Print this page

أربعينية صوت مسرح التجريب: أنور الشعافي ... اسم من نور لا ينسحب!

رحل أنور الشعافي، لكنه لم يغادر المسرح.هو الآن في كواليس الضوء

في صمت الخشبة، في نظرات الممثلين وهم يستعدّون للمشهد الأول. لا يموت المبدعون، بل يصعدون إلى عوالم أعلى، حيث الخشبة أكبر، والضوء أصفى، والسرد أبقى.

بين مسقط رأسه مدنين وقاعة الفن الرابع بالعاصمة، كانت أربعينية أنور الشعافي مناسبة لإحياء سيرة فنان امتدت على ثلاثة عقود من التجريب والتجديد.

" ورقيات مسرحية" نشرة وفاء وذكرى

لم يكن أنور الشعافي اسما عابرا على ركح الفن الرابع. كان من أولئك الذين تترك خطواتهم ظلالا طويلة،الذين ينتمون إلى المدرسة التي ترى في المسرح فعلا مقاوما، وطريقة نضال.وهكذا، يأتي تكريمه في عدد خاص من نشرية "ورقيات مسرحية" التي يصدرها مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين،عن منشورات دار خريف للنشر، ليكون أكثر من وقفة تأبينية بل هو استعادة لماكان، وتوثيق لما سيظل.تضم النشرية،الممتدة على 128 صفحة، أربعة عشرنصًا كتبها مسرحيون ونقّاد ورفاق درب، قرأوا في مسيرة الشعافي الفكرية والجمالية،وجعلوا من هذا الإصدار مرآة لإنسان تفرّد بمقاربته، واختار التجريب دربًا شاقًّاومضيئًا في آن. كما تضم النشرية حوارًا مع الراحل أجراه الصحفي نور الدينبالطيب، ونصًا لعائلته، ومقتطفات من مقالات صحفية أرّخت لتجربته الغنية. يُفتتح العدد بسيرة ذاتية تسلّط الضوء على أبرز محطات هذا الرجل الذي آمن أن المسرح لا يليق به الثبات. من تخرجه من المعهد العالي للفن المسرحي عام 1988، إلى تأسيس فرقة مسرح التجريب بمدنين سنة 1989، إلى إطلاقه المهرجان الوطني لمسرح التجريب عام 1992، كان الشعافي في كل مرحلة يرج السائد، ويفتح كوة نحو مسرح لا يخضع.تقلد عدة مناصب، من بينها إدارة مركز الفنون الدرامية بمدنين، والإدارة العامة لمؤسسة المسرح الوطني من 2011 إلى 2014. لكنّ الأهم أنه ظلّ في كل محطة حاملا لرؤية، لا لوظيفة.في رصيده مسرحيات شكلت محطات فارقة، مثل "رقصة السرو"، "عود رمان"،"ترى ما رأيت"، "أو لا تكون"، "هوامش على شريط الذاكرة"، و"كابوس أينشتاين"... أعمال لا تتكرّر ولا تشبه غيرها، لأنها ببساطة كانت تشبهه هو: متمرّدا، متسائلا، مفتونا بالتجريب ومخلصا للجمال المركّب.
شهادات عن رجل لا يُختزل

في انعكاس لمرآة لفكره التحرّري. لم يكن أنور الشعافي يبحث عن إجماع، بل عن تحريك الجمود، عن إخراج المسرح من قمقمه الأكاديمي ومن عباءة التكرار. لذلك لم يكن تلميذا للمدرسة بلناقدا لها، ولم يكن تابعا للسائد بل صانعا لممكن جديد. كان أنور الشعافي يؤمن بأن"المسرح و خيال رحب لا يستكين للمسلّمات الجمالية، وتاريخ المسرح هو تاريخ هدم وتقويض. ولا بد من نزع صفة القداسة عن الآباء المؤسسين ذلك أن الانحناء للقواعد القديمة يجعل المشهد المسرحي مستنسخا من بعضه بعضا". وهذا ما أكده المشاركون في العدد التكريمي الذي ساهم فيه عدد من الأسماء الوازنة في الساحة المسرحية والثقافية، على غرار: جمال شندول، معز مرابط، منصور الصغير، انصاف بن حفصية، منير العرقي، فوزية بلحاج المزي، بوكثير دومة، زهير بن تردايت، سمير عتيقي، عبد العزيز الغزال، غازي الزغباني، كمال العيادي، محمد الباشا، وحاتم مرعوب... وهي شهادات حيّة تعكس مكانة الشعافي كأستاذ ومُؤطّر ومُلهم لأجيال.لم يكن حضوره محصورا في تونس، بل صار اسمه يتردد في المهرجانات العربية، كواحد من رموز التجديد المسرحي، ومن القلائل الذين فتحوا النوافذ بدل إحكام الأبواب. كان حضور أنور الشعافي في قاعة العرض حضورا مهيبا وفريدا، جلسته بين الحضور كانت تتسم بالتركيز العميق والانتباه، حيث كان يتابع كل حركة على الخشبة، يراقب التفاصيل بدقة الفنان الناقد والمبدع.
لم يكتب أنور الشعافي سيرة مسرحية فقط، بل سيرة مقاومة. لم يقدّم عروضا عابرة، بل لحظات فنيّة تعيش في الذاكرة. رحل الجسد، وبقي أثره يتردّد على الخشبة، كصدى لا يُمحى، وكمسرح لا ينطفئ .

المشاركة في هذا المقال