Print this page

حوار: مهذب الرميلي ل"المغرب" : نعاني من ازمة وعي وعلى المثقف ان يكون مسيّسا بالضرورة

فنّان متمكن من شخصياته المسرحية والدرامية،

متلوّن وصادق في الاداء، مثقف له القدرة على تفكيك الشخصيات واعادة استقرائها وله القدرة على اقناع الجمهور قدم شخصيات درامية أثارت الكثير من الجدل، هو "فتحي" في النوبة و"الصاروخ" في الحرقة و"ابو عبد الله" و"سيدي الداموس" في رقوج و"عطيل" في مسرحية "عطيل وبعد"، فنان يؤمن بضرورة تحمّل المبدع للمسؤولية تجاه بلده.
المغرب التقت الممثل والاستاذ مهذب الرميلي وكان الحوار بخصوص اخر تجاربه الفنية ورؤيته لفن المسرح وتصريحاته المثيرة للجدل.

 قدمت في الدراما الرمضانية شخصية "سيدي الداموس" كيف تشكلت هذه الشخصية؟

للأمانة في البداية رفضت الشخصية، وقتها التصور العام للملامح موجود لكن ليست مكتوبة نهائيا، "الداموس" مطروحة لكن غير مكتوبة كاملة، لم اتحمّس لها في البداية اوّلا لان مساحة الظهور قليلة، وثانيا لم يكن لدي فكرة واضحة على مكونات هذه الشخصية، وبعد عامين من الغياب اعود بشخصية ضعيفة لم استلطف المسالة، عبرت على احترازي وعدم حماسي.
ثم قدم لي عبد الحميد بوشناق الطرح وبقينا على تواصل وكل مرة اشاهد القليل من ملامح الشخصية إلى ان تورطت فيها، الشخصية لم تعد مجرد سحار او مشعوذ، بل هو تجسيد للشر"انا الشيطان الي فيكم"، الشر الموجود فينا جميعا، لذلك تورطت فيها وقبلتها كفكرة وبدأت التعامل معها.
طريقة عملي بسيطة، لا افكر في التركيبة النفسية او الجسدية للشخصية، يهمني كيف تفكّر، لاني اؤمن ان اختلافنا في العالم هو اختلاف رؤية وتفكير، والرؤية نتاج لتراكمات حياتية، لذلك احاول فهمها، واطرح سؤال كيف تنظر للعالم؟واتباناها، ووصلت لفكرة ان "الداموس" يرى الشر حقّ، مهما كانت الشخصية حين اقرر لعبها أتبنى افكارها لتكون حقيقية، يهمني ان اتمكن من الشخصية وكيف ترى العالم، واتبنى رؤيتها، أتعامل معها بكل الحب، نفسيا منطقة خطيرة جدا، ومهنيا لا ادخل في مساومات، في "الشخصية" حلقت راسي تماما وهي المرة الاولى التي افعلها، يهمني ان اكون في الصورة التي تقولها الشخصية.لان الممثل فدائي يقدم إحساسه ومهجته وجسده للشخصية هدية تتصرف فيها، سيدي الداموس هو من تصرف في وعيي وأفكاري.
في بناء الشخصية هناك مشاهد كثيرة تلاعب الثعابين؟ هل هي حقيقية؟

نعم هي حقيقية، في الواقع اخاف من العقرب والثعبان، وتعرضت لموقفين فيهم ثعابين الاول تصوير فيلم قصير الشخصية تقتل الثعبان ثم تشويه وتأكله، وقت التصوير لا اعرف من اين جاءت تلك الشجاعة لانجاز المهمة، المرة الثانية في "سيدي الداموس"، حين جاء المروض بالثعابين (غير سامين لأنهم يعيشون في الوديان)، في آخر لحظات حين أتى المروّض ليمدني بالثعابين، سمعت عبد الحميد يقول له "اعطني إياهم، تأكد من انهم غير سامين، ثم قدمهم لي" حركة أثرت في كثيرا، تكشف مدى حبّ عبد الحميد لكل الفريق.
خضت تجارب مختلفة مع عبد الحميد بوشناق كيف كانت؟
اجواء التصوير مع عبد الحميد استثنائية جدا، أجواء عائلية، في "النوبة" اول لقاء معه، وفي اول اجتماع سلّم عليّ باسم "سي فتحي" وهو اسم الشخصية، في "النوبة" كان الممثلين يحضرون لأجواء التصوير، الجميع نشعر ان العمل ملك لنا ، اجواء حماسية وكل مشهد وكأنه حلبة صراع فيها الكثير من التشجيع، وعبد الحميد بوشناق له أسلوب بيداغوجي رهيب يجمّع حوله الكل، ويشعر كل ممثل او تقني أن العمل ملك للمجموعة، وانه جزء من العائلة، ثم تجربة "كان ماكانش" الشخصية استثنائية في قالب كوميدي ثم "رقوج" هناك علاقة فنية مميزة تبنى مع عبد الحميد بوشناق، فنان محترم جدا وهناك صفاء عليه تبنى العلاقة المهنية والإنسانية.
الى جانب الطرح العميق والمسؤولية، فالفعل الفني مسؤولية تاريخية ووطنية و"رقوج" سلط الضوء على قضايا البلاد من الوضع العام الى الوجيعة والحلم.
من وجهة نظرك هل للعمل الفني مسؤولية و رسائل وليس فقط انجاز مسلسل ينتهي مع نهاية الموسم الرمضاني؟
انجاز الفن للفن نظرية "حمقاء" حسب رأيي، لان الفن مسؤولية، بالضرورة يجب أن يبقى الأثر، لان الفن فعل قصدي، هو سلاح حضاري، الفن سلاح حقيقي، ربما لا يغيّر العمل من عقلية او منظومة ولكن يجب ان ينجز الأثر بكل مسؤولية، مثلا يكفيني في "سيدي الداموس" ان المتفرج يتساءل عن نسبة الشر داخله، ويحاول مراجعة ذاته.
جميل أن نواجه أنفسنا بحقيقتنا، من الجميل أن نعترف ان داخلنا شر وعنف ونخرج من البرج العاجي، الصمت عنف، استقلالية المواطن اليوم تجاه الشأن العام امر سلبي، علاقتنا مع البلاد وعدم الانتماء والفردانية امر سلبي، وهي مواضيع طرحت في مسلسل "رقوج"، على المواطن أن يكون واعيا ولا يكتفي بالشاغل اليومي، نحن شركاء في هذا الوطن ويجب ان ننتقل من مرحلة الشعب إلى المواطنة ويعود المواطن لدوره الحقيقي ولا يصمت تجاه القضايا الكبرى هذه بعض الرسائل المؤثرة قدمت في المسلسل.
الفعل الفني يتحمل المسؤولية الاكبر لان الرسالة حين تصل في نسق درامي تكون أكثر فاعلية وتاثيرا فالمواطن يندمج مع الشخصيات لذلك العمل الدرامي مسؤولية او لا يكون.

كيف كانت بداياتكم مع المسرح؟ هل خضت تجربة المسرح المدرسي؟

لا اذكر لي تاريخا قبل المسرح، طفولتي، كنت أمسرح نصوص القراءة واعرضهم امام المعلمين وفي حفلات اخر العام يقدمون لي مساحة لتقديم بعض المواقف التمثيلية، وحين كبرت عرفت انّ ما قدمته اسمه "تماثلية المواد" ثم في الثانوية انتقلت الى صفاقس واكتشفت الجمعيات الثقافية، كنت محظوظا لان في صفاقس العديد من الجمعيات الثقافية ويؤطرها ابناء الفرقة القارة اذكر سي مصطفى الزغيدي وسي مصطفى التركي، لكل جمعية جمهورها وممثليها القارين، والممثلين الهواة كنا نسمى باسم الجمعية، في الحقيقة ولرغبتي في التغيير والاكتشاف كنت اقضي الموسم مع جمعية ننجز عمل نقدمه في عروض ومناطق عديدة ثم اهرب الى أخرى في الموسم الاخر، واتذكر صديقا اسمه عبد الوهاب الجربي سماني بلقيط المسرح لانّني لا انتمي لجمعية واحدة.
في سن مبكرة مع مجموعة من زملائي أسسنا مجموعة سميناها مجموعة "الركح" لا تنتمي الى اي فضاء، وكنت أقوم بالمقايضة مع دار الثقافة، انشّط متطوعا ومجانا مقابل يسمحون لنا بالتدرّب في القاعة وحين يُنجزُ العمل، ندعوا رؤساء الجمعيات الثقافية وكثيرا ما تختار احداها العمل لتأشيره ويعرض باسمها، ففتحنا سوق للعرض المسرحي دون سابق دراية.
بعدها دخلت الى المعهد العالي للفن المسرحي وكنت الطالب النجيب، حاولت التركيز طيلة السنوات الاربع ركزت في الدراسة وللأسف لم أشارك في اي عمل فني مثل زملائي وبعد التخرج وجدتني غريبا عن الساحة الفنية لان المخرجين لا يعرفونني، انطلقت وحدي ودخلت الى التنشيط والورشات في تكوين الممثل ثم بدات التجربة حتى بدات اتعرّف على الساحة الفنية من جديد، اول مسرحية "قلبو ابيض" من اخراجي.

اليوم تدرّس مادة التربية المسرحية؟ ما الذي تحاول ايصاله لتلاميذك؟
درست في أكثر من معهد، أحاول تلقيحهم من المغالطات الفنية والقشور، أعلمهم الفن نبيل ورسالة وفعل مواطني، الفن سلطة، أحرضهم ايجابيا ليكونوا فنانين حقيقيين، احاول تحقيق بعض الاهداف مع تحمل مسؤوليتي تجاه ابنائي، بذرة الانسان ازرعها في أبنائي، هناك نسب نجاح محترمة، العام الفارط 5من تلاميذي توجهوا تخصصات فنية وهذا مهم، في السنوات الاخيرة معهد العمران أصبح وكانه منبت يحضر أبناءه للمعاهد العليا للفنون، والآن تلاميذي يخوضون تربص مع طلبة المعهد العالي للفن المسرحي ، وبعد اعوام سأرى ابنائي في الساحة الفنية حتما.
خضت تجارب في المسرح والسينما والتلفزة ايها الاقرب اليك؟
المسرح طبعا هناك علاقة وجدانية، علاقة حبّ وتناص، ما الحب الا للحبيب الاول، في المسرح هناك الكثير من التعري والقوة، الوقوف على الخشبة امام الجمهور يصنع علاقة خاصة، المسرح هو المساحة الفاصلة بين الباث والمتقبل تلك التفاعلية تشحن الفنان، المسرح حالة انسانية بأخطائه وجمالياته وارهاقه، في السينما هناك الحرية المسئولة ثم التلفزة هي بوابة الجمهور العريض، لولا التلفزة لما عرفني الجمهور العريض، وحين ذهبت للتلفزة طوّعت المسرح، والاختلاف بينهم فقط في تقنيات الاداء.

اخر أدوارك في المسرح شخصية "عطيل" في مسرحية "عطيل وبعد" اخراج حمادي الوهايبي كيف كانت الرؤية لاحدى اشهر شخصيات شكسبير؟
محظوظ جدا أني قدمت الشخصية ، لعب عطيل فرصة لا تتاح كثيرا، شخصية مرجع، تستحق المغامرة والجميل إعادة الكتابة للشخصية، "عطيل وبعد" قراءة نقدية لعطيل شكسبير، كأننا نقول لشكسبير ان النموذج العربي الذي قدمته لنا ليس الحقيقي، سلبي عنيف تم استدعائه للحرب فانتصر دون أن يحارب، وبعد وشاية من ياغو قتل زوجته، وحين عرف الحقيقة انتحر؟ البطل العربي سلبي عنيف ومتسرّع، بينما أعدنا ترتيب الحكاية وإعادة قراءة التاريخ وانتصرنا للحب في "عطيل وبعد" وما شجعني على الشخصية هو القراءة المعاصرة لها.

هل هناك عمل مسرحي جديد؟

هناك مختبر سيتم فتحه قريبا، مع مجموعة منتقاة جدا من الممثلين تصور حول "الممثل المطرب" سنبحث فيها، والمطرب هنا ليس المغني بل كيف تطربني تمثيلا، كيف يصل الأداء التمثيلي لدرجة الطرب، بحثت فيه نظريا وقريبا سننطلق في التجربة التطبيقية.

كيف يقرئ مهذب الرميلي المشهد المسرحي التونسي؟

هل سنتحدث عن المسرح التونسي، ام المسرح في تونس، يبدو لي منذ نشأة المسرح في تونس أننا حاولنا أن نؤسس لمسرح في تونس أكثر من تأسيس مسرح تونسي قلبا وقالبا، من خلال استنباط بعض التجارب والخيارات الجمالية والفنية والمرجعيات الغربية، وهناك تجربة واحدة في تونس حاولت الاشتغال على مسرحة المسرح التونسي هي تجربة مسرح الأرض لنور الدين الورغي، وبقية كل التجارب مسرح في تونس.
المسرح التونسي في فترة ما اخذ الريادة في العالم العربي، لكن السنوات الاخيرة ظهرت بعض التجارب تنافس المسرح التونسي على غرار التجربة الكويتية والعراقية والجزائرية وبعض التجارب الشبابية المصرية.
يبدو لي في السنوات الأخيرة دخل المسرح التونسي في عملية اجترار جمالياته وطرحه، وكانه يعيد نفسه، أحيانا توجد طفرة في التجارب الشبابية لكن دون التاسيس لمنهج حقيقي ومسرح بديل يكفر بكل التجارب السابقة.


تحدثت كثيرا عن المتفرج الواعي؟ كيف يتشكّل هذا الوعي حسب رأيك؟
يتشكل بإرادة حقيقية لخلق ثقافة الفرجة، على سبيل المثال جل المدارس فيها مادة التربية المسرحية ومعاهد الفنون كذلك في كل المندوبيات، لو التلميذ يشاهد مسرحية كل عام حسب فئته العمرية، بوصوله للباكالوريا سيجد نفسه شاهد 15مسرحية، بالضرورة ستخلق لديه عادة الفرجة، لكن لم تخلق بعد العادة والدربة لأنه لا وجود لاستراتجيات واضحة.
ولا وجود لإرادة حقيقية لخلق ثقافة الفرجة، الأمر يتطلب فقط التنسيق بين وزارتي التربية والثقافة، المشكلة أساسا عدم الوعي بآلية الفعل الثقافي، والمسالة تبدأ من أعلى هرم السلطة، للأسف مازال السياسي من حيث لا يعلم ومن حيث لا يعي يخاف من وعي المواطن.

العلاقة بين الثقافة والسياسة، كيف يراها مهذب الرميلي؟
يقول أفلاطون "لا خير في امة لم يتفلسف حكامها أو لم يحكمها فلاسفتها" باعتبار أن الفلسفة أم الثقافة والمعرفة، وبالضرورة يجب أن يكون المثقف أو المبدع عارفا بالسياسة، لدينا أزمة وعي، بالضرورة المثقف يجب أن يكون له رؤية سياسية، لا يمكن للمبدع أن يكون محايدا من الشأن العام، الفنان مسيّس بالضرورة ومتحزّب بالمصلحة، وللمثقف مسؤولية اكبر من السياسي، ، لان السياسي مؤقت بينما المبدع والفنان دائم، برنامج السياسي مدته وجيزة ربما مدة انتخابية بينما المبدع يعمل على أجيال متلاحقة.

اغلب تصريحاتك اثارت الجدل الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي والاعلامي؟

للأسف تعرضت للكثير من الثلب والتهديدات بسبب ثلاث معارك كبرى:
الأولى حين قدمت عبير موسى( متضامن معها اليوم) للندوة الصحفية للمسرحيين، تمت دعوتها وصعدت على المنبر وبدأت تقدم دروس في الفن وتقدم في البرنامج الثقافي لحزبها، آنذاك رفضت وجودها لأننا نقدم الفن لا السياسة وتعرضت للهرسلة الكبيرة والتهديدات.
المعركة الثانية في أحداث غزة حين صرحت "هل مقدساتهم اهمّ من مقدساتنا" واعني ما اقول، وقلت أنها حرب دينية بالأساس، وخطابات "ناتانياهو" اليوم تثبت انها حرب دينية، فمشروع صفقة القرن محوره الأساسي تهويد القدس.
دعوت الى منعهم من دخول التراب التونسي وكل الفضاءات الدينية اليهودية الموجودة في بلداننا العربية وتحدثت فقط عن الاجانب وليس على اليهود التونسيين، تحدثت عن الوارد الاجنبي لكن التصريح شوّه.
المعركة الثالثة، مهنية انتصرت فيها لمهنتي كأستاذ وانتصرت فيها لوزارتي وزملائي، حين أخطئت إحدى التلميذات بفيديو سبّ وبسببه تم عزل أطراف معينة، وقتها من واجبي اتخاذ إجراء قانوني لحماية بقية التلاميذ وقامت الدنيا آنذاك وتعرضت للكثير من الثلب ولكنني حاولت حماية بقية تلاميذي والحفاظ على القيمة الاعتبارية للاستاذ.

 

 

المشاركة في هذا المقال