بل كأصوات تنطق بالهوية حين يصبح الطبخ حكاية تُروى للعالم . في العاصمة البرتغالية لشبونة، اعتلت ملاك العبيدي منصة التتويج وهي ترفع العلم التونسي وتردد "تحيا تونس". فقد نال كتابها "سُفرة الشمال "" La Table du Nord جائزة أفضل مؤلف في العالم عن الطبخ لسنة 2025 ضمن جوائز Gourmand Awards
في قصر المؤتمرات بالعاصمة البرتغالية لشبونة، لم يكن المشهد عاديا. كانت القلوب تخفق، والأعين تترقّب.. وفي لحظة إعلان الجائزة، صعدت التونسية ملاك العبيدي بثقة ودمعة فخر تلمع في عينيها لتتسلم جائزة أفضل مؤلف في العالم عن الطبخ لسنة 2025.
المطبخ سفير للوطن
لم تحمل ملاك العبيدي معها إلى لشبونة كتابا عاديا، بل حملت ذاكرة مطهية على نار الهوية، ووصفات تنطق بوصايا الجدّات وتروي تاريخ جهة الشمال ببهاراته ونكهاته وروائحه.
في كتابها "سُفرة الشمال"، الصادر بالفرنسية في طبعة أنيقة خلال جانفي 2024، والذي يقدم مختارات من الوصفات التونسية التي تقدم الموروث الغذائي التونسي لجهة الشمال، في مسابقة جمعت مشاركين من 82 بلدا يتمتعون بصيت كبير ومستوى عال في مجال الطبخ. لم تقدّم الفائزة بجائزة أفضل مؤلف في العالم عن الطبخ مجرد وصفات طعام، بل رحلة توثيق وبحث وحب، وقصة وفاء وحنين إلى الأصول والجذور.
لقد أثمرت مجهودات ملاك العبيدي كتابا من 400 صفحة، لكن ما بين السطور أكثر من مجرد وصفة... لتصبح ثقافة الغذاء في تونس نكهة جديدة على موائد العالم.
درست ملاك العبيدي التجارة في فرنسا تحقيقا لحلم عائلتها، لم تنسَ حلمها الحقيقي، فعادت من مدينة ليون بعد دراسة فن الطبخ، لتغوص في تراث الشمال التونسي وتُصدر كتابا راقيا في محتواه وشكله، يجمع بين الوصفات والتاريخ والهوية.
جربة، نكهات الجزيرة".. تاريخ على مائدة الطعام
على وقع تصفيق ثقافات العالم في السويد ، وتحديدا في سنة 2023، كان كتاب "جربة، نكهات الجزيرة" قد فاز بـالجائزة الأولى في مسابقة عالمية لأفضل كتاب طبخ يروّج للسياحة.
لم يكن هذا الكتاب أيضا مجرّد كتاب طهي، بل وثيقة حبّ واعتراف بجمال التفاصيل الصغيرة التي تصنع الذاكرة الجماعية لجربة، تلك الجزيرة التي تجمع في نكهتها بين دفء الجنوب وعبق المتوسط.
وهذا الكتاب، الصادر بالفرنسية، هو الأوّل من نوعه في تونس، إذ يركّز بالكامل على توثيق التراث الغذائي لمنطقة واحدة، في عمل فني وإنساني تقاطع فيه الطبخ بالهوية وبالوجهة السياحية. جمع هذا الكتاب 30 وصفة تقليدية عبر بحث ميداني استمر 9 أشهر، شارك فيه أكثر من 200 شخص، بينهم 4 من أشهر الطهاة.
ومن رحم جزيرة جربة التي لا تشبه إلا نفسها، خرجت إلينا أكلات ربما لا يعرفها إلا الجربيون الأصليون:الأرز الجربي"، "عصبان الهجالة"، "الثريد"، "الكسرة مرفوسة"، "شكشوكة النفاس"، "عصيدة باليازول"...
ولأنّ الثقافة هي الوجه الأجمل لأي بلد، فقد أثبت التونسيون أنّ النكهات قادرة على فعل ما لا تفعله السياسة أحيانا لتقول ببساطة: "هذه حضارتنا، وهذه أطباقنا، وهذه بلادنا الأحلى والأغلى."