للمجلس الأعلى للدولة، بعد قبولها الطعون المقدمة ضد حكم محكمة استئناف طرابلس، الذي كان قد أعاد طرح اسم النائب ناجي تكالة في الواجهة.هذا الحكم أنهى فصلا من الصراع المؤسساتي، لكنه لا يلغي الانقسام السياسي العميق الذي يخيّم على المشهد الليبي منذ سنوات.
ويرى مراقبون أن تثبيت المشري على رأس المجلس قد يفتح الباب أمام مشاورات تشكيل حكومة موحدة، وهو ما أكده المشري نفسه، بإعلانه عن لقاء مرتقب مع عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بالإضافة إلى عدد من "الأطراف المؤثرة" في الداخل الليبي. وانطلقت دعوات جديدة من قوى سياسية واجتماعية في مصراتة، نحو ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة موحدة، ودعت بعثة الأمم المتحدة والدول الفاعلة إلى تحديد مسار سياسي واضح المعالم ينتهي بإطلاق حكومة تمثّل الليبيين كافة، وتُمهّد لانتخابات عامة عاجلة.وتأتي هذه الدعوات وسط حالة من الجمود السياسي وغياب رؤية موحدة لإدارة المرحلة، الأمر الذي زاد من هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي، وعمّق الهوة بين الحكومتين المتنافستين في الشرق والغرب.
انقسامات داخلية ومواقف متضاربة
وفي خضم الحديث عن التوافق، خرج مجلس شيوخ قبائل الطوارق ليُعلن تبرّؤه من الوفد الذي اجتمع مؤخرًا مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، مؤكدًا أن "الوفد لا يمثلهم".هذا البيان يعكس الهوة العميقة بين مكونات الجنوب الليبي والحكومة في طرابلس، ويطرح تساؤلات حول قدرة أي حكومة قادمة على نيل رضا الأقاليم الثلاثة (طرابلس – فزان – برقة).
من جهة أخرى، دخلت حكومة أسامة حماد على الخط، متهمة رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بـ"تجاوز الصلاحيات"، بعدما خاطب الأخير رئيس مجلس النواب بشأن الموازنة العامة، في ما اعتبرته الحكومة "ابتزازًا سياسيًا وماليًا"، و"خرقًا لمبدأ الفصل بين السلطات".
وفي ظل انسداد الأفق الداخلي، عاد الجدل حول فعالية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.فخلال اجتماع النائبين الرئاسيين، موسى الكوني وعبدالله اللافي، مع فريق المراجعة الإستراتيجية التابع للبعثة، جرى التأكيد على ضرورة صياغة رؤية أممية جديدة تنسجم مع تعقيدات المرحلة، وتراعي خصوصيات الواقع الليبي بدلًا من الحلول المستوردة.
لكن في مقابل ذلك، أصدرت كتلة التوافق الوطني بمجلس الدولة بيانا طالبت فيه الأمين العام للأمم المتحدة بـ"إعادة هيكلة كاملة للبعثة"، معتبرة أن دورها "لم يعد فاعلًا"، ما يعكس تآكل الثقة في الوساطة الأممية، ويدفع نحو مطالبة الليبيين بـ"ملكية كاملة للمسار السياسي".
ويعيد الحدث القضائي الأخير بحسم رئاسة المجلس الأعلى لصالح خالد المشري ترتيب أوراق المعادلة السياسية، لكنه لا يكفي وحده لإذابة الجليد بين الأطراف المتنازعة.فالتباين في المواقف – من مصراتة إلى الجنوب – وغياب رؤية موحدة للسلطة التنفيذية، يعقّد مهمة تشكيل حكومة موحدة، حتى وإن توفرت الإرادة السياسية.أما البعثة الأممية، فهي اليوم أمام اختبار وجودي جديد: إما أن تُعيد صياغة دورها، أو أن تتراجع فعليًا إلى الهامش، تاركة الداخل الليبي لمصيره المعقد.
يرى مراقبون أن المفتاح الحقيقي لأي تسوية سياسية في ليبيا يبقى في يد الليبيين أنفسهم، ما لم يستمر كل طرف في انتظار ضوء أخضر خارجي، قد لا يأتي أبدا.
مشاورات معلّقة
ويرى محللون أنه على الرغم من حديث خالد المشري عن قرب تشكيل حكومة موحدة، إلا أن مؤشرات الأرض لا توحي بانفراج سريع. خاصة وأن احتمالية بروز مبادرات موازية أو تحركات احتجاجية واردة، خاصة في ظل التردي المعيشي والأمني هناك.
ولعل السيناريوهات المحتملة خلال الأشهر المقبلة هي أولا تشكيل حكومة توافقية برعاية دولية: قد يُفضي التقارب بين المشري وصالح إلى حكومة موحدة، برعاية أممية وعربية، لكن بقاء الدبيبة في المشهد قد يعرقل التنفيذ وفق مراقبين. ثانيا إعادة تفعيل مبادرة "الانتخابات أولًا": ربما تدفع بعثة الأمم المتحدة – بعد إعادة هيكلتها – نحو صيغة ترتكز على تنظيم انتخابات عامة، على أن تُؤجل مسألة الحكومة الموحدة، لكن هذا يتطلب إطارا دستوريا متفقًا عليه. ثالثا تجدد الانقسام وعودة المواجهات المسلحة.
تقف ليبيا اليوم أمام لحظة مفصلية فالمؤسسات تتنازع الشرعية، والمكونات الاجتماعية تطالب بالشراكة، والبعثة الأممية عاجزة عن تحريك المياه الراكدة . ووفق خبراء فإن الرهان على حل ليبي خالص لا يزال قائما، لكنه يحتاج إلى إرادة شجاعة، وقرارات غير شعبوية، ودور دولي عادل غير منحاز.