Print this page

مستشار ترامب يدعو إلى إنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا رسائل أمريكية تتجدد في ظل تعثر الحل السياسي

في خضم الانسداد السياسي المستمر الذي تعيشه ليبيا تعود واشنطن

مجددا إلى التأكيد على ضرورة الخروج من الحالة الانتقالية التي طال أمدها منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011. هذه المرة، جاءت الرسائل من أحد الأصوات الجمهورية البارزة، حيث دعا مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية، بشكل صريح إلى "إنهاء المرحلة الانتقالية" باعتبارها "عبئا على استقرار ليبيا".

هذه التصريحات، وإن بدت على السطح كمجرد مواقف سياسية تقليدية، تحمل في طياتها رسائل متعددة الأبعاد، خاصة مع تزايد التوترات الأمنية في الغرب الليبي، وتعثر المسار الدستوري والانتخابي، واحتدام الصراع بين الحكومتين المتنافستين في طرابلس وبنغازي.

انتخابات أو فوضى

وفي تصريحات صحفية شدد المستشار بولس على أن الانتخابات الرئاسية هي "الطريق الوحيد" لحل الأزمة، معتبرا أن "المرحلة الانتقالية أصبحت عبئا لا يمكن تجاوزه إلا عبر عملية اقتراع شفافة تُرضي جميع الأطراف وتعكس إرادة الشعب الليبي".

ووفق محللين يعد صدور هذه الدعوة في هذا التوقيت مؤشرا على رغبة داخل بعض دوائر القرار في واشنطن، لدفع الملف الليبي باتجاه إنهاء الوضع الراهن الذي يغذّي الانقسامات والتجاذبات الداخلية والخارجية.كما لفت المستشار إلى أن عدة وفود ليبية زارت العاصمة الأمريكية مؤخرا، في إشارة إلى تحركات سياسية خلف الكواليس تُعقد بالتوازي مع التحركات الأممية والدولية.

انتخابات مؤجلة وهشاشة الوضع الأمني

منذ فشل تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر 2021، بسبب خلافات قانونية وسياسية حول شروط الترشح دخلت البلاد في فراغ سياسي جديد، زاد من تعقيده وجود حكومتين متنافستين هما حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، التي ترفض تسليم السلطة قبل إجراء انتخابات. والحكومة المكلفة من مجلس النواب، بقيادة فتحي باشاغا سابقا، ثم أسامة حماد، والمدعومة من الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وأدّى هذا الانقسام إلى شلل مؤسساتي، وتعطيل المسارات السياسية، وخلق بيئة أمنية هشة خاصة في الغرب الليبي حيث تتقاسم السيطرة مجموعات مسلحة متناحرة.
ولطالما طفت على السطح التحذيرات الدولية من احتمال انهيار الوضع الأمني ، لكن الأحداث الأخيرة في العاصمة طرابلس أعادت المخاوف إلى الواجهة. فقد شهدت المدينة اشتباكات دامية انتهت بمقتل عبد الغني الككلي المعروف بـ"غنيوة"، قائد جهاز دعم الاستقرار التابع لحكومة الدبيبة، في تطور اعتُبر ضربة موجعة لتركيبة السلطة الأمنية في الغرب.
وتزامنت هذه التطورات مع تحذير المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هنا تيتيه، خلال إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن، من أن "الهدنة في غرب ليبيا لا تزال هشة"، وأن أي تصعيد قد يُدخل البلاد مجددا في دوامة العنف والفوضى.
ورغم دعم المجتمع الدولي الظاهري لإجراء الانتخابات، إلا أن تعدد المبادرات وتضارب الأجندات بين الفاعلين الدوليين والإقليميين ساهم في تعقيد المشهد. فالمسارات التي رعتها الأمم المتحدة عبر المبعوث السابق عبد الله باتيلي، ثم خلفه، لم تسفر حتى الآن عن توافق نهائي حول القاعدة الدستورية أو الإطار الزمني لإجراء الانتخابات.
وفي الوقت ذاته، تشهد الساحة الليبية تنافسا بين قوى دولية مثل الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والإمارات ومصر، ما يجعل من كل تحرك دبلوماسي أو أمني جزءا من لعبة النفوذ الإقليمي أكثر من كونه دعما حقيقيا للحل الليبي.

إلى أين تتجه ليبيا؟

في ظلّ هذا المشهد المتشابك تبقى الدعوة الأمريكية إلى إنهاء المرحلة الانتقالية عبر الانتخابات، مطالب مشروعة لكنها غير كافية إذا لم تترافق مع ضغط دولي موحّد على الأطراف الليبية للقبول بقاعدة دستورية واضحة. وتفكيك المليشيات أو على الأقل إعادة هيكلتها تحت مظلة الدولة. بالإضافة إلى ضمانات أمنية لسلامة العملية الانتخابية، بما فيها إشراف دولي فعال.
إذ يؤكد خبراء أن دعوة مستشار ترامب الأخيرة ليست حدثا عابرا، بل تعكس عودة أمريكية –للتذكير بأن بقاء الوضع على ما هو عليه لم يعد مقبولًا. لكن دون إرادة ليبية داخلية موحّدة، وضغط دولي فعّال، ستبقى الانتخابات مجرد شعار يتكرر على المنابر دون أن يجد طريقه إلى صناديق الاقتراع.

المشاركة في هذا المقال