"سينما جميل" بالمنزه السادس أبوابها نهائيا بعد أكثر من ثلاثة عقود من العطاء. إعلان وداع مقتضب على صفحتها الرسمية على شبكة "فايسبوك"، كان كفيلا ليثير في صفوف عشاق الفن السابع شعورا بالحسرة والأسف.
دون الكشف عن خلفيات قرارها المفاجئ، ودّعت قاعة "سينما جميل" جمهورها معلنة عن طيّ "صفحات جديدة مليئةٌ بالعواطف والذكريات من أفلام وضحكات ونقاشات ولقاءات... "
قاعة السينما اليتيمة في ولاية أريانة
في سنة 1992 تأسست قاعة "سينما جميل" في منطقة "المنزه 6" على يد صاحبها علي صولة، وظلت على مدى ثلاثين عاما فضاء حيا نابضا بالفن السابع وبالحياة في تونس الكبرى. تمثل "سينما جميل" قاعة السينما الوحيدة في ولاية أريانة، وكانت شاشتها تجتهد في عرض الأفلام التونسية والعالمية واستقبال عشّاق الصورة والحكاية.
مثل كثير من القاعات في تونس، لم تصمد قاعة "سيني جميل" أمام الأعاصير الاقتصادية التي عصفت بالقطاع الثقافي في السنوات الأخيرة. ويبدو أنه أمام تراجع المداخيل، وارتفاع تكاليف التشغيل، وغياب السياسات العمومية الكفيلة بدعم هذه الفضاءات ... كان قرار الغلق اضطرارا لا خيارا.
ولئن لم يكشف صاحب قاعة "سيني جميل" عن الأسباب التي دفعته لغلق قاعته، فمن المرجح أن أزمة اقتصادية كانت وراء هذا القرار المؤسف وشديد الوقع على أحباء السينما.
ليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها قاعة سيني جميل عن الإغلاق النهائي لأبوابها، فقد سبق أن قامت القاعة نفسها عن إيقاف نشاطها بصفة نهائية سنة 2023 عقب تداعيات أزمة كورونا، قبل أن تُعاد الحياة إليها لفترة قصيرة في شهر أفريل من نفس السنة في حفل افتتاح حضرته وقتها وزيرة الشؤون الثقافية السابقة حياة قطاط القرمازي وغنى فيه الفنان الملتزم ياسر جرادي.
ولا تقف قصة "سينما جميل" عند حدود المنزه السادس. ففي مختلف الجهات، تتساقط القاعات تباعا، من العاصمة إلى المدن الداخلية، لتبقى تونس اليوم بعدد محدود من دور العرض التي تحاول الصمود وسط موجة من التحوّلات الرقمية واللامبالاة الجماعية.
إنّ غلق قاعة سينما لا يعني فقط فقدان مكان، بل هو خسارة لذاكرة جماعية، وللحظات دهشة أولى أمام الشاشة الكبيرة، وهو إفراغ للمدينة من فضاءاتها الثقافية أمام اكتساح المحلات والمطاعم والمقاهي وثقافة الاستهلاك لشوارعها وساحاتها... فلن يعود وجه المنزه 6 جميلا بلا "سيني جميل".