حزب الله من إعادة بناء قوته، داعيا الحكومة اللبنانية إلى نزع سلاح المقاومة، بينما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف غزة متجاهلا أنه الطرف الذي يخرق التهدئة يوميا.
وشيّع "حزب الله"، أمس الاثنين، قائده العسكري هيثم الطبطبائي، غداة اغتياله بغارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت.وبحضور مئات الأشخاص، أقام الحزب مراسم تكريم وتشييع للطبطبائي و4 آخرين من عناصره في الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية.وترافق التشييع مع تحليق طائرة مسيّرة إسرائيلية على علو متوسط فوق الضاحية الجنوبية، بحسب الأناضول.
سيناريوهات الرد
ووفق تقارير وفي مواجهة هذا المشهد يتبع حزب الله سياسة الغموض في ردّه المتوقع على اغتيال الطبطبائي، وهو اغتيال غير مسبوق منذ اتفاق نوفمبر، يحمل دلالات تتجاوز البعد العسكري إلى محاولة ضرب بنية القيادة في الحزب. إلا أن هذا الغموض لا يعني أن الحزب لا يملك خيارات، بل إنه يعيد تقييم المعادلة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي يعيشها لبنان. ومع أن البعض يرى أن الحزب قد يختار الرد في الجنوب ، يبقى احتمال التصعيد الأكبر قائما، ولو بنسب أقل، خصوصا أن المقاومة تدرك أن استهداف قائد بدرجة الطبطبائي لا يمكن التعامل معه كحدث عابر.
أما في غزة، فالمشهد لا يقل حساسية، فالحركية السياسية النشطة لحركة المقاومة الإسلامية حماس في القاهرة تعكس رغبتها في المحافظة على اتفاق وقف إطلاق النار، لكنها في الوقت نفسه تواجه عدوانا مستمرا يهدد بانهيار التهدئة وعودة الاشتباك إلى مربعه الأول. ومع استمرار القصف، يتزايد لدى المقاومة الدفع نحو مواجهو العدو والاستمرار في مساعي دحر الاحتلال، خصوصا بعد حرب الإبادة التي شنها في أكثر الحروب تدميرا في التاريخ الحديث.
يبدو الاحتلال اليوم في سباق مع الزمن لفرض وقائع جديدة في لبنان وغزة، وبينما يراهن نتنياهو على سياسته القائمة على محاولات يائس لإضعاف المقاومة ، يثبت الواقع مرة تلو أخرى أن إرادة الشعوب—في غزة كما في لبنان—أقوى من أن تُكسر وأن الاعتداءات الإسرائيلية، مهما بلغت حدّتها، لا تؤدي إلا إلى تعزيز قناعة هذه الشعوب بأن المقاومة ضرورة مستمرة لحماية الأرض والكرامة والسيادة.
تفاصيل الهجوم
وفي خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع منذ نحو عام، وفي تصعيد لافت، شن الاحتلال الإسرائيلي ، أمس الأول الأحد، هجوما على الضاحية الجنوبية لبيروت، قالت إنه أسفر عن اغتيال "قائد أركان حزب الله هيثم علي الطبطبائي"، المدعو "أبو علي"، فيما نعاه الحزب رسميا.في المقابل، قالت وزارة الصحة اللبنانية، في بيان، إن الغارة أدت في حصيلة نهائية، إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 28 آخرين بجروح.
وتعقيبا على الغارة أيضا، اعتبر الرئيس اللبناني جوزاف عون، وفق بيان للرئاسة، أن استهداف "إسرائيل" الضاحية الجنوبية لبيروت، "دليل آخر على أنها لا تأبه للدعوات المتكررة لوقف اعتداءاتها"، دون تفاصيل عن المستهدفين.

بدوره، نعى" حزب الله" في بيان الطبطبائي، كما نعى في بيانات أخرى 4 آخرين من عناصره قال إنهم قتلوا في الغارة أيضا، فيما نشر الإعلام الحربي التابع للحزب نبذة عن الطبطبائي واصفا إياه بالقائد الجهادي الكبير.
وبحسب النبذة، ولد الطبطبائي في 5 نوفمبر عام 1968 ببيروت "والتحق بصفوف المقاومة منذ تأسيسها".وشارك في العديد من العمليّات العسكرية، وخصوصا النوعية، على مواقع وقوّات جيش الاحتلال الإسرائيلي وعملائه خلال فترة ما قبل تحرير جنوب لبنان عام 2000، كما كان من قادة عمليّة الأسر لجنود إسرائيليين في بركة النقار بمزارع شبعا اللبنانيّة المُحتلّة، عام 2006، وفق المصدر ذاته.
وبحسب نبذة الإعلام الحربي للحزب، "تسلم الطبطبائي مسؤولية قوّات التدخل في المُقاومة الإسلاميّة وبعد اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية (عام 2008)، شارك في تأسيس وتطوير قوّة الرضوان".وأشار الإعلام الحربي في الحزب، إلى أن "الطبطبائي كان من القادة الجهاديين الذين خططوا وأداروا العمليّات العسكرية على حدود لبنان الشرقية (في إشارة إلى سوريا)".كما "توّلى مسؤولية ركن العمليات في المُقاومة الإسلاميّة خلال معركة طوفان الأقصى، وكان من القادة الجهاديين الكبار الذين أداروا وأشرفوا على عمليّات حزب الله خلال معركة أولي البأس عام 2024"، وفقا للمصدر نفسه.
وذكر الإعلام الحربي في الحزب أن "الطبطبائي قتل مع مجموعة من رفاقه إثر عملية اغتيال إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية".وفي تصريحات صحفية، وصف نائب رئيس المجلس السياسي في "حزب الله" محمود قماطي، خلال تعليقه على الغارة، الطبطبائي بأنه "شخصية جهادية أساسية"، مشيرا إلى أن قيادة الحزب ستدرس كيفية الرد.
والطبطبائي من مواليد عام 1968 ونشأ في جنوب لبنان، قبل أن ينضم في شبابه إلى "حزب الله"، لكن اسمه ظهر لأول مرة في الإعلام عام 2015 بعيد نجاته من محاولة اغتيال إسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية الحدودية مع الجولان، وفق إعلام لبناني.
مظاهرات ضد العدوان
في لبنان تظاهر عشرات اللبنانيين أمس الاثنين استنكارا "للاستباحة الإسرائيلية اليومية للأراضي اللبنانية".ووفق الوكالة الوطنية للإعلام ، "انطلقت ظهر اليوم عند تقاطع مصرف لبنان في الحمرا، مسيرة دعا إليها عدد من الصحفيين والناشطين، استنكارا للاستباحة الإسرائيلية اليومية للأراضي اللبنانية، منذ توقيع اتفاقية وقف النار، وللمطالبة باسترجاع الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، بمشاركة عشرات المواطنين، بالإضافة إلى الناشط المفرج عنه أخيرا من السجون الفرنسية جورج عبدالله، وشخصيات سياسية وفكرية وإعلامية".
ورفع المشاركون، خلال التظاهرة ، الأعلام اللبنانية والفلسطينية، ورايات عدد من الأحزاب، واللافتات المنددة بـ "العدوان الإسرائيلي المستمر على المناطق اللبنانية، مؤكدين أن "لا طائفة محمية من تلك الإعتداءات"، كما بثت الأناشيد الحماسية عبر مكبرات الصوت.

وأطلقوا الهتافات المؤكدة على ضرورة "بقاء المقاومة لدحر الاحتلال وتحرير الأرض". كما دعوا الدولة إلى العمل "بجدية على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الجنوب، والمباشرة بإعادة إعمار ما دمرته".وتأتي الغارة بعد مرور نحو عام على سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب بين "إسرائيل" وحزب الله.

الاحتلال يرفع حالة التأهب

ميدانيا رفع الاحتلال مستوى تأهب منظومة الدفاع الجوي في الشمال، غداة اغتيالها "قائد أركان حزب الله" هيثم الطبطبائي في بيروت.
فيما ذكرت هيئة البث الرسمية أن تقديرات الأجهزة الأمنية "لا تتوقع حدوث تبادل للضربات مع حزب الله، عقب تصفية رئيس أركانه بالضاحية الجنوبية لبيروت".واستدركت: "ومع ذلك، تستعد إسرائيل لردود فعل مختلفة، مثل مهاجمة أهداف إسرائيلية خارج البلاد أو هجوم من جبهات أخرى مثل اليمن"، في إشارة إلى جماعة الحوثي.ومنذ أكتوبر الماضي، كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي هجماته على لبنان في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في نوفمبر 2024.
وكان يُفترض أن ينهي الاتفاق عدوانا بدأته إسرائيل على لبنان في أكتوبر 2023، وتحول في سبتمبر 2024 إلى حرب شاملة، وأسفر عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص وإصابة نحو 17 ألفا آخرين.وفي خرق للاتفاق تواصل إسرائيل احتلال 5 تلال لبنانية في الجنوب استولت عليها في الحرب الأخيرة، ما يضاف إلى مناطق لبنانية أخرى تحتلها منذ عقود.

ترتيبات المرحلة الثانية
ومن جهة أخرى أعلنت حركة حماس أنّ وفدا قياديا رفيعا التقى رئيس المخابرات العامة المصرية حسن رشاد في القاهرة، أمس الأول الأحد، لبحث اتفاق وقف إطلاق النار وتطورات الأوضاع في قطاع غزة.
وضمّ الوفد رئيس المجلس القيادي للحركة محمد درويش، وأعضاء المجلس خالد مشعل وخليل الحية ونزار عوض الله وزاهر جبارين، إضافة إلى عضو مكتبها السياسي غازي حمد.وقالت الحركة في بيانها إن المحادثات ركّزت على ترتيبات المرحلة الثانية من الاتفاق، وعلى تقييم الوضع في غزة في ظل الظروف الميدانية الراهنة.
كما ناقشت الحركة مع المسؤولين المصريين سبل تثبيت المرحلة الأولى، مؤكدة التزامها بتطبيقها بالكامل، وإصرارها على وقف الخروقات عبر آلية واضحة ومحددة تتمّ برعاية ومتابعة الوسطاء.وتطرّق الوفد أيضا إلى ملف مقاتلي رفح، إذ أوضحت الحركة أن الاتصال مع مجموعة من مقاتليها المحاصرين في شبكة أنفاق شرق رفح، ضمن مناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية، قد انقطع. ويعمل الوسطاء على إيجاد آلية لمعالجة هذا الملف.

بالتوازي، أعلنت وزارة الخارجية المصرية أنّ الوزير بدر عبد العاطي أجرى اتصالًا هاتفيًا مع رئيس مجلس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تناول ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير وتمكين قوة تثبيت الاستقرار الدولية من أداء مهامها.
وجاءت هذه التحركات في سياق اتفاق وقف النار الذي كان قد جرى التوصل إليه في وقت سابق بوساطة مصرية وأمريكية وقطرية، قبل أن تلتحق تركيا بجهود الوساطة عقب حرب مدمّرة استمرت سنتين.وقد استند الاتفاق حينها إلى خطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي نصّت في مرحلتها الأولى على وقف العمليات العسكرية والإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين في قطاع غزة وتسليم جثث المتوفين منهم، مقابل الإفراج عن اسرى فلسطينيين وإعادة جثامين من الجانب الفلسطيني. كما تضمنت تلك المرحلة انسحابات إسرائيلية من مناطق مأهولة في القطاع، إلى جانب إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة.
ورغم دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ منذ أربعة وأربعين يومًا، تواصل إسرائيل تنفيذ غارات على مناطق مختلفة من غزة، إذ أفادت مصادر ميدانية بمقتل ما لا يقل عن 24 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 80 آخرين في قصف استهدف مواقع مدنية. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد قتلت إسرائيل 339 فلسطينيًا منذ بدء تطبيق الاتفاق.
وكانت حماس وفتح قد اتفقتا العام الماضي على تشكيل لجنة إدارية فلسطينية مستقلة، تضم شخصيات غير منتمية لأي فصيل، لتولّي إدارة غزة مؤقتًا بعد انتهاء الحرب. وبحسب خطة ترامب التي حظيت مؤخّرًا بتأييد مجلس الأمن، يُفترض تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية بمشاركة خبراء دوليين لتسيير الشؤون اليومية للقطاع، إلى جانب قوة استقرار دولية تكلّف حفظ الأمن ومراقبة وقف إطلاق النار، فضلًا عن "مجلس سلام" يشرف على تنفيذ الخطة برئاسة ترامب.

 

المشاركة في هذا المقال