Print this page

الدبيبة يلوّح بالحرب.. تسليم السجون والمنافذ أو مواجهة الدولة هل تستعد طرابلس لمواجهة عسكرية؟

في تطور جديد شهده المشهد الليبي المتقلب وجه رئيس حكومة

الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، رسالة واضحة إلى "المجموعات المسلحة" التي تسيطر على عدد من المرافق السيادية في غرب البلاد، مطالبا إياها بتسليم السجون والمنافذ البرية، والامتثال للقوانين الوطنية والدولية محذرا من أن الاستمرار في تجاوز سلطة الدولة سيقود إلى مواجهة حتمية .وجاءت تصريحات الدبيبة خلال اجتماع أمني موسّع، وحملت لهجة غير مسبوقة، تعكس تصاعد التوتر بين الحكومة المركزية وبعض التشكيلات المسلحة التي تنشط خارج إطار الشرعية، رغم إعلان ولائها الاسمي للسلطات في طرابلس.

الدبيبة، الذي طالما سعى- وفق متابعين- إلى تجنب المواجهة المباشرة مع هذه الجماعات، اختار هذه المرة أن يرسم "خطا أحمر"، في ما اعتبره مراقبون تحوّلا في استراتيجية الحكومة من التهدئة إلى الحسم التدريجي.
وقال رئيس الحكومة إن "الدولة لن تبقى رهينة مجموعات مسلحة ترفض تسليم السجون التي تُرتكب فيها انتهاكات، وتسيطر على المنافذ الحدودية خارج القانون"، مشددا على أن "الفرصة لا تزال متاحة للحل السلمي، ولكن زمن التساهل انتهى".

خلفية الصراع
تسيطر على العاصمة طرابلس وضواحيها عدة تشكيلات عسكرية وأمنية تتفاوت ولاءاتها وانضباطها، وتحتفظ بنفوذ فعلي على الأرض في مجالات الأمن والسجون والمنافذ وحتى القرار السياسي. وعلى الرغم من اندماج بعضها اسميا ضمن وزارة الداخلية أو الدفاع، إلا أن الواقع الميداني يكشف عن شبكة معقدة من المصالح والولاءات.
ويُعد ملف السجون من أكثر القضايا حساسية، حيث وثقت منظمات دولية انتهاكات جسيمة في معتقلات خارجة عن رقابة الدولة. كما أن المنافذ البرية، خاصة في الغرب الليبي، تحوّلت إلى مراكز لجباية غير قانونية وتهريب للبشر والبضائع.
يرى محللون أن الدبيبة بات يشعر بأن نفوذه مهدد، خاصة مع ضغوط دولية متزايدة لكبح جماح المليشيات، وايضا مع تراجع الثقة الشعبية في قدرة الدولة على فرض القانون. ويأتي هذا التصعيد في وقت تحاول فيه البعثة الأممية إعادة إحياء المسار السياسي المجمد، وسط تسريبات عن قرب تشكيل حكومة جديدة أو مجلس موحد يقود المرحلة الانتقالية.

وفي هذا السياق، قد تكون تصريحات الدبيبة جزءا من محاولة لفرض واقع جديد على الأرض قبل الدخول في أي تسوية سياسية قادمة، لا سيما أن أي عملية انتقالية لن تكتب لها الشرعية دون سيطرة الدولة على السلاح والمرافق السيادية.
رغم اللهجة القوية،يرى محللون أن السؤال المطروح هو هل تملك حكومة الوحدة، التي تعتمد في جزء من أمنها على هذه التشكيلات المسلحة، القدرة الفعلية على مواجهتها عسكريا؟ أم أن خطاب الدبيبة أقرب إلى ورقة ضغط سياسية للتفاوض من موقع قوة؟.
بعض المراقبين يرون أن أي تحرك ضد المجموعات المسلحة سيواجه تحديات هائلة، في ظل غياب جيش موحد، والانقسام الجغرافي والمؤسسي الذي تعاني منه البلاد منذ 2014. ومع ذلك، فإن مجرد إصدار هذا التهديد العلني يُعد تطورا قد يفتح الباب لصدامات داخل طرابلس، أو يعيد خلط أوراق التحالفات المحلية.
موقف المجتمع الدولي
اللافت أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، لم يصدر حتى الآن رد فعل واضح على تصريحات الدبيبة، ما يعكس ربما مراقبة حذرة لمسار الأحداث، وانتظار ما إذا كانت هذه التهديدات ستُترجم إلى خطوات عملية، أم ستظل في إطار التصعيد الخطابي.
وتمثل تصريحات عبد الحميد الدبيبة نقطة تحول في علاقة حكومة الوحدة الوطنية بالمجموعات المسلحة في غرب ليبيا. لكن ما إذا كانت هذه الرسالة ستؤدي إلى تفكيك فعلي لهذه التشكيلات، أم أنها ستدفع نحو مواجهة دامية، يبقى رهين مدى جدية الحكومة في فرض سيادتها، وقدرتها على حشد دعم داخلي وخارجي لمشروع الدولة المدنية.

المشاركة في هذا المقال