وتخاذل المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته في إيقاف المحرقة المتواصلة ، أخذت جنوب افريقيا المشعل لتقول لا للمجازر الصهيونية ولا للصمت المستمر الذي ينكل بأبناء فلسطين أكثر من صواريخ الاحتلال ...اليوم روح نلسون مانديلا زعيم الثورة الإنسانية الحقوقية وقائد الضمير العالمي تخرج من ثباتها وتحلق عاليا لنجدة فلسطين في المحاكم الدولية وتحديدا في محكمة العدل في مدينة لاهاي التي بدأت أمس جلساتها للنظر في القضية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد كيان الإحتلال الإسرائيلي بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة .
وتتزامن المحكمة التي تقام يومي 11 و12 جانفي الجاري مع استمرار كيان الإحتلال الإسرائيلي في حربه ضد الفلسطينيين دون اكتراث للدعوات الدولية لوقف الحرب المندلعة منذ 7 أكتوبر 2023. ودمّر القصف الإسرائيلي أحياء بأكملها في قطاع غزة وأجبر 85 في المائة من السكان على الفرار، ويعاني سكان غزة البالغ عددهم 2,4 مليون تقريبا من أزمة إنسانية غير مسبوقة على مستوى العالم ، بالإضافة إلى ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 23.357 شهيدا و59.410 جريحا وهي حصيلة كارثية .
وتتناول جلسات الاستماع مطلب جنوب أفريقيا بفرض إجراءات طارئة، وإلزام ''إسرائيل'' بتعليق عملياتها العسكرية في غزة في حين ستنظر المحكمة في حيثيات القضية، وهي عملية قد تستغرق أعواما وفق تقارير إعلامية . وتتّهم جنوب إفريقيا سلطات الإحتلال بارتكاب "أعمال إبادة" في قطاع غزة وهي اتهامات وصفتها إسرائيل بأنها "تشهير دام". وقدّمت جنوب إفريقيا شكوى متكوّنة من 84 صفحة تسعى من خلالها لدفع محكمة العدل الدولية إلى استصدار قرار عاجل يفرض على إسرائيل وقف عدوانها في قطاع غزة المحتل .ووفق نفس الدعوى تتعلّق الدعوى باتهام توجهه جنوب إفريقيا لسلطات الإحتلال الإسرائيلي بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية .
ومحكمة العدل الدولية هي المحكمة العليا للأمم المتحدة، تأسست عام 1945، مقرها لاهاي، تختص بالفصل في النزاعات بين الدول وإبداء الرأي الاستشاري، تضم 15 قاضيا سيتم تعزيزهم بقاض إضافي من كل جانب في قضية ''إسرائيل''، ويتم انتخابهم لمدة 9 سنوات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وجنوب إفريقيا وإسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها العائدة للعام 1948 ردًا على مجازر الإبادة في حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ويحقّ لكل دولة موقعة ملاحقة دولة أخرى أمام محكمة العدل الدولية في حال الاختلاف على "تفسير أو تطبيق أو احترام" القواعد الهادفة إلى منع وقوع أعمال إبادة جماعية.
فحوى القضية
وقالت جنوب إفريقيا في الدعوى المقدمة إلى المحكمة: "الأمر الأخطر من ذلك هو أن إسرائيل انخرطت وتخاطر بالتورط في المزيد من أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة". وتقول جنوب أفريقيا إن أعمال إسرائيل في غزة هي “إبادة جماعية لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والعنصرية الفلسطينية''.
وجاء في الملف أن ''الأفعال المعنية تشمل قتل الفلسطينيين في غزة، والتسبب في أذى جسدي وعقلي خطير لهم، وفرض ظروف معيشية عليهم تهدف إلى تدميرهم جسديًا''.وقال وزير العدل في جنوب إفريقيا رونالد لامولا "لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة مهما كانت خطورته أن يقدّم أي تبرير لانتهاكات الاتفاقية".وقالت محامية من وفد جنوب إفريقيا إلى المحكمة عادلة هاشم إن "الوضع وصل إلى حدّ أن الخبراء "الوضع بلغ حدا بات فيه خبراء يتوقعون أن يموت عددًا أكبر من الناس جراء الجوع والمرض" منه جراء أفعال عسكرية مباشرة.
وأضافت إن إسرائيل دفعت السكان في غزة "إلى حافة المجاعة".وفي وقت سابق، قالت جنوب إفريقيا إنها "تدرك تمامًا حجم المسؤولية الخاص ببدء ملاحقات ضد إسرائيل لانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة".وترى بريتوريا أن إسرائيل "أقدمت وتقدم وقد تستمر في الإقدام على أعمال إبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة".
بدء الجلسات
ويوم أمس قالت محامية من وفد جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية الخميس إن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة دفعت السكان "إلى حافة المجاعة".وأوضحت المحامية عادلة هاشم أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي أن "الوضع بلغ حدا بات فيه خبراء يتوقعون أن يموت عددًا أكبر من الناس جراء الجوع والمرض" منه جراء أفعال عسكرية مباشرة.
وأضافت أمام محكمة العدل الدولية: ليس من الضروري إثبات ان ما كل ما تقوم به إسرائيل في غزة يشكل خرقا لميثاق الإبادة الجماعية، لكن يكفي أن تثبت المحكمة أن بعض ما تقوم به إسرائيل يشكل خرقا لهذا الميثاق.وأضافت: هذه الخروقات مفصلة في الطلب الذي تقدمت به جنوب أفريقيا بأن ما تقوم به إسرائيل يشكل خرقا للفقرة A2 من الميثاق بحسب ما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة.وذكرت أن الفلسطينيين في غزة يُقصفون أينما ذهبوا وأينما لجأوا وحتى في محاولة فرارهم، كما تعرضوا للنزوح والتهجير القسري.وشددت على أن غزة تحولت إلى مقبرة للأطفال على حد وصف الأمم المتحدة، وفُرضت أوامر الإخلاء والتهجير من الشمال إلى الجنوب بدون تقديم أي مساعدة إنسانية مع قطع متطلبات الحياة عن قصد، بهدف تهجير الفلسطينيين وتدميرهم.
وشدّدت بريتوريا على أن "الظروف لا يمكن أن تكون أكثر إلحاحا"، معتبرة أن "إسرائيل تشنّ حملة عسكرية على قدر خاص من الضراوة".وتطالب جنوب إفريقيا أيضا بتعويضات لإعادة بناء غزة وعودة النازحين الفلسطينيين.
واستمعت محكمة العدل الدولية أمس الخميس إلى حجج جنوب أفريقيا وسترد إسرائيل اليوم الجمعة على الادعاءات.ومن المتوقع أن يصدر حكم في وقت لاحق من هذا الشهر بشأن الإجراءات العاجلة لكن المحكمة لن تصدر حكمها فيما يتعلق باتهامات الإبادة الجماعية في الوقت الراهن، إذ قد تستغرق هذه الإجراءات سنوات وفق ''رويترز''.وقرارات المحكمة نهائية وغير قابلة للاستئناف لكن ليس لدى المحكمة آلية لتنفيذها.
مخاوف في إسرائيل
وأثارت القضية المرفوعة غضبا إسرائيليا ، فإسرائيل لا تعترف بالقوانين الدولية ومحاكمها لكن أي حكم يصدر من شانه ان يفضح أكثر هذه الدولة الإرهابية التي تقوم على عقلية القتل والتنكيل والسلبة دون ان تجد رادعا طيلة عقود مضت . هذا الغضب والرفض تمثل في ردّ الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ بالقول "ليس هناك ما هو أكثر فظاعة وسخافة من هذا الإعلان".وأضاف "سنمثل أمام محكمة العدل الدولية وسنقدّم بكل فخر قضيتنا في الدفاع عن النفس بموجب القانون الإنساني الدولي".
وسيرافع ممثلون من جنوب إفريقيا وإسرائيل في جلسات استماع يومي الخميس والجمعة. وباعتبار أن الجلسة طارئة من الممكن أن تصدر محكمة العدل الدولية حكمها في غضون أسابيع قليلة وقد تمتد لسنوات.وأحكام المحكمة مبرمة وملزمة قانونا، لكنها لا تملك سلطة لفرض تطبيقها.
ففي مارس 2022، أمرت المحكمة روسيا "بتعليق فوري" لغزوها أوكرانيا، إلا أن موسكو تجاهلت هذا الأمر بالكامل . إذ يرى مراقبون أنّ إسرائيل بدورها لن تلتزم بأية قرار يصدر عن المحكمة مع العلم أنها لم تلتزم سابقا بقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمم في قرارات على علاقة بعدوانها وانتهاكاتها ضدّ الفلسطينيين .وبالتوازي مع ذلك يرى شق آخر أن القرار الذي سيصدر عن المحكمة وإن لم تلتزم إسرائيل بتنفيذه فإنه سيحمل تأثيرات على صورة الإحتلال التي يحاول ترويجها للغرب بهدف الحصول على الدعم .
توثيق جرائم إسرائيل
في الأثناء قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أمس الخميس، تزامنا مع انطلاق أولى جلسات الاستماع العلنية في الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية، إن طلب جنوب أفريقيا ينصب بشكل أساسي على اتخاذ تدابير مؤقتة تهدف إلى عدم اتساع رقعة النزاع أو عدم استمرار إسرائيل في ارتكاب جريمة الإبادة، وهو إجراء مماثل للإجراءات الاستثنائية، أو ما يعرف في المحاكم العادية بالإجراءات المستعجلة.
وتتهم جنوب أفريقيا إسرائيل، في الدعوى التي أقامتها في أواخر ديسمبر الماضي، بارتكاب إبادة جماعية للفلسطينيين في قطاع غزة.وأضاف رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي وفق قناة "القاهرة الإخبارية": "قدمنا للفريق القانوني بجنوب أفريقيا تقارير توثق ارتكاب الاحتلال عمليات قتل جماعي منظم في غزة، وتعمد الاحتلال استهداف القطاع الصحي وحفر مقابر جماعية".
وأوضح أن "هذه القضية باتت في أروقة محكمة العدل بشكل واضح، والقضاة الـ15 يقع عليهم مسؤولية كبيرة في دراسة ملف الدعوى المقدم من جنوب أفريقيا"، موضحا أن "تصريحات قادة الاحتلال الإسرائيلي تنص بشكل واضح على استهدافهم لطيف معين أو فئة معينة وهو الشعب الفلسطيني، وكان هناك حس أو قصد مادي عبر عنه بإجراءات التجويع وسقوط 23 ألف شهيد فسلطيني".
وتابع رئيس المرصد الأورومتوسطي، أن "التهجير القسري الذي مارسته إسرائيل على نطاق واسع كذلك ضمن دعوى القضية، وحاولت إسرائيل خلال الأيام الماضية تقديم روايات مغايرة عبر إصدار تصريحات عبر المراقب العام للحكومة الإسرائيلية الذي تحدث عن تحذيره المسؤولين الإسرائيليين من الإدلاء بأي تصريحات تدعم اتهامهم بارتكاب جريمة الإبادة".وتطالب جنوب أفريقيا بالحماية القانونية للفلسطينيين في إجراءات موجزة، كما ترغب في أن يأمر قضاة المحكمة الدولية بوقف إطلاق النار.
بلينكن يلتقي السيسي
على صعيد متصل التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة أمس الخميس في ختام جولة دبلوماسية مكوكية شملت إسرائيل وجيرانها لبحث الحرب في غزة.
وجاءت الزيارة بعد يوم من لقاء السيسي بالعاهل الأردني الملك عبد الله ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في العقبة في وقت تسعى فيه واشنطن إلى وضع حد لإراقة الدماء في قطاع غزة في ظل التهديد بامتداد الصراع إلى لبنان والعراق والممرات الملاحية بالبحر الأحمر.
وحذرت مصر والأردن بعد المحادثات من أن الحملة الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 23 ألف فلسطيني، وفقا لوزارة الصحة في غزة.وجاء بلينكن، الذي زار تسع دول والضفة الغربية المحتلة في أسبوع، لإسرائيل بتصور مبدئي مفاده أن تسهم دول الجوار في إعادة تأهيل قطاع غزة بعد الحرب وتواصل التكامل الاقتصادي مع إسرائيل، بشرط التزام إسرائيل بالسماح في نهاية المطاف بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وستشمل تلك الدولة قطاع غزة والضفة الغربية، حيث التقى بلينكن بعباس في مقر السلطة الفلسطينية في رام الله أمس الأربعاء. وتريد واشنطن من السلطة الفلسطينية أن تقوم بإصلاحات وتستعيد مصداقيتها من أجل تولي شؤون قطاع غزة إذا حققت إسرائيل هدفها المتمثل في القضاء على حماس التي تدير القطاع منذ عام 2007.ومن المرجح أن يناقش بلينكن في القاهرة المحادثات الجارية مع حماس بوساطة مصر وقطر.