وحتى أسماء الأنهج والساحات...؟ لماذا تلهج الألسن بتعداد أسماء الرجال الأبطال وتنسى تضحيات مقاومات تونسيات خاطرن بحمل المؤونة ورفع السلاح والالتحاق بالمقاومة...؟ أما الآن الأوان لإنصاف ذاكرة نسائية مغيبة ومنسية؟ يبدو أن الكتاب الجديد للكريديف "مناضلات تونسيّات: مسارات استثنائية في تاريخ الحركة الوطنية (1881- 1961)" قد ثأر أخيرا للمرأة وأنصف ذاكرتها المتناثرة في غياهب النسيان...
احتفاءً بالمرأة التونسية في عيدها الوطني، أطلق مركز البحوث والدّراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة -كريديف- إصداره الجديد لسنة 2024:"مناضلات تونسيّات: مسارات استثنائية في تاريخ الحركة الوطنية (1881- 1961)" تحت إشراف وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ.
سيرة 50 امرأة ... مناضلة
على جبهة القتال وقفت نساء تونس بكل شراسة وشجاعة من أجل فداء الوطن بالدم والروح، ولكن في المقابل يتمّ تغييب هؤلاء المناضلات عن الذكر كمصدر للفخر شأنهم شأن الرجال الأبطال. وفي سياق جهوده في حفظ الذاكرة النّسائية وتوثيقها ضد النسيان والتجاهل، أصدر مركز البحوث والدراسات والتّوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) كتاب "مناضلات تونسيّات: مسارات استثنائية في تاريخ الحركة الوطنية (1881- 1961)".
وعن هذا الكتاب المرجعي، أفادت الدكتورة ثريا بالكاهية المديرة العامة للكريديف أنّ "كتاب "مناضلات تونسيّات" يمثل مدوّنة تاريخية تضمّ خمسون بيوغرافيا لمناضلات تونسيات، وهنّ عيّنة تمثيلية للنّساء المنخرطات في معركة التحرير الوطني في البلاد التّونسية في الفترة الاستعمارية واللّواتي اخترقن الفضاء العام وفرضن حضورهنّ الفاعل في مساندة المقاومة ودعمها.وتعدّدت الأشكال النضالية لتتراوح بين نقل المؤونة الى الثوار ودعمهم والمشاركة في المظاهرات واعتصامات الجوع وحمل السّلاح ورفعه في وجه المستعمر. بل قمن في أحد المظاهرات باستخراج دمائهنّ واعتمادها كحبر لكتابة الشّعارات. لقد اندفعت النّساء نحو النّضال، دون تردّد ونستحضر على سبيل المثال لا الحصر ردّة فعل فاطمة النيفر حين أخبرها زوجها عن نيته في الالتحاق بعناصر المقاومة فقالت:" أنا كيفك انت...انت جاهد في الجبل وأنا تلقاني معاك في الأرض."لتنقل صورة واضحة عن استعداد المرأة للخروج للنّضال مخترقة كلّ الشروط التي تفرضها عليها بيئتها. "
مناضلات قبل الاستقلال وبعده
أمام شحّ المصادر وندرة المراجع المتعلّقة بفترة دخول مقاومة القبائل التونسية للاستعمار، تمّ تسليط الضوء في الإصدار الجديد للكريديف على مختلف المسارات التاريخية النضالية للنساء التونسيات ومشاركاتهنّ في معركة التحرير الوطني بين 1881 و1961. وفي هذا السياق أكدت المديرة العامة أنّ "حضور المرأة قد تجسد في المسار النّضالي الميداني في هذه المدوّنة منذ العشرينات. وتأكّد في الثلاثينات مع أوّل ظهور علني للمرأة بمشاركتها في أحداث أفريل1938. وتعتبر فترة الكفاح المسلّح منذ الأربعينات من الفترات الأكثر حراكا نضاليا بظهور تنظيم "الفلاقة" الذي انتشر في كامل الجهات التونسية وتمخّضت عنه العديد من المظاهرات والثورات مثل "ثورة المرازيق" وهي من اكثر المعارك شدّة في الجنوب التونسي بين سنة 1943 و1944. وقد تحصلنا على سير نساء بارزات مشاركات في أنشطة الفلاقة في هذه المدونة.
ولم يتوقّف النّضال النّسائي عند حصول تونس على استقلالها في 20 مارس 1956، بل واصلت حضورها الفاعل في المقاومة الى معركة الجلاء 1961. وامتدّت النضالات فيما بعد وأخذت أشكالا أخرى بين توعوية تثقيفية واجتماعية. لتساهم المرأة بذلك في بناء الدولة الوطنية من جميع جوانبها. "
نساء المطوية رائدات النضال الميداني
في محاولة توثيق فصول النضال النسائي وبطولاته في المطوية، أفادت أستاذة التاريخ المعاصر فاطمة شلفوح في مداخلة بالمناسبة أنّ "أبناء المطوية سواء المقيمين منهم بتونس العاصمة أو المستقرين بالقرية ساهموا مساهمة فعالة في الحركة الوطنية، وكانت لهم مواقف متميزة في مقاومة الاستعمار. يقول عنهم المراقب المثاني بتونس وهو موظف فرنسي في تقرير بتاريخ 17 أكتوبر 1934 «إن أكثر المواطنين شعبا بالعاصمة هم أهالي المطوية وقابس... وضعوا أنفسهم في خدمة الحزب كأعوان اتصال ونقل الأوامر وتوزيع المناشير وقد جعلهم إخلاصهم وتكتمهم مفضلين عن غيرهم لدى القادة". هذا الأمر عرض الكثير منهم للسجون والمنافي والأحكام القاسية بلغت حد الإعدام. كما فرض الحصار على القرية في مناسبات عديدة ولكن رغم إجراءات القمع والملاحقة، استمروا في الصمود وتحملوا أعباء المقاومة دون كلل حتى تحقق الاستقلال. من هؤلاء المقاومين نساء المطوية اللاتي كن رائدات في النضال الميداني المنظم ومن بينهن ما توصلت إليهن البحوث ونحن نعتقد وجود أخريات، هنّ : من أم السعد بن يحي وخديجة رابح وشريفة الفياش. فقد ارتبط ظهور من بانخراط القوى الشعبية على الساحة الوطنية في الثلاثينات. والجدير بالذكر أن تناولنا لهذه النماذج المناضلة لا ينسينا نساء قاومن الاستعمار منذ دخوله سنة 1881 أو شاركن في بعض الملاحم الوطنية مثل "معركة رمثة" سنة 1915 بالجنوب الشرقي بتطاوين أو رمادة وغيرها..."
يأتي كتاب "مناضلات تونسيّات: مسارات استثنائية في تاريخ الحركة الوطنية (1881- 1961)" ليحتفل بالعيد الوطني للمرأة كأفضل ما يكون الاحتفاء بالذاكرة النسائية وسير البطلات والمناضلات خاصة بتزامن صدوره مع حدث إطلاق النسخة الرقمية لـ"موسوعة النساء التونسيات مائة امرأة وامرأة" بثلاث لغات العربية والفرنسية والإنقليزية، مما من شأنه أن ينصف نساء تونسيات لسن ككل النساء !
إطلاق الكتاب من "المطوية" وتكريم لمناضلاتها
تجسيدا لمبدأ اللامركزية الثقافية وتكريما لمناضلات المطوية (قابس) ولمناضلات الجنوب التّونسي عموما وتذكيرا بأدوارهن في معركة التحرير الوطني، تم اختيار المطوية لإطلاق الإصدار الجديد للكريديف تم عنوان :"كتاب "مناضلات تونسيّات: مسارات استثنائية في تاريخ الحركة الوطنية (1881- 1961)".وقد تم تحت إشراف وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ السيّدة آمال بلحاج موسى، بادر أمس الاثنين 5 أوت 2024 مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة -الكريديف- في إطار الانفتاح على الجهات بالاحتفال بالعيد الوطني 68 للمرأة التونسيّة لسنة 2024 بمدينة المطوية تحت شعار :"تونسيّات: فاعلات في معركة التّحرير الوطني". وبالمناسبة تم تقديم كتاب:"مناضلات تونسيّات: مسارات استثنائية في تاريخ الحركة الوطنيّة (1881- 1961)"