أو جدران تُعاد طلاؤها، إنها الذاكرة في أقصى تجلياتها المادية، والوعي الجماعي حين يتجسّد في المكان. وما قامت به المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بولاية تونس خلال سنة 2025 ليس فقط تخصيص مؤسسات لفائدة وزارة الشؤون الثقافية، بل إعادة صياغة لعلاقة المواطن بثقافته، وللمكان بوظيفته الرمزية في إنتاج الجمال والمعرفة.
أمام ضرورة تجديد الفضاءات الثقافية وتدعيم البنية التحتية للثقافة في تونس، سعت المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بولاية تونس تحت إشراف عماد المديوني خلال سنة 2025 إلى إعادة الاعتبار للمؤسسات الثقافية وصيانة مقراتها وإعادة تهيئتها بما ينسجم مع الدور الحيوي الذي تلعبه في الحياة المجتمعية.
مؤسسات تم تخصيصها لفائدة الوزارة
في قلب العاصمة التونسية، تحتاج العديد من المؤسسات الثقافية إلى حراك عميق لا يقتصر على الصيانة والترميم بل يتجاوزهما نحو مشروع وطني لإعادة هندسة الفضاء الثقافي ذاته. وبالرغم من الملفات المعقدة والشائكة، فقد عملت المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بولاية تونس خلال سنة 2025 على مسارين متوازيين: تسوية الوضعيات العقارية من جهة، وتهيئة البنية المادية للمؤسسات من جهة أخرى. خلف هذا الجهد الذي راهن عليه المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بتونس عماد المديوني، تكمن رؤية فكرية عميقة تتمثل في أن تكون المؤسسات الثقافية محمية قانونيا وماديا، وأن تتحول المؤسسات إلى فضاءات حية تنبض بالفعل الإبداعي. ويتجاوز تخصيص دور الثقافة وغيرها لفائدة وزارة الشؤون الثقافية كونه أكثر من إجراء إداري إذ هو ضمان استمرارية المرفق الثقافي كحق جماعي لا يزول بتغير الأشخاص أو السياسات.
وقد شرعت المندوبية في تنفيذ خطة واسعة لتسوية الوضعيات العقارية للمؤسسات الثقافية ضمن برنامج وزارة الشؤون الثقافية لسنة 2025، بهدف إحكام التصرف في هذه الفضاءات وضمان جاهزيتها المستدامة. وقد شملت العملية عددا من دور الثقافة، من بينها دار الثقافة البحر الأزرق بالمرسى ودار الثقافة ابن زيدون بالعمران، ومبنى "دار الجمعيات" سابقا بسيدي حسين، ضمن المخطط التنموي الوطني للفترة 2026–2030.
كما واصلت المندوبية جهودها لتسوية الوضعيات العقارية للمؤسسات الثقافية التي كانت في المرحلة الأخيرة من إحراءات التخصيص، وهي : دار الثقافة ابن خلدون، دار الثقافة ابن رشيق، والنادي الثقافي الطاهر حداد، ودار الثقافة السيلمانية، ودار الثقافة العاشورية.
وقد تم إعداد وإحالة ملفات التخصيص الكاملة إلى الإدارة الجهوية لأملاك الدولة والشؤون العقارية قصد تخصيص العقارات المذكورة لفائدة وزارة الشؤون الثقافية.
دور ثقافة على خط التهيئة
في مسحة شاملة على جل المؤسسات الثقافية بولاية تونس، من المنتظر أن تشمل أشغال التهيئة إثر التقدم في مسار تسويتها العقارية كل من دار الثقافة باب العسل، ودار الثقافة باب سويقة، ودار الثقافة سيدي حسين، ودار الثقافة حلق الوادي. وقد تم انجاز البرامج الوظيفية لأشغال التهيئة وأحيلت إلى المجلس الجهوي بتونس.
أما المؤسسات التي تم فتح طلب عروض الأشغال المبرمجة بها، فكانت هدم وإعادة بناء دار الثقافة قرطاج الياسمينة. وبعد إحالة الاعتمادات إلى المجلس الجهوي بولاية تونس ستنطلق الأشغال.
ولادة جديدة للفضاءات الثقافية
في مساع لتجديد الحياة في الفضاءات الثقافية إلى جانب التسوية العقارية، أطلقت المندوبية حزمة من مشاريع الصيانة والتهيئة استعدادا للموسم الثقافي الجديد. وقد شملت الأشغال صيانة الركح والفضاء الخارجي، وتغيير الأبواب والنوافذ، وتجديد الشبكات الكهربائية ودورات المياة، ومعالجة الرطوبة في الجدران والأسقف، فضلا عن تهيئة المساحات الخلفية وتحسين مسالك الولوج الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.... ومن أبرز المؤسسات التي استفادت من هذه الأشغال دار الثقافة حي الزهور، ودار الثقافة ابن رشيق، ودار الثقافة باردو، ودار الثقافة قمرت، ودار الثقافة حيّ الطيران ... إضافة إلى تهيئة دار الثقافة عين زغوان وتحويلها إلى فضاء جديد للأنشطة الصيفية.
في عمق هذه التدخلات التي قامت بها المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية، تكمن أهمية تتجاوز البعد المادي للصيانة والترميم. فحين تُرمَّم دار الثقافة أو تُسوّى وضعيتها القانونية، فذلك يعني حماية الوعي الجماعي من التآكل، وإعادة تمكين الثقافة من ممارسة دورها الطبيعي كمجال حي للحرية والتعبير.
إنّ تخصيص المؤسسات الثقافية وتهيئتها وصيانتها في تونس اليوم، هو التزام ووعد بأن تبقى الثقافة قلب المدينة النابض، لا هامشها الصامت.