حان الوقت لإصلاح زراعي تأخر نصف قرن

انبثقت دولة الإستقلال من كفاح و نضالات الشعب التونسي و تجسمت في تحالف طريف بين طبقته العاملة المؤطرة نقابيا في صفوف الاتحاد العام التونسي للشغل و نخبته السياسية الوطنية المتحررة و الحداثية المنتمية للحزب الحر الدستوري ، وجسد مؤتمر حزب الدستور المنعقد في 15 نوفمبر 1955 بصفاقس

إطارا لذاك التحالف الذي تواصل منذ ذلك التاريخ و حتى 14 جانفي 2011 تحت حكمي بورقيبة و بن علي و إستقطب منظمات الأعراف و النساء وحتى الطلبة إلى حدود سنة 1971 لكن قاطعه إتحاد الفلاحين وقتئذ مفضلا الإنحياز لصالح بن يوسف.
في ذلك المؤتمر رسمت الملامح الأساسية لدولة الإستقلال وضبطت أطر الإصلاحات الكبرى التي ستشهدها تونس الحديثة في العشريات الموالية، ومن يتصفح الرائد الرسمي الصادر في الأشهر الاولى للإستقلال يخال وكأن تلك الأوامر والقوانين كانت على الرفوف ولا تنتظر غير إعلان الإستقلال حتى تنشر.

أربعون يوما فقط تفصل بين إعلان الإستقلال و31 ماي 1956 تاريخ الامر المتعلق بحل الأحباس العامة، وتلاه أمر 18 جويلية 1957 المتعلق بحل الأحباس الخاصة وأحباس الزوايا وبعد شهرين في 28 سبتمبر صدر القانون المتعلق بنظام الأراضي الإشتراكية، و تطول قائمة الأوامر والقوانين التي جاءت تباعا بهدف تأسيس مجتمع حديث في أفكاره وعلاقاته وبنيته التحتية و تجاوز المجتمع القبلي التقليدي، وهي تشريعات شملت كافة أوجه حياة التونسيين في بلدهم المستقل.

انبثقت أول حكومة لدولة الإستقلال لتجسد التحالف بين حزب الدستور واتحادي الشغل والأعراف وضمت في صفوفها ثلة من القادة النقابيين المتشبعين بالفكر الإجتماعي والملتزمين ببرنامج اقتصادي اجتماعي أقرته منظمتهم وكلهم تطلع إلى تنفيذ الإصلاحات التي يتضمنها وفي مقدمتها الإصلاح الزراعي الذي كان وعلى امتداد سنوات أحد محاور النضال النقابي، فقد شهدت تونس في نوفمبر 1951 إضرابا للعمال الفلاحيين بمنطقة سوق الإربعاء (جندوبة حاليا) تواصل 110 أيام، وكان من بين أعضاء الحكومة أحد أعضاء المكتب التنفيذي وهو أستاذ للحضارة واللغة العربية و خريج جامعة السربون وهو السيد مصطفى الفيلالي الذي لم يمارس لا الهندسة ولا العمل الفلاحي إنما كان صاحب مشروع سياسي وصاحب رؤية إصلاحية للقطاع الفلاحي وغيره من القطاعات وصاحب رؤية عصرية لما يجب أن يكون عليه المجتمع التونسي.

في عهد وزارة السيد الفيلالي صدرت أهم النصوص التشريعية التي رسمت الملامح الأساسية والتي مازالت لحد اليوم تشكل الإطار العام للمقاربة التونسية للمسألة الفلاحية.

في حكومة الإستقلال الأولى برئاسة الحبيب بورقيبة وبعد حل الأحباس العامة والخاصة، كان المعمرون الفرنسيون والأجانب والبالغ عددهم 3000 معمر يسيطرون على 570 ألف هكتار تقع خاصة في مناطق الشمال والوسط كما كانوا يستغلون 200 ألف هكتار على وجه الكراء .

منذ مطلع سنة 1957 بادرت الحكومة بعرض شراء لقسط أول بـ 120 ألف هكتار من أراضي المعمرين وتبعته بعرض ثان لشراء 150 ألف هكتار أخرى سنة 1961، هذا الرصيد العقاري وظف في نطاق إصلاح زراعي جزئي.
لم يكن من السهل على حكومة الإستقلال أن تبادر بتأميم أراضي المعمرين وآلاف الجنود الفرنسيين الجاثمين في شمال البلاد وجنوبها.

كانت الأولويات تتمثل في بناء مؤسسات الدولة العصرية وإستكمال مقومات الإستقلال التام من خلال الجلاء العسكري عن بنزرت ورمادة والسعي إلى تحقيق الرفاه والرقي للشعب التونسي المتعطش للأفضل.

كانت كافة الإصلاحات تسير بالسرعة القصوى كما أن المصعد الإجتماعي يشتغل بأقصى طاقته.... لم تتمكن دولة الإستقلال الفتية من إنجاز الإصلاح الزراعي المنشود، ولم يفلح النقابيون في جعله من الأولويات فاضطّرت الدولة إلى إتباع سياسة المراحل التي مارستها على أحسن وجه، ويمكننا القول أنها تمت بأسلوب يجعلهما حدث ما يمكن أن يسمى بالفرنسية « un cas d’ecole».

انتظرت القيادة السياسية سبعة أشهر بعد جلاء آخر جندي عن تراب الوطن في 15 أكتوبر 1963 ليفاجىء الزعيم الحبيب بورقيبة الجميع بالقانون عدد 5 المؤرخ في 12 ماي 1964 – الذّي يصادف تاريخ إنتصاب الحماية في 12 ماي 1881 –
وهو القانون المتعلق بملكية الأراضي الفلاحية بتونس بعد أن نظر فيه وصادق عليه مجلس الأمة قبل يوم واحد من ذلك التاريخ، ولم يتضمن هذا القانون سوى ستة فصول نصّ الأول منها على :«أنّ ملكية الأراضي الفلاحية تقتصر على الأشخاص الطبيعيين من ذوي الجنسية التونسية والشركات التعاونية ». وبذلك تمت إحالة كافة الأراضي المملوكة لغير التونسيين إلى ملك الدولة الخاص وأحيلت معها الآلات والمواشي وكل التجهيزات المعدة لإستغلالها وتحويل منتجاتها وبهذا القانون طويت صفحة كانت قد فتحت منذ أواسط القرن 19 تسمح بتملك الأجانب أفرادا وشركات للأراضي الفلاحية التونسية.

جاء هذا القانون فاجعة للمعمرين وكابوسا جديدا لفرنسا التي عمدت إلى قطع المعونة المالية على تونس كإجراء عقابي عاجل. وباسترجاع كل أراضي المعمرين أضحت الدولة التونسية أكبر مالك عقاري برصيد يفوق 800 ألف هكتار من أخصب الأراضي .

في هذا الخضم كانت البلاد تسير بخطى حثيثة نحو إرساء الإشتراكية الدستورية التي لم يكن لها من مهندس غير الأمين العام السابق لاتحاد الشغل وواضع البرنامج الإقتصادي والإجتماعي للمنظمة والذي تحتل فيه المسألة الزراعية حيزا كبيرا وهو السيد أحمد بن صالح. لقد تم تبني الإشتراكية من طرف الحزب الدستوري يوم 23 مارس 1962 وبهذا القرار أصبحت الدولة المشرف الوحيد على أوجه الحياة الإقتصادية والإجتماعية وحتى عملية التفويت في تلك الأراضي التي إقتنتها الدولة من المعمرين و التي إنطلقت سنة 1958 في حوض مجردة السفلي قد توقفت وقد أوضح بورقيبة مفهومه للإشتراكية بكل صراحة وبعيدا عن كل غموض، الإشتراكية بالنسبة إليه تعني أساسا الحد من الملكية الخاصة مع إمكانية إلغائها في أي وقت « بقدر ما تفرضه المصلحة العامة» حسب تعبيره.

خلال السنوات الثماني 62 – 1969 توسع الرصيد العقاري للدولة والتي أصبحت بدون منازع أكبر مالك عقاري بالبلاد وأكبر فلاح فاشل ربما في الشمال الإفريقي إن لم يكن ذلك في القارة الإفريقية قاطبة وذلك نتيجة لتتالي مواسم الجفاف وتعيين موظفين غير أكفاء

وغير مؤمنين أصلا بالفكر الإشتراكي على رأس التعاضديات الفلاحية. لقد دبّ الرفض لهذا التمشي وعدم الإقتناع به في نفوس عامة الناس وشهد ذروته في إنتفاضة الفلاحين بقرية الوردانين وهي مسقط رأس قائد نقابي كبير وعضو بالديوان السياسي لحزب الدستور رافض لسياسة التعاضد وهو السيد عبد الله فرحات. ففي يوم 27 جانفي 1969 تظاهرت أعداد غفيرة من الفلاحين وهم طبعا من صغار الفلاحين إذ لا وجود لكبار الفلاحين وقتئذ بالساحل – و لعله من المفارقات العجيبة في بلادنا أنّ كبار ملاّكي الأراضي الزراعية منذ مطلع القرن قبل الماضي ينحدرون من حاشية البايات الذين تعاقبوا على حكم البلاد وراحوا يوزعون العطايا في شكل «هناشر» سواء للجواري «هنشير غزالة» بماطر مثلا أو لكبار القوم ناهيك أنّ أغلبية كبار إقطاعي تونس والذين يملكون أخصب الأراضي بشمال البلاد ووسطها يقيمون بمدينة المرسى، ولا يكاد يخلو بيت من ملكية عقارية بمئات الهكتارات في وادي الزرقاء أو باجة أو ماطر وغيرها من الربوع.

نعود إلى غضب الفلاحين التلقائي أو ربما المدفوع من قبل الأخ النقابي الرافض لفكرة الإشتراكية الدستورية حيث تصدى الفلاحون إلى جرافات التي جاءت تزيل الطوابي وهي نوع من السواتر الترابية لمقاومة انجراف الأرض والمساعدة على تجميع مياه الأمطار والصالحة بنفس الوقت لرسم حدود الملكيات الفردية فتدخل الجيش للسيطرة على الوضع مما أدّى إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى، وفي 12 سبتمبر 1969 قرر المجلس الأعلى للدولة التخلي عن التعاضد وكانت الأراضي الفلاحية مهيكلة على النحو التالي :

- 54 % أراض ملكية خاصة

- 30 % أراض دولية

- 16 % أراض تعاضدية

فأصبحت البنية الزراعية تتميز بتفاوت كبير في توزيع الأراضي على المستغلين، إذ يستغل 5 % منهم نصف الأراضي الزراعية المحروثة .
تلك كانت الصورة في مطلع السبعينات التي انطلقت تحت الشعار البراق للتعايش بين القطاعات الثلاثة لكن تطور الأحداث في العشريات اللاحقة يبرز انخراما على حساب القطاع التعاضدي الذي كاد يختفي من المشهد نتيجة الترويج من قبل القوى المحافظة لثقافة معادية لكل ماهو تعاوني أو تعاضدي فما بالك بما هو اشتراكي.

خرج التيار الليبرالي المعادي للتعاضد صلب اتحاد الشغل والحزب الدستوري منتصرا على تيار آخر صلب نفس المنظمة والحزب يدافع على الخيار الإشتراكي. وفي التركيبة الجديدة للائتلاف المهيمن برأسيه الهادي نويرة والحبيب عاشور راح التيار النقابي يدفع لتعزيز القطاع العام ودوره في المجتمع ويسعى إلى تقوية المؤسسات العمومية الصناعية وشبه الصناعية التي تأسست في عشرية الستينات وراح التيار الليبرالي يدفع لتقوية القطاع الخاص إنها من الخصوصيات التي تميز النموذج التونسي للحزب الاشتراكي الذي يضم العامل ورب العمل.

لقد كان النقابيون وقود وأدوات المعركة التي شهدتها تونس أواخر الستينات وطيلة السبعينات من أجل الإختيارات الإقتصادية والإجتماعية ولقد دفعوا فيها ثمنا باهظا فقد شرد خلالها أمين عام في بلاد المهجر بعد أن أزيح من الأمانة العامة ومات وهو في عزّ الشباب ونعني به الزعيم أحمد التليلي ودخل السجن تباعا كل من الحبيب عاشور وأحمد بن صالح إلى جانب العشرات من القادة الآخرين. لقد دفع النقابيون فاتورة غالية خلال تلك العشرية، دفعوا ثمن أخطائهم وسوء تقديرهم وانخراطهم في اللعبة السياسية.
والأهم من كل ذلك أنهم عطلوا ساعة الإصلاح الزراعي لمدة نصف قرن، ففي منتصف الخمسينات ومطلع الستينات كانت جل البلدان الصاعدة اليوم بصدد إنجاز إصلاح زراعي مكنها من إمتلاك القاعدة المادية للنهوض الإقتصادي. هذا ما عاشته كوريا الجنوبية والتشيلي والمكسيك، وجل أقاليم الهند وبنغلادش وتعيشه فيتنام منذ نهاية الحرب في 1975.

لقد كان بإمكان تونس أن تحقق أكثر مما حققت بكثير لو أنجزت في الإبان الإصلاح الزراعي المطلوب. كما لم يكن من المفضل أن تواصل الأجهزة البيروقراطية التصرف فيما يقارب المليون هكتار ولم يكن من المفضل أن يتم التصرف في هذه الأراضي بطريقة توظيفية ساذجة تستهدف خلق زبونية سياسية طورا بدعوى تأمين الأمن الغذائي ذاك الشعار السياسوي الزائف وطورا آخر بدعوى تعديل السوق وأحيانا أخرى باستعمال شعار من الوزن الثقيل من قبيل المحافظة على الملك العام بما أدّى إلى استبطان أغلبية النخب وخصوصا اليسارية لهذا الشعار الأجوف وتجندهم للمحافظة على ما تبقى من أراض على ملك الدولة الخاص (في حدود 540 الف هكتار) تحت تصرف الإدارة ولفائدة مجموعات من المستثمرين الفاشلين ولضمان ريع غير معلن للبعض من موظفي الدولة على المستويات المحلية والجهوية والوطنية.

مسؤولية أخلاقية كبرى تقع اليوم على عاتق الحركة النقابية وخصوصا على عاتق الإتحاد العام التونسي للشغل لجعل مسألة الإصلاح الزراعي إحدى الأولويات الوطنية، ذلك أنّ إتحاد الخمسينات ليس بأكثر وعيا من إتحاد اليوم الذي يمكنه أن يرى وبدون عناء كيف تحول حلم ملايين التونسيين باسترجاع أراضيهم من المعمرين الأجانب إلى كابوس مزعج أمام المصير الذي آلت إليه هذه الثروة الوطنية التي تتبدد من يوم إلى آخر وفي غفلة من الجميع.

لقد أعاق احتفاظ الدولة بهذا الكم الهائل من الأراضي الفلاحية وعدم استغلالها بالطريقة المثلى تطور الريف التونسي وفقّره وحرمه من طاقاته الشّابة التي هاجرت إلى المدن بحثا عن لقمة العيش . لقد تم إخلاء الريف من طاقاته الخلاّقة والقادرة على العمل .
فقد شهد الريف التونسي في الأشهر الستة الأولى لسنة 2011 أعمالا تخريبية وإتلافا للمحاصيل ونهبا للتجهيزات وسرقة للمواشي تذّكر بما حدث للأرياف التونسية عند غزو الهلاليين.

كان ذلك السلوك المدان ردة فعل طبيعية لمن إعتقدوا أنهم أولى بإستغلال الأراضي التي ولدوا بها من أولئك القادمين على متن السيارات الرباعية الدفع لتمضية «الويك آند» مع العائلة والأصدقاء والتصرف على طريقة إقطاعي أمريكا اللاتينية والحصول على القروض البنكية من البنوك العمومية طبعا والتي يعاد تمويلها طبعا مرة أخرى من أموال الشعب بعد أن تقع في صعوبات.

سلمت أزيد من مائتي ألف هكتار إلى 300 مستثمر وأقلية منهم فقط أقدمت على غراسة بعض الأشجار ... وأقلية أخرى منهم فقط أقدمت على استثمار بضعة ملايين... وزعت الأراضي على جماعات من الخلان والزبائن كريوع صافية لتوسيع دوائر النفوذ ... وحسب كاتب الدولة الحالي للإنتاج الفلاحي يوجد اليوم 70 ألف هكتار من الأراضي الدولية المهملة، وبالرغم من أنّ هذا الأمر مصيبة في حد ذاته فإنه خبر سار لأن هذا الرصيد العقاري يمثل نواة لما يتحتم من وجهة نظرنا القيام به وبصورة عاجلة.

المطلوب اليوم هو التحلي بالشجاعة والجرأة وترك الشعارات الجوفاء والتردد جانبا واتخاذ القرارات الثورية والقادرة على تغيير وجه المجتمع التونسي، أمامنا فرصة لتمكين 200 ألف شاب وشابة في نطاق الإصلاح الزراعي الذي لم ينجز منذ ما يزيد عن نصف قرن من حقهم المشروع في التملك والعمل وأمامنا فرصة للإعلان وبكل روح مسؤولية عن إنطلاق الإصلاح الزراعي والإقدام على بيع أراضي الدولة المهملة في مرحلة أولى إلى الشباب ضمن شركات مدنية عقارية في إطار مقاسم قابلة للإستغلال -من 1 إلى 10 هكتارات- وذلك بسعر السوق وبقروض بفائض غير ربحي وتأطير هؤلاء الشباب وتمكينهم من كافة الظروف لإستغلال هذه الأراضي على الوجه الأفضل.
هناك إمكانية اليوم لخلق ما يزيد عن 200 ألف فرصة عمل في السنوات الثلاث أو الأربع القادمة على الأراضي الفلاحية الدولية متى بعثنا الأطر المناسبة وأمامنا فرصة لخلق هجرة معاكسة من المدن الساحلية نحو الريف وإعادة الحياة إلى أريافها المؤهلة لخلق حركية

إقتصادية، سياحية وثقافية جديدة، أمامنا خصوصا فرصة تاريخية لبعث حركة تعاونية تضم المئات من الآلاف من المتدخلين وقادرة على إدخال توازن على مجتمعنا وخصوصا طبقتنا الوسطى التي ما إنفكت تنحسر وتخسر من مساحتها لفائدة الشرائح اللأدنى . أمام بلادنا فرصة قلما تتاح لبلدان أخرى من أجل إعادة التوازن الإجتماعي وترميم ما دمرته سياسات الإصلاح الهيكلي سواء عبر تهميش الفلاحة أو ضرب الصناعات التقليدية أو المبالغة في الميكنة في عديد القطاعات. أمامنا فرصة لإمتصاص ثلث البطالة بإجراء ثوري شكل دوما مطمحا وحلما للشعب التونسي.

حكومة السيد الشاهد قادرة اليوم على بعث صندوق سيادي برأسمال ضخم يمول من بيع عدد من شركات الإحياء التي يرغب أصحابها فعلا في الإستثمار الفلاحي وهذا الصندوق يكون قاطرة للقطاع الفلاحي التعاوني الناشئ. هذا الصندوق يمكن أن يستقطب آلاف المليارات ويساهم في إدماج ثلث العاطلين عن العمل في الدورة الإقتصادية ويسمح بتحويلهم إلى دافعي ضرائب وكذلك إلى مساهمين في تمويل الصناديق الإجتماعية.

من الصعب أن تعرف تونس طريقها إلى التنمية الحقيقية طالما ظّل نصف مليون هكتار خارج الدورة الإقتصادية الحقيقية وطالما ظلّ مائتا ألف شاب وشابة لهم فرصة الإندماج في الدورة الإقتصادية بسرعة وبدون كلفة استثمارية عالية يتفرجون على عشرات ألاف الهكتارات المهملة ومئات الألاف الأخرى سيئة الإستغلال.

نذكر مرة أخرى بأن بلادنا في حاجة إلى إصلاح زراعي جذري يطال الأراضي الدولية في المقام الأول و يعيد الإعتبار للريف التونسي الذي اهمل لملابسات تاريخية يطول شرحها، وعموما فإن الثورات الكبرى في العالم لم تنجح إلا عند إقرار إصلاحات طالت الأرياف وأخرجت الفلاحين من البؤس والخصاصة وبصورة عامة نلحظ ظاهرة جديدة بدأت تتأكد يوما بعد يوم في عالم القرن 21 وهي العودة مجددا إلى الفلاحة كقطاع رئيسي في النشاط الإقتصادي، تعود اليوم الفلاحة النظيفة الخالية من السموم والمواد الكمياوية لتكون المطلب رقم واحد لمئات ملايين المستهلكين في العالم وهذا ما يؤهل بلادنا بطقسها المعتدل والملائم لجل الزراعات لتكون فعلا مطمورا حقيقيا وهذا ما دفع مؤخرا بمجموعة من التونسيين إلى بعث «الرابطة التونسية للفلاحة» وهي جمعية تدافع من بين جملة القضايا التي تتبناها على ضرورة الإسراع بإصلاح زراعي تأخر إنجازه نصف قرن .

مختار بوبكر

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115