Print this page

بين حرب الإبادة ومخاطر الوصاية في غزة 20 ألف طفل استشهدوا و650 ألف آخرين يقفون على حافة الموت البطيء

تستضيف بروكسل محادثات بشأن إعادة الإعمار والأمن والحوكمة

في غزة في وقت يتواصل فيه نزيف حرب الإبادة رغم وقف اطلاق النار، والأطفال هم الضحية الأولى لجرائم الاحتلال . ففي الوقت الذي يقف فيه العالم للاحتفال بيوم الطفل العالمي ،يقدّم قطاع غزة صورة مغايرة تماما، صورة تختلط فيها أصوات الانفجارات بصراخ الأطفال وسط واقع مأساوي غير مسبوق. فالتحديثات الصادرة عن المكتب الإعلامي والمكتب الحكومي في غزة، ترسم ملامح واحدة من أعنف المآسي التي تطال الأطفال في العصر الحديث، وتؤكد أن مايجري إبادة جماعية مكتملة الأركان تستهدف الصغار حتى وهم أجنة .

وبحسب التقرير، تجاوز عدد الأطفال الذين فقدوا حياتهم منذ بدء الحرب 20 ألف طفل، في حصيلة تعد، وفق المكتب الإعلامي، الأكبر في العالم خلال القرن الحالي ضمن صراع واحد. ولا تقف المأساة عند هذا الرقم ، إذ تشير المعطيات إلى استشهاد أكثر من ألف طفل تقل أعمارهم عن عام واحد، في دلالة صادمة على شدة الاستهداف الذي يطال الرضع تحديدا. كما ولد مئات الأطفال خلال الحرب ولم يمهلهم القصف أو الحصار سوى أيام معدودة، إذ تجاوز عدد الرضع الذين وُلدوا واستشهدوا خلال هذه الفترة 450 رضيعا. وتأتي هذه الوقائع بالتوازي مع وفاة 154 طفلا بسبب الجوع الناجم عن الحصار ومنع دخول الغذاء وحليب الأطفال، إضافة إلى 14 طفلا توفوا من شدة البرد داخل مخيمات النزوح التي تفتقر لأي وسيلة تؤمّن الدفء أو الحماية.
وتكشف الأرقام المعلنة عن جانب آخر لا يقل مأساوية، يتمثل في الإصابات الدائمة التي لحقت بالآلاف من الأطفال. فقد أصبح أكثر من 864 طفلا من مبتوري الأطراف نتيجة القصف المباشر، في موجة تعد الأكبر من نوعها في تاريخ فلسطين المعاصر. كما يواجه أكثر من 5200 طفل خطر الموت في أي لحظة بسبب حاجتهم إلى إجلاء طبي عاجل، في ظل ما يصفه التقرير بأنه منع متعمّد لوصول العلاج وتنقل المرضى، ما يجعل خيارات بقائهم على قيد الحياة محدودة للغاية.
وفي موازاة خطر القصف والإصابات، تبرز أزمة الجوع باعتبارها معضلة وجودية تهدد حياة مئات الآلاف من الأطفال. فوفق المكتب الإعلامي، يقف نحو 650 ألف طفل على حافة الموت البطيء نتيجة نقص الغذاء الكامل، وسط ما وصفه التقرير بأنه “هندسة تجويع متعمّدة” تحرم الأطفال من القوت الأساسي اللازم لبقائهم. ويواجه أربعون ألف رضيع مصيراً أكثر قسوة، إذ يفتقرون إلى حليب الأطفال بشكل شبه كامل، ما يجعل حياتهم معلّقة على مساعدات إنسانية لا تصل، ومسارات إغاثية عاجزة عن كسر الحصار.
كما يشير التقرير إلى كارثة اجتماعية آخذة في الاتساع، تتمثل في موجة اليُتم التي خلفتها الحرب. فقد أصبح أكثر من 56 ألف طفل بلا أحد الوالدين أو كليهما، يعيشون في ظروف قاسية لا توفر لهم مأوى ثابتا ولا حماية ولا بيئة آمنة. ويؤكد المكتب الإعلامي أن هؤلاء الأطفال يواجهون صدمة نفسية جماعية سترافقهم طويلاً، في ظل غياب أي منظومة قادرة على تقديم الدعم النفسي أو الرعاية اللازمة لهم.
وحمّل المكتب الإعلامي الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الجرائم المرتكبة بحق الأطفال، داعياً المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة واليونيسف وجميع الهيئات الحقوقية إلى التحرك العاجل لوقف ما يجري، وتأمين ممرات إنسانية لإدخال الغذاء والدواء، والسماح بالإجلاء الطبي الفوري للآلاف من المرضى والجرحى. كما طالب بفتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات التي تطال الأطفال، وضمان محاسبة المسؤولين عنها أمام العدالة الدولية.
وهكذا يأتي يوم الطفل العالمي في غزة مختلفا تماما عن أي مكان آخر في العالم، يوم لا يحمل أي ملامح للاحتفال أو الأمل، بل يعكس واقعا يموت فيه الأطفال جوعا وبردا وتحت الحصار والقصف، في مشهد تلخّصه كلمات التقرير: ''غزة تعيش اليوم الأكثر قسوة في تاريخ الطفولة، حيث تُمحى حقوق الأطفال من الوجود، وتبقى حياتهم معلّقة بين الموت والنزوح والجوع''.
الاحتلال يعتقل 1630 طفلا من الضفة
من جانبها قالت مؤسسات فلسطينية تُعنى بشؤون الأسرى، أمس الأربعاء، إن "إسرائيل" اعتقلت خلال عامين أكثر من 1630 طفلا من الضفة الغربية بما فيها القدس، والعشرات من قطاع غزة، وأشارت لمقتل طفل في السجون الإسرائيلية.
جاء ذلك في بيان مشترك لكل من نادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لحقوق الإنسان (غير حكومية)، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير (حكومية)، بمناسبة يوم الطفل العالمي الذي يصادف 20 نوفمبر من كل عام.
وأشار البيان إلى أن الطفل وليد خالد أحمد من بلدة سلواد بمحافظة رام الله وسط الضفة الغربية، "استشهد داخل سجن مجدو في مارس 2025، بعد تعرضه للجوع وسياسات الحرمان والتنكيل".وذكر أن المؤسسات الحقوقية سجلت أكثر من 1630 حالة اعتقال لأطفال في الضفة بما فيها القدس.
وأوضح البيان أن الاحتلال اعتقل عشرات من أطفال غزة خلال الحرب (التي استمرت عامين )، وتعرضوا لـ"جرائم منظمة وعمليات إخفاء قسري ومنع من الزيارات، ما حال دون معرفة عددهم الدقيق، في دلالة على اتساع دائرة الاستهداف للأطفال".وأشار كذلك إلى وجود 350 طفلا معتقلا حاليا بينهم طفلتان، يعيشون في ظروف "تتناقض تماما" مع المعايير الدولية الخاصة بحماية القاصرين، ويواجهون "جرائم التعذيب والتجويع والجرائم الطبية، وعمليات السلب والحرمان الممنهجة، إلى جانب العزل الجماعي" .وأضاف أنّ "الاحتلال يمارس تدميرا جسديا ونفسيا ممنهجا بحق الأسرى الأطفال".
وأكد أن مستوى الانتهاكات ارتفع "بشكل غير مسبوق" منذ بدء الحرب، في ظل "استهداف واسع للطفولة الفلسطينية عبر الاعتقال والقتل والإخفاء القسري ومنع الزيارات وحرمان الأطفال من التعليم".وأوضحت أن الأطفال المعتقلين جرى اقتِيادهم خلال الاقتحامات، ومن الحواجز والشوارع، وأحيانًا من المدارس ومحيطها، دون أي إجراءات قانونية تراعي سنّهم أو حقوقهم الأساسية.ووفق البيان، "تم توثيق شهادات حديثة لأطفال محررين قالوا إنهم تعرضوا للضرب المبرح والعزل وسوء المعاملة منذ لحظة الاعتقال الأولى".
وأشار إلى أن "الغالبية الساحقة من الأطفال واجهت شكلا واحدا على الأقل من التعذيب الجسدي أو النفسي، في انتهاكات تتعارض مع القانون الدولي وكافة الاتفاقيات المتعلقة بحماية الطفل".
توسيع"المنطقة الصفراء"
من جهة أخرى أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أمس الخميس، أن الجيش الإسرائيلي وسع "المنطقة الصفراء"، وبات يحاصر عشرات العائلات الفلسطينية.
وقال المكتب، في بيان: "لم يكتف الاحتلال المجرم بالمجزرة التي ارتكبها أمس، مستهدفا بالقصف مدينتي غزة وخان يونس، والتي راح ضحيتها 25 شهيدا".وأضاف أن "منهم أسرة كاملة مُحيت من السجل المدني، وأب وأطفاله الثلاثة، ورجل وزوجته، وعشرات الجرحى بعضهم في حالة الخطر".
وارتكبت ''إسرائيل'' هذه المجزرة رغم وقف لإطلاق النار بدأ سريانه في 10 أكتوبر الماضي، إذ تخرقه يوميا ما خلّف مئات القتلى الجرحى.المكتب الإعلامي تابع: "لم يكتف الاحتلال بهذه الجريمة، فقام باعتداء جديد وخرق فاضح لقرار وقف إطلاق النار، بالتوغل في المنطقة الشرقية من مدينة غزة".وأوضح أن الجيش قام "بـتغيير أماكن تموضع العلامات الصفراء، بتوسيع المنطقة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال بمسافة 300 متر في شوارع الشعف والنزاز وبغداد".
ويفصل "الخط الأصفر" بين مناطق انتشار الجيش الإسرائيلي، والبالغة أكثر من 50 بالمائة من مساحة القطاع شرقا، والمناطق التي يسمح للفلسطينيين بالتحرك فيها غربا.
وأردف المكتب أن الجيش حاصر "عشرات العائلات التي تقطن هذه المناطق ولم تستطع الخروج بعدما فوجئت بتوغل الدبابات".وتابع أنه "لم يتسن معرفة مصير العديد من هذه العائلات في ظل القصف الذي استهدف المنطقة".وقال إن "هذه الجرائم المتواصلة تمثل استخفافا واضحا من الاحتلال بقرار وقف إطلاق النار، وتضاف إلى نحو 400 خرق تم رصدها منذ دخول القرار حيز التنفيذ".
وزاد بأن هذه الخروقات "أودت بحياة أكثر من 300 شهيد وخلفت مئات الجرحى، وفاقمت الأوضاع الكارثية التي يعيشها أبناء شعبنا في المساحة المحدودة المتبقية من قطاع غزة".وشدد على ضرورة "إلزام الاحتلال بتنفيذ التزاماته، وفي مقدمتها وقف جرائمه ضد شعبنا، والسماح بإدخال الاحتياجات المعيشية بكل أنواعها، سواء أكانت غذائية أو إيوائية أو صحية أو للبنى التحتية".وانتقد "العجز الدولي أمام جرائم الاحتلال وتنصله من مسؤولياته والتزاماته".
وطالب المكتب الإعلامي "الوسطاء والضامنين للاتفاق، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي ترامب، بالقيام بواجبهم والتحرك الجاد لوقف هذه الجرائم".كما طالب بـ"لجم تغول الاحتلال، وإلزامه باتفاق وقف إطلاق النار والبروتوكول الإنساني، بما يضمن حماية شعبنا ويضع حدا للاعتداءات المتواصلة".وتعد مصر وقطر وتركيا جهات ضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار بغزة، حيث يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني في أوضاع كارثية.
مخالفو خرائط اتفاق غزة
من جهتها اتهمت حركة حماس، أمس الخميس، ''إسرائيل'' بارتكاب "خرق فاضح" بمواصلتها إزاحة الخط الأصفر باتجاه الغرب في مخالفة لاتفاق وقف الحرب في غزة، ما يتسبب بنزوح جماعي للفلسطينيين في القطاع.
جاء ذلك في بيان صدر عن متحدث الحركة حازم قاسم، تعقيبا على توسيع الجيش الإسرائيلي "المنطقة الصفراء"، ومحاصرته عشرات العائلات الفلسطينية، وفق ما أكد بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.وأوضح قاسم أن "الاحتلال يرتكب خرقًا فاضحًا بعمله المستمر على إزاحة الخط الأصفر بشكل يومي باتجاه الغرب، وما يصاحب ذلك من نزوح جماعي لشعبنا".
وأشار إلى أن "هذا التغيير على الخط الأصفر يخالف الخرائط المتفق عليها في اتفاق وقف الحرب".كما دعا الوسطاء للضغط على إسرائيل لوقف هذه الخروقات فورًا.ويفصل "الخط الأصفر" بين مناطق انتشار الجيش الإسرائيلي، والبالغة أكثر من 50 بالمائة من مساحة القطاع شرقا، والمناطق التي يسمح للفلسطينيين بالتحرك فيها غربا.
من جهتها حذرت مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساواة وإدارة الأزمات حاجة لحبيب من تسييس المساعدات المقدَّمة إلى قطاع غزة واستخدامها كأداة عسكرية، لافتة إلى أن ''إسرائيل'' لا تسمح إلا بدخول كمية ضئيلة من المساعدات إلى غزة.

وأشارت لحبيب في كلمتها خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المنعقد في بروكسل، الخميس، إلى التدهور المستمر للوضع الإنساني في القطاع.وقالت: "ما زال وضع المساعدات الإنسانية في تدهور. يعاني الفلسطينيون من البرد والجفاف والجوع بعد الفيضانات الأخيرة ومع اقتراب أشهر الشتاء".وأكدت أن إمدادات المساعدات اللازمة من الاتحاد الأوروبي جاهزة على الحدود، ولكن إسرائيل لا تسمح إلا بدخول كمية ضئيلة منها إلى غزة.وشددت على ضرورة أن يكون توزيع المساعدات "محايدا ومتوافقا مع القانون الإنساني الدولي".وأضافت: "يجب ألا تُسيَّس المساعدات المقدمة إلى غزة أبدا، ويجب ألا تُستخدَم كأداة عسكرية".
حرمان فلسطينيّي الضفة الغربية من العودة
في الأثناء خلص تقرير جديد صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن ''إسرائيل'' ارتكبت جرائم حرب خلال هجومها البري في الضفة الغربية مطلع العام الجاري، بعدما مُنع عشرات الآلاف من الفلسطينيين النازحين من العودة إلى مناطقهم عقب انتهاء الأعمال القتالية.
ولا يزال عشرات الآلاف من الفلسطينيين عاجزين عن العودة إلى منازلهم في الضفة الغربية المحتلة منذ أن شنّ الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية هناك مطلع هذا العام.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن الاحتلال ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية برفضه السماح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم منذ توقف الأعمال العدائية.
في جانفي، نفّذت القوات الإسرائيلية عمليات عسكرية واسعة النطاق في عدة مناطق من الضفة الغربية، بما في ذلك مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين، حيث أجرت هيومن رايتس ووتش بحثها.ورغم مرور وقت طويل على توقف الأعمال القتالية، لا يزال نحو 32 ألف فلسطيني عاجزين عن العودة، بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش بعنوان "كل أحلامي قد مُحيت".وأضافت: "لا يوجد أي مبرر لمواصلة إغلاق هذه المخيمات أمام النازحين".

وأجرى الباحثون مقابلات، كما حلّلوا لقطات جوية لمخيمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين لتقدير حجم الأضرار وحركة النزوح. وبموجب اتفاقية جنيف، لا يمكن تهجير السكان قسرًا إلا إذا فرضته ضرورات عسكرية قاهرة أو كان ضرورياً لضمان سلامة المدنيين.
كما تنص الاتفاقية على ضرورة تأمين ممرات آمنة للمدنيين، وضمان وصولهم إلى الغذاء والماء، وإتاحة عودتهم فور انتهاء الأعمال العدائية.ويشير تقرير هيومن رايتس ووتش إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية لم تتخذ الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك خلال العمليات العسكرية في جنين وطولكرم ونور شمس.
وجاء في التقرير أن "جميع السكان الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم تعرضوا للإذلال وشعروا بالخوف خلال إبعادهم قسرا عن منازلهم، وعدم قدرتهم على جمع ممتلكاتهم، وعدم يقينهم مما إذا كان سيسمح لهم بالعودة أو متى قد يحدث ذلك".

 

المشاركة في هذا المقال