Print this page

مع استمرار دورة الأسعار المرتفعة الآثار الاجتماعية الوجه للآخر للتضخم

يقول بول فولكر رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي سابقًا

"لا يوجد شيء يزعزع الاستقرار الاجتماعي أكثر من التضخم المستمر" فللتضخم عدة تمظهرات منها المالي والنقدي والاقتصادي والاجتماعي أيضا.

كان التضخم في السنتين الأخيرتين السمة الغالبة على كل السياسات والإجراءات نظرا لأثاره العميقة اقتصاديا واجتماعيا فقد تأثرت الأسعار وأصبحت في مستوى مرتفع رغم تباطؤ مستوى ارتفاعها من فترة إلى أخرى. فما كان يمكن شراؤه بمبلغ معين أصبح اليوم بكلفة أعلى لتفقد النقود قيمتها وتتآكل. وتراجع قيمة العملة تخلق فجوة بين طبقات المجتمع، وهنا تبرز الآثار الإجتماعية للتضخم لتتسع الفجوة بين الناس فالأجراء والفئات الهشة تراجعت مقدرتهم الشرائية شيئا فشيئا بسبب ارتفاع تكلفة الأكل واللباس والسكن والخدمات بمختلف أصنافها بينما ازدادت ثروة أصحاب العقارات خاصة وبدرجة اقل المهن الصغرى. وتظهر بيانات المعهد الوطني للإحصاء تطور أسعار السكن والطاقة المنزلية ب 3.5% وهي نسبة معدل 9 أشهر 2024 و2025.

كما ارتفعت أسعار الملابس والتغذية والصحة والنقل وهي من العناصر الأساسية في احتساب التضخم.
إن ارتفاع الأسعار والشعور بالإحباط خاصة في صفوف الشباب يزيد من عمليات الهجرة وهو ما شهدته تونس فقد أظهرت نتائج التعداد العام للسكان والسكنى 2024، التي أفصح عنها معهد الإحصاء،أن تونس سجلت أعلى مستوى لمعدلات الهجرة الخارجية خلال الفترة الممتدة ما بين 2019 و2024، إذ غادر البلاد 156,497 شخصاً مقابل 65.927 ألف فقط ما بين عامَي 2009 و2014. وكشفت نتائج التعداد أيضا عن أن الشباب ما بين 20 و34 عاماً هم أكثر المغادرين، وأغلبهم من الإناث بنسبة تصل إلى 33.9% في صفوف الفئة العمرية المتراوحة ما بين 25 و29 عاماً. وشملت الهجرة كافة الفئات بمختلف مستوياتهم التعليمية. ويؤدي ارتفاع الأسعار إلى تأجج الاحتجاجات الاجتماعية
ففي نهاية 2023 اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ تصدّر المطالب الاقتصادية لقائمة التحركات لا يأتي فقط كرد فعل على السياسات الاقتصادية الراهنة، ولكن كنتيجة متوقعة ضمن سياق هشاشة الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها فئات عدة بالبلاد، وتصدّع الحقوق المهنية .
وتشكل الاحتجاجات العمالية والنقابية المنظمة، المرتبطة بتطبيق الاتفاقيات العالقة وتحسين ظروف العمل وتسوية الوضعيات المهنية وصرف المستحقات المالية من أجور وحوافز، أكثر من نصف التحركات الاجتماعية المرصودة على امتداد السداسي الأول لسنة 2025.
أما في الثلاثي الثالث من العام الحالي وفي تقريره قال المنتدى أن الهشاشة المهنية تفاقمت وازداد الشعور بعدم الأمان الاقتصادي والاجتماعي، وشكلت التحركات المهنية المطالبة بتفعيل الاتفاقيات العالقة وتسوية الوضعية المهنية والقطع مع العمل الهش والترسيم وصرف المستحقات والرواتب والحق في تشغيل المعطلين عن العمل من حاملي الشهائد وتحسين ظروف العمل وتدعيم الموارد البشرية أكثر من 55% من جملة التحركات التي شهدها الربع الثالث للعام.

إن للتضخم آثار اقتصادية أيضا من تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع مداخيل الإنتاج الأمر الذي يؤثر في الإنتاج الصناعي الذي يعد احد أعمدة الاقتصاد التونسي وكذلك الفلاحة والخدمات كما تتراجع قيمة الصادرات التونسية. ويتأثر الادخار الوطني فقد سجل البنك المركزي تراجعا ملحوظا للادخار في 2023 بنسبة 26% وتباطأ النسق في 2024 ليبلغ 8.6%. بالإضافة إلى تأثر النمو الإقتصادي نتيجة ضعف الاستهلاك والاستثمار
ومازالت حالة عدم اليقين المحيطة بآفاق النمو الاقتصادي والتضخم على الصعيد العالمي عالية جراء تداعيات التوترات التجارية المستمرة بين الاقتصاديات الكبرى و ُمراجعة التعريفات الجمركية. ومن شأن ذلك أن يغذي الضغوط التضخمية وأن يعيق مواصلة مسار التيسير النقدي.

المشاركة في هذا المقال